( بقلم د. علي عظم محمد )
لا نلوم حزب الله على ما قام به من اسر وقتل جنود إسرائيليين في سبيل فك اسر المقاتلين اللبنانيين لدى إسرائيل منذ حرب التحرير في القرن الماضي, فالحرب لم تنتهِ بين الطرفين والا لماذا موجودة قوة مراقبة دولية, علاوة على احتلال بعض المناطق الحدودية التابعة للبنان مثل مزارع شبعا, وانسحاب إسرائيل من بعض المناطق لا يعني إن الحرب قد انتهت, ولكن قيام حزب الله بهذه العملية الجريئة ربما لم تكن في وقتها المناسب لان أوضاع لبنان الداخلية مرتبكة سياسياً, وهنالك صراعاً سياسياً بين مختلف الكتل والأحزاب اللبنانية وتحول كثير من أقطاب الحركة الوطنية في السابق إلى جانب السياسة الأمريكية والإسرائيلية التي تصف المقاومة اللبنانية بالإرهاب وليد جنبلاط وكتلة سعد الحريري, على الرغم من وقوف بعض القيادات المسيحية إلى جانب حزب الله والمقاومة. اما السبب الآخر لعدم دقة التوقيت ما يعانيه الشيعة بشكل عام في العالم من ضغوط خارجية بسبب البرنامج النووي الإيراني وبالتالي سوف يفسر أي عمل يقوم به الشيعة بأنه موجه من إيران.
وفي هذا السياق يأتي موقف الحكومات العربية من العدوان الإسرائيلي على لبنان, ويبدو إن هنالك اتفاقاً عريباً لاسيما الدول التي تعدها الولايات المتحدة بأنها دول معتدلة وهي الدول التي يرتبط بعضها بعلاقات دبلوماسية واقتصادية بإسرائيل مثل مصر والأردن, خاصة وان هذه الدول تحاول تأليب الأمريكيين على كل ابناء الطائفة الشيعية, مستغلة تدهور العلاقات الأمريكية- الإيرانية, فقد سبق لحكام هذه الدول ان حاولو تخريب أي علاقة بين الأمريكيين والقوى السياسية الشيعية في العراق, ومن هذه المحاولات تصريحات الملك عبد الله الثاني حول محاولات إيران خلق الهلال الشيعي للسيطرة على الخليج العربي وبلاد الشام في العام المنصرم, ثم جاءت تصريحات الرئيس المصري حول عدم ولاء الشيعة في الوطن العربي لبلدانهم قبل شهرين, واليوم في القمة المصرية- الأردنية المنعقدة بتاريخ 14/7 حيث لم تصدر إدانة للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني واللبناني بل تحميل حزب الله المسؤولية متناسين اصل المشكلة.
وفي هذا الاتجاه يأتي الموقف السعودي والذي يدعي بأنه كان يدعم المقاومة في لبنان وفلسطين, في حين وقائع التاريخ تثبت عكس ذلك تماماً, ولا نريد أن نعود إلى عام 1945 واعتراف الملك عبد العزيز بإسرائيل قبل ولادتها, ولا إلى تدمير مقدسات الشيعة سنة 1926 ولا إلى سياسة الملك سعود وفيصل اتجاه اليمن والخوف من حركة التحرر من أن تنتقل إلى السعودية بل سأشير إلى شطر من بيت الشعر العربي استشهد به الملك خالد حول موقف السعودية من النزاع الإيراني- العراقي بعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران-وهل تقف السعودية إلى جانب العراق أم لا في اجتماع للعائلة المالكة. وفي ذلك الاجتماع تقرر فيه أن تدعم السعودية العراق حيث قال[ تموت الأفاعي بسم العقارب] يعني مد النزاع وتدمير كلا البلدين وهذا هو جوهر السياسة الأمريكية التي تبنتها السعودية في حينها وما زالت قائمة كما أظن, ولذلك لا يستغرب موقف المملكة الآن من حزب الله باعتبار عمله عملاً غير مسؤول لاسيما وان ذلك حزب يمثل شريحة كبيرة من شيعة لبنان, وهذا الموقف امتداد إلى موقف المملكة خلال الحرب الأهلية اللبنانية , حيث كانت المخابرات السعودية تمول كثير من العمليات التخريبية داخل لبنان مثل محاولة قتل الشيخ "حسين فضل الله" في 8 مارس سنة 1985 من قبل وكالة المخابرات الأمريكية. والقوى العربية الثلاث هذه في اعتقادي إنها تمثل محور السياسة العربية أما باقي الحكومات العربية هي تبع إما لمصر أو السعودية أو الولايات المتحدة, وبالتالي فهي ليست ذات قيمة في مواقفها لأنها حكومات دمى ومواقف هذه الحكومات هي استجابة للشارع وليس مواقف مبدئية كما هو حاصل في موقف الرئيس اليمني الذي يواجه تحدياً سياسياً احد جوانبه القوى الإسلامية, أما ما يسمى بحركة الاصلاح وإجراء الانتخابات فهي مسرحية سيفوز بها علي عبد الله صالح في النهاية. والموقف السوداني فهو تنفيس لما يعانيه الرئيس السوداني وحكومته من ضغط داخلي وخارجي بسبب الصراع في دارفور والجنوب. والمغرب العربي بدولة المعروفة ودول الخليج العربي فهي ترتبط بعلاقة متينة مع إسرائيل اقتصادية وسياسية مثل العلاقة مع المملكة المغربية وموريتانيا التي وصل إلى حد التمثيل الدبلوماسي او المكاتب الاقتصادية في قطر وعمان, وأما البقية فان علاقاتها غير معلنة لأنها لا تمتلك الشجاعة لمواجهة شعوبها كما أشار إلى ذلك وزير خارجية إسرائيل السابق [ شالوم] عندما طالب الحكومات العربية بإطلاع شعوبها على عمق العلاقات العربية- الإسرائيلية. وبدورنا نطالب تلك الحكومات بكشف طبيعة تلك العلاقات, وما هو محلل بالسر فليكن بالعلن ولكن يبدو إن حكومات الدمى تخاف شعوبها وتعمل على ترويض تلك الشعوب بالقهر والقوة وفرض سياسة الأمر الواقع وبخاصة الحركات الإسلامية ذات الموقف المتصلبة من تطبيع العلاقة مع إسرائيل.
د. علي عظم محمدرئيس الجامعة الاسلامية في النجف الاشرف
https://telegram.me/buratha