بقلم: فلاح الراشد
من التبسيط الشديد للأمور أن يضحى المسؤول كالنعامة يوغل رأسه في التراب بالرغم من ظهور سوءاته للقاصي والداني، لا يبالي من استغاثة المستغيثين وصيحات الصائحين وهو المتصدي للأمور ويقف على رأس الهرم في السلطة التشريعية أو التنفيذية لا فرق سواء في المركز أو المحافظات. والذي يألمنا كثيرا نجد أن هذا الإهمال يشمل بعض محافظات الوسط والجنوب وليس كلها، حيث أن النجف الأشرف وبابل وواسط والناصرية والقادسية والمثنى تشهد حملات اعمار وتنظيف وتجميل يقف المرء ازاءها على حيرة من أمره!! في حين أن المحافظات التي يسودها التخلف والإهمال ومن ضمنها كربلاء المقدسة وميسان والبصرة تتحكم فيهم الأنانية الحزبية والمصالح الشخصية والحسد والاختلاف والإقصاء يدب بين أوساطهم!!
والسؤال الذي يطرح بقوة هنا كيف نهضوا أولئك بمدنهم وتخلفنا عن النهوض بمدننا بالرغم من أن المخصصات واحدة وهي توزع حسب الكثافة السكانية المأخوذة أصلا من إحصاء البطاقة التموينية؟! ما هو الخلل في تطورهم وتخلفنا! واعمارهم وخرابنا! وجماليتهم وبشاعة مدننا! وهو ينبأ عن حقيقة واحدة وهي نشاط مسؤوليهم وتقاعس مسؤولينا! انتماء أعضاء مجالس محافظاتهم ولا أبالية أعضاء مجلس محافظاتنا! وحرقتهم على مدنهم لأنهم منها وهي منهم وبرودة جماعتنا حيال مدننا لأنها غريبة عنهم وهم غريبون عنها!
وليت مجلس محافظة النجف يقيضون الشهم عبد الحسين عبطان بجميع أعضاء مجالس محافظاتنا، الذين لا نفع ولا دفع من وراءهم فهم في خلافاتهم يعمهون، ووراء مصالحهم الشخصية والحزبية يلهثون! وأينهم من غيرة العبطان على مدينته النجف الأشرف فهو كتلة ملتهبة من النشاط والحيوية والعطاء المثمر ولا تكاد تزور النجف كل أسبوع حتى لتجد جسرا أو حديقة أو طريقا حوليا أو مجمعا سكنيا جديدا ناهيك عن البنى التحتية من قبيل إنشاء المطار ومحطات الطاقة والوقود والماء وغيرها التي تشهدها النجف الأشرف على العكس من المحافظات المنكوبة ما إن تزورها حتى تجد شقا جديدا في شارع وخرابا في ساحة وبرك آسنة في حيي سكني وهكذا دواليك، والسبب كل السبب في ذلك أنها غارقة في الخلافات والنزاعات الشخصية والحزبية، وهي إعلانات مدفوعة الثمن من دول إقليمية لا تريد الخير للعراق وأهله، أما المحافظات التي تشهد اعمارا فإن المسؤولين فيها تسودهم المحبة والانسجام والتجرد عن الأنانية والحزبية.
ولا يسعنا إلا أن نضرب مثالا بسيطا على تلكؤ الإعمار في كربلاء المقدسة وبالتحديد في شارع مهم واستراتيجي لا يبعد سوى أمتار عن ضريح الإمام الحسين عليه السلام، فما بالك بالأحياء القريبة والبعيدة في المحافظة؟! الذي يفتخر المسلمون في العالم بانتسابهم إلى هذا الإمام العظيم وهم يحملون تراب مثواه للسجود والتبرك والشفاء!! وأبناء مدينته يعيشون في الأتربة والقمامة والطسات والبرك الآسنة نتيجة تكسر أنابيب المياه وطفح المجاري ولا من منقذ لهذه المدينة التي تأن تحت وطأة حاكميها!! وفي هذا الإطار اشتكى العديد من أهالي مدينة كربلاء من المضايقات التي تعرضوا لها أثناء اعمار شارع السلطانية الواقع وسط المدينة القديمة والذي يعتبر من الشوارع الحيوية في المحافظة حيث يحتوي الشارع على مرآب الأحياء في مركز المدينة، السائقون وبعض الساكنين في هذه المنطقة قالوا أن أعمال الحفريات قد ضيقت الشارع وأكثرت الازدحام فيه وجعلته مركزا لتجمع الأتربة.
