المقالات

محطات في ظلال شهيد المحراب(قدس)

2230 23:24:00 2006-07-29

( بقلم المحامي طالب الوحيلي )

المحامي طالب الوحيليلكل امرء محطة جميلة في حياته، تظل محل ذكرياته ومحوراً دائماً لأحاديثه ولأننا ابناء العراق قد ترادفت علينا محطات الخوف والحزن في زمن الجدب والقتل اليومي الذي سنه نظام الجور والاضطهاد، فقد وجدنا في الآتي من زمان التحرر من حكم ذلك الصنم اننا سنقدم على محطة واحدة ترفل فيها كل لحظات الفرح والخير والرفاه..وكانت وجوه سعدنا بذلك الامل الذي تجسد بصورة آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم(قدس) الذي اشرأبت الاعناق الى مشرق الشمس متلهفة لمقدمه في جو من فرح غامر يفوق فرحنا بسقوط الطاغية، وما هي الا ايام حتى أشرقت أنوار صبرنا بإطلالة ذلك الوجه الرسالي وفاض وجداً بحب العراق وفاضت عيناه بالدمع الغزير حين ابصر تلك الوجوه السمر وقد غزاها اليباب والقحط كأرض العراق، فاختلطت في أعماقه مشاعر الانتصار على طاغية العصر وعنفوان العزم على ان يحقق لتلك الوجوه آمالها في بناء مجتمع يلم شتات ما تفرق ما بين مهجر ومهاجر ومنفى ومغيب ومطارد، ويجمع ما تمزق من طوائف ومذاهب واعراق، ويوحد الجميع في بوتقة دستور دائم يؤسس لمجتمع عصري لا نظير له في التاريخ.

لقد كان مشروعنا الحي في تحقيق نظرية سياسية اقتصادية تستجيب لكل الإرهاصات وتجيب عن كل الاسئلة، وقد وجد الوقت ضيقاً والفضاء واسعاً والنفوس رحبة، فهتف بحب العراق واعلن من نفسه الطاهرة جندي وخادم للعراقيين جميعاً ولا فرق لديه بين عربي وكردي او مسلم ومسيحي وغيرهم من الاقليات، مؤكداً انتماءه للجميع وانتماء الجميع له، وباذلاً كيانه الضخم خادماً للمرجعية ومقبلاً لاكف المراجع العظام فحق لنا ولمراجعنا ان نفاخر بهذا المرجع المجتهد الذي ملأ دنيا العراق جهاداً وتصدياً للعلم والمعرفة بان يكون فينا قائداً، ولا غرو ان يصفه المنصفون بأنه خميني العراق تقديراً لكلا الشخصين حيث كان الاول رمز انتصار الثورة الإسلامية في ايران وآيه اجتماع شمل الشعب الذي تآكلته سياسة الاستكبار العالمي، وكذا إمامنا محمد باقر الحكيم (قدس) الذي اختصر كل مناهج التضحية والتجلي والاقدام عبر تاريخ الثورة الإسلامية منذ الصدر الاول للاسلام المحمدي وحتى انتصار تجربتنا الظافرة بظفر المجلس الاعلى للثورة الإسلامية،والقوى الاسلامية الاخرى من ابناء المدرسة الصدرية، ما داموا يسيرون على نهج وكنز معرفة أورثها شهيد المحراب(قدس) عبر مؤلفاته الغزيرة ومحاضراته القيمة وخطبه التي لم يبخل من الافاضة فيها بغض النظر عن جلسائه ومستويات ثقافاتهم او مكانتهم الاجتماعية او جنسهم، فتراه وقد استقبل اساطين الساسة العالميين وقد ذهلوا من عبقريته وقدرته الفذة في ادارة محاور الحديث، وتراه ثانية في معترك البحث عن الحلول الصائبة مع القوى السياسية العراقية وقد حل فيهم محل القطب من الرحى، حتى ان بعضهم يصفه بانه كان السبب في جمع شمل الجميع فيما اختلفوا في الرآي فلا يخرجون من مجلسه حتى وقد اتفقوا جميعاً على ما كانوا عليه مختلفين وكانوا يلتمسون رضاه بالرغم من انهم قادة احزاب رئيسية في البلاد.

