( بقلم قاسم محمد الكفائي )
صلحاءُ الأمم وفي كل العصورهم بمثابة عمود أمتهم إذا تهدّم وهوى يتهدّم معه كلُّ مَن اعتصم به . وحالاتٌ كثيرة تفسّر السقوط والأرتقاء إما في الحرب ، أو الفكر ، أو السياسة ، أوالعقيدة التي يتبناها المصلح .
فالصلحاء هم أشبه بالنور الذي يكشف عن الظلمة وعثرات الطريق . وللأمة الأسلامية صلحائها إبتداء من عصر الخلافة الأولى التي توسمت بالخليفة أبي بكر رضى وحتى عصر الخليفة الرابع الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام . هذه المرحلة الخطيرة التي يُعتبر فيها الأسلام حالة جديدة على الناس وحتى على الذين يشهرون إسلامَهم لأن النفوس في تلك المرحلة تستوعب النفاق في العقيدة دون محاذير وهذا ما حدث فعلا عند أفراد من مشاهير المحسوبين على عدد المسلمين في تلك الحقبة ، وفي مرور الزمن صار لهم تراث وسمعة غطت على نفاقهم وازدواجيتهم بطريقة فساد العقيدة والفكر عند المنافقين من الصُلحاء ( عندما ننعت المنافقين من أئمة الفساد بالصلحاء كون هذا اللقب موروث لهم عند أتباعهم من عامة الناس ) . على أيٍّ ، لو تابعنا جيدا مواقع علماء المذهب الوهابي وقرأنا سيرة أي عالم منهم سنجد أنه صار عالما في فكر بن تيمية والصَحيحَيْن ، أما باقي العلوم فسهل عليه تحصيلها مادام هو تخصّصّ بفكر بن تيمية .
هكذا علماء تجد مرتعهم في بلاط الملك ينتشرون في ثناياه أذِلاّء كالصعاليك ، ولا حَولَ لهم ولا مَتاع . ينتظرون من مليكهم أن يُصدر الأوامر لهم حتى ينفذونها لما في تنفيذها من ريع ونعيم . عند هكذا علماء تكون الفتاوى سهلة الأصدار والأنتشار ما بين الناس كون المؤسسة التي تتبناها هي تابعة للدولة أشبه بتبعية هذا الصعلوك اليها ، ولا فرق . ففي المؤسسة الوهابية تكون قيمة الفتوى أرخص من قيمة – جزمة - ، ولا مانع من إصدارها لأتفه الأسباب . هنا نستذكر الحرب الصدامية الأيرانية وعلى امتدادها وخطورتها لم أسمع أنا شخصيا باصدار فتوى من قبل الأمام الخميني – تقدست روحه – تدعو الشعب الأيراني للجهاد ، وفي وضعنا المعاصر والخطير الذي يعيشه العراقيون لم يصدر السيد السيستاني نصف فتوى تدعو أتباعه للجهاد أيضا ، لكن العلماء الوهابيين يصدرونها عند مشاجرة أومشادّة ما بين جماعتين من ( الأدب سزيّة ) إنتصارا لطرف على آخر . وهل أرخص من هكذا نفوس وعقول ؟ لقد أصدر ( الّلامغفور له ) عبد العزيز بن باز فتوى الى جيش آل سعود تستبيح دم العراقيين الذين كانوا أسرى في سجن رفحاء الشؤم ولمدة ثلاثة أيام عندما انتفضوا يطالبون بألسنتهم ببعض من الحقوق . هذه الفتوى تصدر عن أمر يُبلَّغ به المفتي بالهاتف من وزير الداخلية أو المباحث وهكذا. آخر الفتاوى الرخيصة هي التي أصدرها الوهابي عبد الله بن جبرين بحق حزب الله ، ما جاء فيها :
( لا يجوز نصرة هذا الحزب الرافضي ، ولا يجوز الأنضواء تحت أمرتهم ، ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين . )
هذه الفتوى صورة حيّة أمام الأمة المحمديّة والمسيحيّة تعبِّر عن فساد هذا المذهب ، وفساد علمائه ، وتعبِّر عن هوية الفتوى والمفتي بانتمائه وسلوكه ودوافعه التي لا تتعدى نصرة الكيان الصهيوني ضد الأمتين آنفتىْ الذكر . وكأني بالحالة التي صدرت فيها هذه الفتوى . فعندما شنّت إسرائيل غاراتِها على لبنان ، وتحرّكت جيوشُها على الحدود كانت المخابرات الأمريكية والعالمية تخشى تصاعد حِدّة الغضب في نفوس المسلمين ضد الكيان الصهيوني إنتصارا للمقاومة اللبنانية ، عندها أشارت الى حكومة آل سعود بضرورة اصدار هذه الفتوى بذريعة الطائفية والمذهب وأن حزب الله هو من فصيلة الرافضة .
ولما وصل الأمرُ الى شيخ المشايخ وبعير الحكومة صاح بأعلى صوته ليُسمع وزير المباحث أو الداخلية ( عفه والله ، هَله توصلك مافي أبسط منهه ) فاصدرها حتى يبقى هو في عين حكومة آل سعود ذراعها ، ويبقى أمينا على مصالحهم ، وحتى يبقى مرتبه الشهري سالما ، ولا تفوته العلاوة والمخصصات السنوية من وزارة الأوقاف . لقد أثلج هذا الوهابي القذر صدورَ آل صهيون طعنا منه بخط آل محمد ليس إلاّ . الذي يتابع بأمعان وتروّي وَفهْم وخبرة سيجد أن عمل المخابرات العالمية سريع القرار وليس بحكيم دائما لأن القضايا التي يتبناها في العالم تستدعي سرعة الحركة واتخاذ القرارت الصعبة ، فتراها ليست ناجحة على الدوام وقد تكون أشبه بالمقامرة والمغامرة .
فعندما صدرت الفتوى كانت قرارا عاجلا ولم تأخذ طريقها سوى عمل يومين بنشرها في كل المؤسسات الوهابية التابعة لهم ، وقد قامت بهذه المهمة المؤسسات الرسمية الحكومية المختصة ، وفي اليوم الآخر دعت هذه المؤسسات بتجميد الفتوى واحتوائها . لا ننسى أمرَ الله سبحانه كيف يفضح هوية مثل هؤلاء فيجعلهم مهزلة العصر في الدين والمذهب والعقيدة والفكر والسياسة والأنتماء . وليس من شكّ على تورط حكومة آل سعود في دعمها للارهاب الجاري في العراق مادام في مملكة آل سعود نماذج وسخة تتلقى الدعم الرسمي فتباشر بعملها وفق الأجتهاد الحكومي الرسمي طعنا من هؤلاء بالعراق وأهله ، والوقوف حجر عثرة في تقدمه واستقراره . إن الفتوى التي صدرت عن الوهابي عبد الله بن جبرين بأمر دوائر المخابرات العالمية ، هي نفسها – هذه الدوائر – أمرت باحتوائها وتكميمها لأنها أحدثت ضجّة مغايرة لأهدافهم في الشارع الأسلامي عامة ، وعند الحجازيين خاصة . إنها فتوى البلاط ، ومغامرة فاشلة من مغامرات عالم المخابرات .
https://telegram.me/buratha