من جانبه قال مدير إعلام بلدية كربلاء (ماجد ناجي) في تصريح لموقع نون أن دائرته تنتظر إكمال أعمال الحفريات من الدوائر الخدمية الأخرى لتنفيذ مشاريع الاكساء بالإسفلت!! والحقيقة أن معظم المشاريع قد قضى عليها أشهر مديدة وهي متروكة على حالها يكابد المواطن والزائر حظه العاثر فيها من دون استجابة سوى الوعود الفارغة التي نراها في محافظات دون غيرها ما يجعل المواطن على حيرة من أمره كيف أن الوعود تتحقق في مدن ويلمسها المواطن على أرض الواقع ولا تتحقق في مدن أخرى، ولا يمكن تحقق الوعود إلا بهمة أولئك المخلصين وتفانيهم لمدينتهم وتقاعس هؤلاء وخيانتهم للأرض التي يعيشون عليها، وخير الناس من نفع الناس وشر الناس من يكون وجوده كعدمه أو أتعس من عدمه لأنه يهدم ولا يبني ويتكلم ولا يعمل ويتحرك ضمن إطار مصلحته ولا يهمه المصلحة العامة في حال من الأحوال.
ولعل الذي يزيد من دهشتنا أن بعض المسؤولين يدعون أنهم أبناء المحافظة ويعرفون طرقاتها وأزقتها ومحلاتها وأحياءها وهي تعج بالمطبات والأزبال والبرك الآسنة بذريعة تسليك أنابيب المجاري، ولكن المشكلة التي تعاني منها كربلاء بشكل خاص أنهم يشقون الشوارع على طولها وتبقى على حالها أشهر مديدة ولا أدري لا يكلف المسؤول نفسه بجولة استطلاعية لمشاهدة ما تخلفه تلك الحفريات من مآسي للمواطنين والزوار الذين يقصدون المدينة في كل ليلة جمعة وفي الزيارات المنصوصة، حتى أضحى المواطن الكربلائي خجلا من الإنتساب لهذه المدينة لكثرة الأتربة والأوساخ والإهمال الذي يلفها من كل حدب وصوب.
في غضون الثلاث سنوات المنصرمة قد تبين الخيط الأبيض عن الخيط الأسود في الإعمار والتطوير في مدن الوسط والجنوب خاصة، وبات المواطن يعلم جيدا أي الكتل السياسية والأحزاب الوطنية تسعى إلى البناء وأيها تسعى إلى الخراب، وحتى الناصرية والقادسية والمثنى وبابل التي تسعى للنهوض بأغلبيتها الوطنية في مجالس محافظاتها فإن الأقلية الخبيثة تعرقل البناء فيها بحجج واهية، وهذه الأقلية قد ابتلينا بها كأغلبية في محافظات كربلاء وميسان والبصرة فأضحت من أفقر مدن العراق بالرغم من أنها من أغنى المحافظات إقتصاديا وسياحيا، ولا أريد أن أسمي الأشياء بمسمياتها فاللبيب تكفيه الإشارة والساحة مفروزة أي الأحزاب تسعى للبناء والإعمار وأي الأحزاب تتمشدق بالشعارات الفضفاضة وهي قد باعت دينها وضميرها ووطنيتها لمصالحها الضيقة وميولها الحزبية القاتلة،
والإنتخابات المقبلة ستفرز الساحة وتلفظ الخونة وأصحاب الكروش الحرام الذين خانوا مدنهم وانساقوا وراء أهواء أحزابهم وأضحوا سكاكين للدول الإقليمية لتمزيق أوصال مدنهم التي باتت تأن تحت وطأة الفقر والفاقة والتخلف على الرغم من أنها تعيش على مناجم من الذهب الأسود وعلى مراتع من السياحة الدينية والترفيهية، وآن الأوان لمحاسبة الخونة الذين غدروا بمدنهم وآن الأوان لكي تنفض الجماهير غبار الترهل والكسل تمهيدا لعبطنة محافظاتهم أسوة لما تشهده محافظات إقليم كردستان وعلى الأقل النجف الأشرف من إعمار وتطوير ونهضة حضارية على كافة المستويات، ونحن لا نبالي انتماء الأشخاص إلى تيارات إسلامية أم وطنية أم علمانية بقدر ما يهمنا من تقديم الخدمة للمواطن والوطن، والعراقي معروف عنه ميوله المعنوية والعقائدية، وأملنا من بعض المحسوبين على الأحزاب الإسلامية أن لا يخدشوا بتصرفاتهم المشينة ذلك الولاء المتجذر وأن يحافظوا على ما تبقى من صفاء الروح وولاء العقيدة في نفوس الجماهير، وليعلم الجميع أن جماهيرنا الواعية ستلفظ جميع الأحزاب الذين غدروا بكربلاء وميسان والبصرة وعرقلوا البناء في بقية المحافظات في الوسط والجنوب وترميهم في مزبلة التاريخ، وأن غدا لناظره قريب...
https://telegram.me/buratha