ولعل جلساته اليومية مع ابناء شعبه كانت مبعث ومصدر الهام الكثير في الحديث الحلو عن تلك اللحظات الروحية التي امضوها في حضرته القدسية، فقال اكثرهم انه لا يستطيع مغالبة دموعه حين يرى محمد باقر الحكيم (قدس) وهو يبكي عند معرفته بان الجالسين معه هم من اهالي مدينة الصدر التي باركها كثيراً حين علم انها التسمية الجديدة لمدينة الثورة الكادحة المضحية، مدينة المراجع العظام ومدينة الشهداء.. وكان يطيل النظر بتلك الوجوه التي وشت بالكثير من مكامن الطيبة والبطولة والامانة والرغبة بالشهاده، والمطالبة بحقوقها المهدورة.. كان جامع الشاكري محط رحل الكثير من وافدي مدن ومحافظات العراق وكان حرمه مزدان بتلك الاحاديث التي جمعت بين البحث العقائدي والعرفاني وبين البحث عن الحلول الصائبة للواقع المرعب الذي بدأت بوادره توحي باكثر من خطب لاسيما وان قوات الاحتلال قد افصحت عن مكابدات كثيرة سوف يعيشها العراق واهمها الملف الامني الذي عاب سماحته ادارة الاحتلال تناوله كون اهل مكة ادرى بشعابها، وان الامن لا يعالج بالدبابات والاسلحة الثقيلة، فيما كانت موضوعة كتابة الدستور هاجسه الاخر من حيث وضع اسسه المنطقية والسياسية ومن حيث الجهات المختصة في صياغته وصيانته.

لم يكن له ملاذاً للاستراحة ابداً، حتى مكتبه الخاص كان يزدحم بالزائرين وقد سنحت لنا فرصة كان قد انتزعها لنفسه قبل صلاة المغرب بنصف ساعة فحرمناه منها، لنفوز انا وخمسة عشر محام جمعنا القدر لنطلع وعن كثب على خصائصه الشخصية الرسالية الحقة، ونجد انه يمتاز حقاً بصفات مثالية هي اقرب للملائكة منها للبشر فقد استقبلنا بحنو لا نظير له وقد وجدت في عينيه دموعاً تتلألأ وفي وجهه اشراقه برقعها تعب شفيف اشعرني بثقل همه ومكابداته من الواقع المؤلم الذي يعيشه العراق وشعبه ،كنا ندور في دوامة العملية السياسية وقد أخبرناه مباشرة بدور خبيث لبعض القوى السياسية التي تعيش على هامش معاد لتطلعات الشعب العراقي وقد سعت تلك القوى لمصادرة تاريخنا الجهادي ومظلوميتنا.

في هذا الوقت القصير الذي جمعنا بشهيد المحراب(قدس)، ترادفت امامنا الكثير من صفاته التي نادراً ما يطلع عليها حتى مقربوه فقد رأيت فورة غضبه على تلك القوى وجهل الذين أحاطوا بها لكننا ذهلنا للغة التي كان يتحدث بها فو الله كانت من جواهر الكلام ومن ابلغ ما سمعت من متحدث في هذا العصر او قرأت، فاي غضب مقدس هذا.. وحيث اباح لنا الحديث بكل تودد وبكل تواضع استمع لكل واحد منا، انفرجت اساريره وقد اختلط مجلسه بين العتب علينا وعلى المثقفين من امثالنا وبين ممازحتنا وقد اشرق وجهه فابكى بعضنا من شدة الزهو..

في صباح اليوم التالي للفاجعة، وقفت بالقرب من محل الانفجار، كان يقف بقربي شيخ من اهالي النجف الاشرف وقد دمر محله من قوة العصف، تعمدت استفزازه بحديث فبكى الشيخ، قال: لقد كنت من جلساء مجلسه حين كان يحاضر فينا وهو ابن السادسة عشر عاماً، واسترسل في حديثه قال: ان داره الحالية مقابل(براني الشهيد الحكيم(قدس))، وكان يلحظ الوفود التي تترى والتي لا تنقطع حتى منتصف الليل لينتقل –السيد الحكيم - فيما بعد للمبيت في دار شقيقته لانه لا يملك داراً في النجف الاشرف!!وحتى يوم الجمعة مساء كان يجتمع لديه جمع من الصبية، يدرسهم القرآن، ثم يمنح كل واحد منهم مبلغاً من المال كهدية قبل ان يذهبوا الى بيوتهم القريبة.

أي محطات هذه يمكن ان تمر بنا او نمر بها؟ فكلنا يعرف عدد صلوات الجمعة في الروضة الحيدرية التي لم تشهد عبر تاريخها المقدس ان مرجعاً قد اقام فيها صلاة جمعة واحدة، ليؤم الناس ابو صادق اربعة عشر جمعة كانت كل واحدة منها مدرسة لابناء العراق ومنهاجاً سياسياً ومعركة ضد الكفر والنفاق، ولكن هيهات ان يستمر فينا هذا المرجع الكبير ما دامت قوى الكفر، والظلام، والحقد، تعمل ماكنتها وبطشها في اعناقنا وآمالنا، لذا فقد ارادوا ان يطفئوا شمسنا بقتله، فارتفع فينا كوكباً يهدينا في سعينا ومسرانا الى الخلاص الابدي من الظلم والطغيان.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك