( بقلم احمد مهدي الياسري )
لم يترك اليراع المتالق والصادق , ولا الاصوات الشريفة الطاهرة من زاوية من الزوايا التي تغطي تلك الشخصية المخلدة في سفر الابطال والشهداء شهيد الجمعة الدامية السيد محمد باقر الحكيم رضوان الله تعالى عليه الا وغطوها واعطوها حقها في البحث والتحليل ولازال هناك الكثير من الجوانب التي تحتاج الى ان تبحث وان يسلط الضوء عليها ايفاءاً لحق هذا الشهيد المظلوم ..عشت في صغري في جوار تلك البيوت الطيبة والطاهرة والعبقة باريج العلم والفقه والاخلاق السامية وكنت امتع ناضري يوميا بتلك الوجوه النورانية البشوشة الحانية ولطالما لثمت شفاهي تلك الايادي الحانية وهي تمسد على راسي ورؤوس الصغار والشباب بكل الحنو الابوي الذي لايبارح مخيلتي كما هو حنو ابي وامي علي وكنت اسعى لكي استمع اليهم اينما اجدهم وبحكم علاقتي وصداقتي مع ابنائهم كنت مطلعا على الكثير من اخبارهم وحركتهم لم انسى ابدا تلك الافذاذ وماتركته من ارث وثورة وبطولة بعضهم رحل شهيدا وبعضهم تغرب وغاب عنا جسدا وبعضهم واصل العطاء والجهاد ولازال .
تلك كانت المحلة الجميلة الهادئة محلة العمارة في النجف الاشرف وحيث كان بيت الشهيد الخالد السيد محمد باقر الحكيم ابا صادق وابا حيدر وبالقرب منه بعيدا قليلا بيت الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليهم جميعا وباقي العلماء والمراجع والفضلاء والاساتذة كبيوتات العلماء السيد الخوئي قدس سره وأل بحر العلوم والخرسان والحمامي وووغيرهم الكثير ممن اتوجع الما عندما اتذكرهم وتمر على خيالي تلك الصافية من ايام الخير والعطاء والرحمة حتى اتى هازم الحب ومفرق الاخوة وسرطان الجسد العراقي الاصيل طاغية العصر وجلاوزته الغدرة ليحيل صفائها تلك الايام الى عكر الليالي وسود الايام الا لعنة الله عليه وعلى ملته وعقيدته ومن والاه فقد فرق بيننا وبينهم وغيبهم عنا وحرم الامة والانسانية من عطائهم ومايكتنزوه .
لايحتاج تاريخ الشهيد السعيد الى سرد وتوضيح فقد كفى ووفى الكثير من الاساتذة والعلماء الكرام ومن عاصر الشهيد في تلك المسيرة الخالدة والعبقة باريج الثورة والشهادة والاستبسال ولكني احببت هنا ان اسجل امرا عشته بنفسي وراته عيني وسمعته اذني وهو جزء يجب ان يعرفه الباحثون فدقائق حياة العظماء هي مدارس وكل كلمة نطقها او سجلها احدهم يجب ان توفى حقها من البحث والدراسة .
فبعد سقوط الطاغية وزوال عرشه وجبروته حنت النفس نفسي التواقة الى تلك التربة الطاهرة ومن يتوسد ثراها من ثقيل العترة, والبقاع العطرة وشمس العراق ونهريه وناسه الافذاذ ولصبره الذي علمني كيف اكون صابرا محتسبا في الملمات , شددت الرحال مع طفلي الصغير الحسين وسميته الحسين لكي لاينسى ثقل هذا الاسم المعرف بال وحتى لايغفل عن القه وشموخه وثورته والشهادة , وكنت تواقا لكي امتع ناضري بكل دقيقة وكبيرة وكل خاصة وعامة فالوقت ضيق ومساحته محدودة بشهر لارتباطاتي في الغربة وكنت معدا لرحلتي تلك برنامجا خاصا وعازما على ان التقي الكثير ممن احتاج لان اسمعهم وانهل من عطاء فكرهم ورشدهم وما تتطلبه المرحلة من واجبات نجد انفسنا ونحن في الغربة ملزمين بالمشاركة والتضحية ان تطلب الامر وهو واجب تحتمه علينا رابطة الجذر ذلك هو العقيدة والوطن والاخلاق والوفاء لامة انجبتنا مسلمين حقيقيين , مسلمين انسانيين , مسلمين ملزمين بنشر ثقافة الحياة والحرية والامل بالوصول الى ارقى مراتب العلم والفضيلة, لا كما هو اسلام من لادين ولافكر له سوى القتل والذبح ثم الذبح ثم الذبح تلك مواريث ال طغيان وبني امية والمنقلبين على الاعقاب دوما وابدا..
ساخصص كلامي هنا في مايتعلق بتلك الشخصية الفذة والتي كانت ضمن اولويات اجندتي حيث كنت عازما وبشدة على ان التقيها وابثها فضول اسئلتي الكثيرة اضافة الى مافي جعبتي من افكار كنت تواقا ان اوصلها اليه علي اجد لها تطبيقا عمليا على الساحة فقد كنت سئمت ان اقرأ النظرية او اتكلم فيها من دون تطبيقها عمليا على ارض الواقع , ولعلمي الشديد بثقل تلك المدرسة الراسخة وثقل الحركة التي جسدها الشهيد السعيد بانتقاله البطولي والباهر وهو اول تجسيد لتلك الشجاعة والبطولة والاستبسال الى ارض العراق وباصرار منقطع النظير ورغم طلب الكثيرين منه بالتريث لان الاحوال الامنية لازالت مريبة ولكنه اثر الزحف وليس زحفا انتقاليا من مقره في الغربة الى مقر اقامته في النجف الاشرف طائرا وكما جرى مع الكثيرين , لا بل هو زحف عبر احدى بوابات العراق الحدودية داخلا من الشلامجة عبرالارض المنبسطة والشاسعة و المدن والقصبات والقرى والنواحي والبيوت والنخيل والرمال وشمس العراق تضئ له دربه والايادي تتلقفه وتحمله وتزحف به, وكانت الغاية ذات شـُعب كثيرة.
اولاها ليعلم هو رضوان الله عليه بالمحسوس والمرئي والملموس كم هو ثقله في هذا الشارع الذي فارقه سنين طويلة حتى ان اجيالا ولدت ولم تره في العراق وقد برهنت تلك الجموع الزاحفة لاستقباله والترحيب به مدى عشق هذا الشعب لقادته العظماء كل القادة الذين يسيرون ذات الطريق والخط ومنهم ذلك الشهيد السعيد الذي كان وقتها شهيدا مع وقف التنفيذ .
والامر الثاني هو ارسال رسالة الى من يهمه الامر اننا لانتحرك وفق الية الضغط والترهيب واخراج الناس عنوة لكي يصفقوا لنا كما يفعل قمامات القادة والساحة تعج بهم في البلاد العربية والدكتاتورية المجاورة والعراق سابقا ,انما هي عفوية تنقلها الشاشات والكامرات ولاتحتاج الى تعليق وهي دموع الفرح تنهمر من عين القائد والرعية الوفية والمحبة بالفطرة لا بالترغيب والترهيب كما هي مدرسة البغاء المتداولة منذ الانقلاب الاول .
الامر الثالث هو تحذير لمن تسول له نفسه ان يظن ان القيادة مجسدة في شخص واحد في بلد مثل العراق وفي فكر وعقيدة ثقل مهم من ابناء العراق, وهو اراد القول ان كل واحد من هؤلاء الذين ترونهم انما هو مشروع قيادة ومشروع بطل ومشروع بناء وفرح وشهادة , وهو مشروع همام مقدام ولذلك كان الشهيد يقبل ايادي الصغار والشيوخ والشباب التي احتضنته في تلك المدن بكل تلك القوة المعبرة عنها تلك الصور والتي لاتستطيع الاقلام وصفها .
اراد سماحته بتلك القبلات على ايادي من يلتصقون به شوقا ان يرسل خطابا لمن يهمه الامر ان الرعية هي من تعودت ان تقبل ايادي القادة ولكنه يشعر امام هول وعظمة الوفاء و تلك الصورة المعبرة انه من الرعية وتلكم الجموع هي القيادة الفذة ولعمري هي والله فلسفة عظيمة لم يسبقه اليها الا القليل القليل وبها ومن خلالها رسخ الشهيد السعيد مدرسة الاندماج الروحي بين القائد والشعب ذلك الاندماج الذي يجعل من الامة اصلب عودا واقوى شكيمة وحكمة وانطلاقا , ولهذا وللأتي من الاسباب مزقوه شر ممزق ولم يرعوا فيه حرمة او خوف من الله وكما فعلوها بجده الحسين الشهيد عليه السلام وابيه وامه واخيه وبنيهم صلوات الله عليهم وعلى الهم وسلم متصورين انهم مزيلوه ولكنهم وخاب فالهم احيونا به واحيوه بالشهادة حياتاً سرمدية لانهاية لها تلك حياة بقاء الشهداء في سرمدية الجنان.
عزمت على ان التقيه كما هي رغبتي ولهفي وحساباتي التي من المؤكد هي غير حسابات الله سبحانه وتعالى وقضائه وقدره فاتصلت باحد الاخوة الاحبة ممن شاركني طوال ايام المحنة الصدامية والانتفاظة الشعبانية المباركة وايام مقارعة الطاغية المجرم حينما كنا نتنافس في العطاء والتضحية والعمل على تقويض اللانظام البائد, حتى انه حينما سقط اخي شهيدا امام عيوننا في قرب مكان شهادة شهيد المحراب في الساعات الاولى للانتفاظة وحينما حمله اخوته يهتفون به معي وهو يرى دموعي تنهمر لفقده كانت كلماته ترن في اذني احمد البكاء عيب وعليك الابتسام فامين الشهيد هو عريس في هذا اليوم واستجبت لطلبه وخجلت من الله ونفسي ولكنه لم يترك الامر يمر من دون منافسة كعادته معي دوما فكان اليوم التالي مباشرة, وكان النعش يحمل جسد اخيه الشهيد البطل المقدام عباس الطريفي رضوان الله عليه وعلى الشهداء الابرار وما ان اقتربت منه لاعزيه حتى وجدته مبتسما مبادرا لي مستبقا في القول باركلي يا احمد فهذه زفة عباس وقد التحق باخوته الشهداء والفرحة تترقرق في عينيه الصابرتين .
من المؤكد حينما ابحث عن ابا حيدر العزيز بعد ان مزق الطاغية شملنا وفرق الاحبة والاخوة وقبر ممن رايتم عظامهم في مقابر الحقد والطغيان والخسة والغدر, فاني ساجده في مكانه المتوقع وهي مدرسة ذلك الشهيد القائد والذي رافقه في غربته وعاد معه زاحفا الى ارض الوطن ملتصقا به التصاق العاشق المحب وكنت ابحث في الصور التي تبث على الهواء مباشرة حينها وارمق اخي وحبيبي العزيز ابا حيدر وهو يلقي كلمته لتقديم القائد الى شعبه في تلك المشاهد الرائعة والمعبرة حد انهمار الدموع دموع الشعب الفرح بقائده والقائد المتالق الفرح حد البكاء بشعبه وحتى دموع ابا حيدر وهو يهم بتقديم الشهيد السعيد ليلقي كلمته في الجموع المحتشدة في ضريح جده ابا الحسن والحسين عليهم السلام ولازالت تلك الصورة تنقل يوميا عبر اللقطات المقتطفة عن حياة الشهيد السعيد وكنت سعيدا بهما وبهذا الشعب العظيم وكاني بينهم ومعهم .
وعدني اخي ابو حيدر بان ارى سماحة السيد في ذلك اليوم السعيد الحزين في ان معا , السعادة بعرس الشهادة وزهوها وفخرها والحزين بفقدنا لقائد فذ من قادة الامة والتاريخ المعاصر كنا بامس الحاجة لوجوده بيننا في تلك الايام العصيبة وماتلاها ولكن عزائنا ان هذه الامة الولادة وتلكم القمم الشماء من قيادات الامة مراجع وعلماء وفضلاء واساتذة وغيرهم, وقلت له قبل يوم اي يوم الخميس ساتي غدا الى صلاة الجمعة لانعم بتلك الاجواء التي حرمت منها زمنا طويلا ولكي اسمع خطبة السيد الشهيد ونلتقي هناك بعدها اذهب معكم , وكانت سيارة الاخ ابو حيدر ضمن موكب السيد والحمايات الخاصة واتفقنا على ذلك .
هنا وللتاريخ احببت ان اذكر امرا مهما يخص تلك الحادثة الاليمة ان هناك امرا جرى الحديث فيه قبل ايام وهو انه نقلت تحذيرات كثيرة ومن قبل جهات عديدة مهمة الى سماحة السيد الشهيد محمد باقر الحكيم رضوان الله عليه تحذره من محاولة اغتيال قد اعد لها, وان هناك عدة سيارات مشبوهة دخلت الى النجف وعليه ان يتخذ الحيطة والحذر وحتى اننا في البيت وقبل يوم من الحادث وكان بعض الاخوة يتحدثون معي ان هذه الجمعة من الممكن ان يحدث فيها امرا جللا حتى دعا ذلك الوالدة العزيزة ان تحاول منعي من الذهاب الى صلاة الجمعة منع الام الحنونة والحب الفطري فيها والخائفة على ابنها كما هي عادة اي ام اصيلة وكان الحديث ذاته من ان هناك محاولة اغتيال مبيتة لهذا القائد لان صوته وفعله بدا يؤثر ويغير من الكثير من الاوضاع واضافة الى مايكنه البعث الاجرامي والحقد الارهابي الطائفي المبيت لتلك القيادة التي طالما ازعجت وقضت مضاجع الطاغية في الهور والعراق عموما ابان سلطته الباغية..
كنت قبل الحادثة هناك وحينما اتجول في شوارع المدينة ويمر بجانبي موكب سماحته اتكلم مع الاصدقاء ومع الاخوة ان الاحتياطات الامنية غير جيدة وان من الممكن اغتيال السيد بسهولة وبغدر من الممكن ان يضرب موكبه بالقاذفات ومن قرب او بالعبوات الناسفة او بسيارة مفخخة تقترب منه او هو يقترب منها بموكبه نتيجة تواجد السيارات على جانب الطريق بكثرة ولان الشوارع ضيقة فمن السهولة ان يستطيع اي غادر مجرم فعل ذلك , وحينما كنت اتحدث مع الاخوة المقربين لسماحته كان الرد يقول انه لايبالي بهم وهو متشوق للشهادة كما هم متشوقين لقتله ولكن شوقه اضعاف شوقهم الحاقد ولانستطيع منعه فهو مصر ونحن ليس اقل اصرارا على الشهادة وهذا ماتعلمناه منه ومن اجداده العظام الافذاذ ..
كنت استعيد بعض عزيمتي واتقوى بتلك القوة والصلابة وحينما تحدثت مع الاخ ابو حيدر قبيل الحادث بليلة واسرد له مخاوفي اجده يضحك ويقول وهل تعلم اننا كلما نحاول ان نطلب منه اخذ احتياطات اكثر او تغيير الوجهة والطريق يصر هو على ان يسلك دربا قصيرا الى رحاب جده وكاني به لايريد ان يطيل المسافة وهي قريبة ونقل لي يوم الخميس ان بعض القيادات قد زارت سماحته وطلبت منه ان لايؤم الصلاة في تلك الجمعة خصوصا ومن بينهم سماحة السيد محمد بحر العلوم وبعض الاخوة في الدعوة والحو عليه بذلك لان حياته غالية ولايمكن لهم تركه يذهب والعراق بحاجة ماسة اليه ونقل لي انه وعدهم انه لن يؤم الصلاة في ذلك اليوم ولكنه في صباح الجمعة امر الاخوة بتجهيز الموكب للانتقال الى صلاة الجمعة بنفسه غير عابئ باي تهديد وهو صائم مصرا الى ان يلتقي مع اجداده العظام في عليين وتلك والله هي فروسية القادة الخالدين ..
كنت هناك...
نعم هو ذلك اليوم الذي كنت فيه مع لقاء الدم والناروالشهادة والظلم والطغيان والحقد الاعمى , هو يوم مزيج بين العرس والنكبة والثورة والخسة والاصرار والشجاعة والاقدام والتحدي يوم القتال مع عار الخفافيش المختبئة المرعوبة اكثر من الضحية, ذلك يوم الجمعة الدامية ..
السؤال المطروح لماذا لم انل الشهادة والمفروض ان اكون في احدى سيارات الموكب القريب من سيارة الشهيد مع اخي ابا حيدر والحال انني جهزت نفسي لتلك الصلاة وقبل خروجي من البيت تلقيت اتصال من العائلة في الغربة لامر خاص وقلت لهم ساتصل معكم من المدينة فالصلاة اقتربت واصر الاهل على ان اكلمهم قبل الذهاب لان احد الاطفال مريض وامور تخص بعض الاجرائات الخاصة بعملي الذي اخذت اجازة منه لاجل ان ازور العراق وبعد ان خرجت استقليت احدى سيارات الاجرة مع طفلي الصغير وطلبت من السائق ايصالي الى الصحن الحيدري الشريف ولكنه في الطريق تعطلت سيارته وبعد محاولات وفترة لتبريدها نجح الاخ في اصلاحها ولكنه كان يتوقف بين فترة واخرى لان الحماوة تزداد فيها وكنت انظر الى الساعة فوجدت ان الصلاة وقد دخلت ومن المؤكد ان سماحة السيد الشهيد السعيد الان في الخطبة ولكن هي ارادة الله ولا راد لامره وحينما وصلنا الى منطقة النفق او الميدان كما نسميها سابقا تعطلت السيارة مرة اخرى فطلب مني السائق ان اعذره على هذا العطل فقلت له لاعليك ساقطع المسافة وهي قريبة جدا سيرا وشكرته بعد ان قبض الاجرة وتذكرت اني يجب ان اتصل فقلت لاتصل واقول لهم ساكلمكم بعد الصلاة وحينما حصل الاتصال من احد المكاتب في منطقة النفق سالت احد الاخوة بقربي عن الصلاة فقال لي الصلاة الان على وشك النهاية وانه كان هناك والان عاد فاسفت لذلك وقلت لاسرع الخطى وطلبت من الله ان لا التقي صديقا يؤخرني في الطريق لاني كثيرا ما التقي الاحبة مصادفة بعد سنين الغياب والغربة ومن غير اللائق ان اتركهم في لحضات وهم وانا في شوق عظيم ويعلم الجميع معنى اي لقاء من هذا النوع وحرارته وطول الحديث فيه والمدينة صغيرة والجميع يمر من ذات الشوارع وامسكت بيد ابني الحسين وانطلقنا سيرا سريعا بعد ان انهيت الاتصال بصعوبة لانه كان هناك ايضا قلق وخوف من حدوث امر ما وعوتبت من اخذ ابني معي حتى من الاهل وقلت لهم اما ان نموت سويا او نعيش سويا , ورغم بعد المسافة الى اننا في الغربة كنا نعيش مع الداخل وهمومه لحظة بلحظة حتى اننا نعلم الاخبار في بغداد قبل ان يعلمها ابن النجف او البصرة او غيرها.
كان الطفل يان من حرارة الجو التي لم يتعودها وايضا السرعة في السير وكنت اعاني من بكائه وايضا كلما يمر بمحل لبيع لعب يصر ان يمتع نظره وفضوله بتلك اللعب الغريبة عليه واحاول منعه وهو لايفهم معنى للمنع لان عمره اربع سنين مما اضطرني الى ان اسلك وسط الشارع وهو شارع الصادق المؤدي الى باب القبلة واقتربت من الصحن الحيدري الشريف حتى اصبحت على بعد امتار قليلة من حائطه وركنه في شارع الصادق رايت الجموع وهي تخرج والقائد يتقدمها ومن عادة المحبين ان يتجمعوا حوله يقبلوه ويقبلهم ويرحبون به ويرحب بهم وكانت هناك الكثير من الباعة المتجولين والاطفال والنساء المفترشين الارض ببضاعتهم البسيطة واللعب لنيل لقمة عيشهم الحلال واصبح الطريق يضيق بنا لزحمة الناس الخارجة من الصحن الحيدري الشريف والتي في الشارع وتتجمع لتحية ذلك القائد المتالق وصعد الى سيارته وانا ارمق المنظر من مسافة قريبة وما ان تحرك امتار عدة وفي لحظات انقلبت الحال ودوى ذلك الحقد الغادر وتفجر الغدر باحقاده واختلط الحابل بالنابل ورماني العصف وطفلي على الارض والغبار والحرائق ورماد الانفجار غطى وجوهنا وحتى السمع اصيب بصدمة الانفجار المفاجئ وتحسست الحسين عله اصيب فوجدت وجهه الجميل وقد تحول الى وجه مغبر وهو يصرخ مرتعبا من ذلك المشهد الغادر وحمدت الله انه لم يصب واحتضنته متوجها عكس الانفجار ولا ادري اي وجهة اتوجه فسرعان ماسمعنا المنادي في منارة الصحن الحيدري الشريف ومن خلال مكبرات الصوت ان هناك سيارات اخرى مفخخة وعلى الجميع الحذر والحيطة فكان للهياج ان يزداد والناس تركض في كل اتجاه وبعضها يتفقد الجرحى والقتلى وهذا يبحث عن ابنه وذاك عن اخيه واخر عن امه او ابيه لان الجميع كان هناك وانا ارى القتلى والاطفال والنساء والرجال وهي مقطعة الاوصال والحسين يبكيهم وينادي بكلمة واحدة يرددها كلما التفت الى الارض بابا دم بابا دم بابا دم وبالطبع لم ينسى ذلك حتى الساعة واحاول ان اغمض عينيه في صدري لكي لايرى تلك المشاهد التي لم يتعودها وان تعودها ابيه قبل رحيله في الانتفاظة وايام الظلم والغدر الصدامية وها هي تتجسد مجددا امام عينيه في ذات المكان والشارع حيث مرت على البال تلك الملحمة التي خضناها في تلك الامتار الدامية قبل ان يصل الطغاة الى حيث مكان لايشرفه ان يطئوه ولكنه عون ومدد ال وهاب والاعراب واسيادهم الامريكان سابقا من اعادهم اليه خوفا من ان يصله ذلك الشهيد السعيد واتباعه ومحبيه وتلك القيادات الفذة التي تملا الشارع وقتها وما بعده ولذلك هي هي ذات الخطة وذات المنهج وذات السلب لحقنا المشروع في تقرير مصيرنا ومصير اجيالنا المظلومة ..
جرى ماجرى ولامجال لسرد كل شئ وقد نقلته الشبكات على الهواء وتوجهت الى سوق الكبير لكي اؤمن مكانا آمنا لابني الحسين عند احد الاخوة واساعد في انتشال الجرحى والقتلى واتفقد الاخوة والاحبة والقائد المتعطش للقائه ولكن سرعان ما تم تطويق المنطقة تطويقا كاملا وسدت الطرق للوصول الى حيث المكان ذاته ولكن هناك الكثير ممن نراه ينقل الجرحى والقلى على اكتافه والبعض بعربات خشبية وبعضهم ممتزج دمه ولحمه بفواكه كان يبيعها او لعب كان يترزق بها في تلك المكان , ونسال عن القائد فياتي الجواب انه بخير وفي مكان آمن واستمر الوضع لعدة ساعات وكنت اعلم ان الامل قد تبدد وبدات الناس تتجه نحو البيوت لان الحال خطيرة وهناك تهديدات اخرى قد تحدث وحاولت ان اخرج كامرة الفديوالتي معي لكي اصور الحادث وما ان بدات التصوير حتى انبرى احد الاخوة وطلب مني ان اخفيها لان في ذلك خطر على حياتي وفعلا صورت بعض المشاهد واعدتها وخصوصا ان الطفل على صدري وهو في حال سيئة من الرعب والصدمة واصبحت في حيرة الى اين اتوجه والسوق اغلقت محلاتها والكل بدا يذهب الى داره وايقنت انني لن استطع فعل شئ ومن المؤكد ان الاهل الان يظنون اني بين تلك الشهداء فاسرعت الخطى بعد ان ساعدت بعض الجرحى والمصابين وساهمت سيارات متواجدة على نقلهم الى المستشفيات ذهبت الى احد الشوارع القريبة واستقليت احدى سيارات الاجرة وطلبت منه ايصالي الى البيت وما ان وصلت حتى عانقني الاهل ببكاء وحنين وقالوا لي الم نقل لك ان هذا سيحدث واستفسروا عن السيد الشهيد فقلت لهم ماسمعته انه بخير وفي مكان امن كما تردد في الحادث وكانت الكهرباء غير مقطوعة فتسمرنا نرقب الاخبار وهي تتوالى من تلفزون الغدير المحلي وتطمئن ان السيد بخيروغيرها من القنوات التي كانت متواجدة لنقل الخطبة كالعالم والمنار كما رايت سيارات البث وهي تحترق ايضا وتنقل ان هناك الكثير من القتلى والجرحى ولم احتج الى معرفة اخبارهم فقد رايتهم بعيني ورايت كيف هي اجسادهم وهي تتطاير الى امتار عديدة في الهواء وتسقط على بعضها البعض حتى ان قطعة من قطع السيارة التي كانت تقل سماحته وجدت على سطح الصحن الحيدري الشريف وبعضها تطاير ودمر المحلات المجاورة للصحن الحيدري الشريف .
لم استطع البقاء في البيت وان كان الضغط شديدا وخرجت من البيت رغم منع العائلة لي ولكني لم استجب لهم وخرجت متوجها الى مقر المجلس في النجف لكي احصل على الاخبار من هناك وفعلا وصلت الى هناك وبصعوبة شديدة لان الجميع كان منهمك بتلك المجزرة الدامية وخصوصا ان بينهم قائدا لم يحصلو على اثر له, ذلك لان الحاقدين قد وطنوا حقدهم بطن او اكثر من القنابل شديدة الانفجار على ان لايترك له اثرا يذكر متناسين ان ذكره قد خلد وسجل في سفر التاريخ شهيدا باسلا قويا صامدا متحديا الموت والقتل لا بل ساعيا اليه كما هم يسعون واكثر بكثيرمع تخليدهم في سفر الغدرة القتلة المارقين الجبناء .
وسالت الاخوة عن اخي ابو حيدر وبعض الاخوة والاصدقاء معه وسرعان ما رايت بعض السيارات المحترقة والمحطمة وهي تدخل الى الموقع وكان بينها سيارة اخي ابو حيدر وهي مهشمة وهناك سيارة اخرى هي بقايا المفخخة التي حشيت بالغل والغدر والنار والدمار لتنال من قائد من قادة الامة وسرعان ما وصل اخي ابو حيدر مع بعض الاخوة فانطلقت معانقا له وهو يفعل مثلها وكل منا يظن ان الاخر قد رحل فقلت له محمد ابشر كيف هو حال السيد فكان الرد هو حرارة الدمع النازل وكلمات دامية اسمعها وانا معانقا له وهو يقول احمد راح الحنين راح ابونة راح امنة واخونة راح روحنة و گلوبنة احمد ماكو بعد سيد محمد باقر والكثير من الكلمات الدامية وهو يجهش بالبكاء بكاء الرجال الرجال ولم اتمالك نفسي واسودت الدنيا بعيني مرددا رباه ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى ولا ادري ااعزيه اواهدئ نفسي وروعي بالفاجعة ام اهدئ اخي وعزيزي والاخوة من محبيه ومن رافقه والكل في بكاء ونحيب وثورة, وكان الجميع ممن اراهم قربي قبل ليلة يتنعم بطيب روحه وحديثه وشجاعته واصراره على ان يقدم نفسه قائدا وشهيدا غير هيابا او عابئا بالموت كما فعل ذلك اجداده ومدرسته تلك فبالله اقول واسال كل من يدعون قيادة امة او مجموعة من غير مدرسة سيد الشهداء وجده وابيه وابنائه صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين , ايكم يتلقى تحذيرا بان هناك موتا ينتظره ويذهب اليه , اقسم انكم لاتفعلوها ولن تفعلوها فهي خصوصية تفردت بها تلك المدرسة الخالدة بخلود قادتها واتباعهم الى يوم الدين وبراثا وغيره خير شاهد وقبلها كربلاء واعراس الشهادة ..
عزا وفخرا كنت في حياتك وقبيل رحيلك وفي اثناء الرحيل وستبقى ابدا , ابا وقائدا ومدرسة تعلمنا فيها ومن خلالها كيف تتجسد الثورة والاصرار والشجاعة والاقدام والتضحية , وكيف يكون الانسان حسينيا وشهيدا وقائدا حقيقة لا لعقا على الالسن , ولكم كنت اظن ان في جعبتي ما ينفع ولكني تعلمت من ذلك اليوم درسا هو من ابلغ الدروس واعظمها وكاني بذلك اليوم في تلك فسحة الزمان والبقعة العاشورائية من كربلاء الطف والشهادة وكم وجدتني ضئيلا قاصرا غير متعلم بعد امام تلك الروح الوثابة الغير عابئة بمركز او منصب بالي منشدة الى البحث عن الق الشهادة وقولة الحق في وجه الظالمين مهما كلف الثمن ومهما كانت التضحية جسيمة ذلك هو شهيدنا الذي تمرهذه الايام ذكرى رحيله وان لم يرحل عنا وعهدا له ولاجداده ولمن سار الدرب قبله وبعده ومن سيسير, اننا لازلنا تلكم الروح ذاتها كلما ظن المارقون انهم بقتلنا وقتل قادتنا يطفؤن نور الله ياتيهم الرد( یریدون لیطفئوا نور الله باافواههم و الله متم نوره و لو کره المشرکون)
احمد مهدي الياسري
https://telegram.me/buratha