( بقلم مروان توفيق )
بدون المعرفة تتسلط على الانسان افكار يستمدها من واقعه اليومي حتى تصبح مرجعه ومصدر معرفته. وكذلك الحال في مجال الدين الذي له جانب قوي ومؤثر في حياة الانسان. في شرقنا العربي ينهل اغلب الناس معرفتهم الدينية من مناهج الدراسة الرتيبة
وخطب الجمعة المكررة واحاديث المقاهي, وفي عصرالتلفزيون الذي لا زال واغلا في كل البيوت تكون المسلسلات الدينية والتاريخية مصدر اخر من مصادر المعرفة وهي مصدر مؤثر كونه معزز بالصور المتحركة والعواطف الحية. ويأتي سؤال طارحا نفسه وسط كل هذا وماذا عن القراءة؟ نعم القراءة هي المصدر الاول للمعرفة بانواعها ولكن من الذي يقرأ وماذا نقرأ وهل هناك وقت للطالب في قراءة خارجية أو للموظف أوللعامل المتعب الذي يعود الى بيته منهكا من وقت للقراءة؟ الوقت سيضيع في مشاهدة ممتعة لمسلسل تلفزيوني ينتهي ليصبح اشبه بحلم سريع وثم يوم جديد اخر سيعيد نفس الدورة وبعد سنين طويلة يصبح ذلك الموظف شيخا كبيرا مستفيدا من توقير الكبير في المجتمع ليلقم اولاده وصغار قومه (علم الكبار)! ولكن مع الاسف تلك المعرفة التي يتبختر بها الشيخ المحترم ليست الا احاديث مقاهي ومشاهدات لافلام قديمة و اتيكيتات من مجالس العشيرة وحوادث مرت في عهده الرتيب. فمن سيكون هذا الشيخ وكيف سيكون صغاره؟ التعصب للماضي الجميل سيكون الحاكم لاي مفاهيم جديدة, وكيف بنقض افكار نشأ عليها وارتبطت بذكرياته وهل من الممكن ان يكون مفهوم المعرفة التي نشأ عليها خاطئا؟ هل يجوز ان صحابة رسول الله تقاتلوا فيما بينهم ؟ وكيف باولئك الناس الذين تستحي منهم الملائكة ان يكونوا طماعين ومبتدعين؟ هل يجوز ان نغير تلك القصص التي سمعناها من مدرسي التاريخ او شاهدناها في مسلسلات التلفزيون حتى اصبحت جزء من حياتنا هل ممكن ان تكون تلك المعرفة خاطئة مضللة؟ في خضم التساؤلات ( ان وجدت) ياتي الجواب جاهزا :عليك بترك هذه الامور لذوي الاختصاص ولا تتدخل في فتنة حدثت لاناس لا يمكنك ان تكون تراب اقدامهم!!
في حيرة الانسان يعود الى مصادره ومصدر هذا الشيخ في مثلنا هذا هو احاديث الاصحاب وجلسات العشيرة ولقاءات المقاهي واخبار التلفزيون وافلامه. لايلبث الشيخ ان يصل الى عقدة لايمكنه تجاوزها فمعرمفته اليسيرة تزيده حيرة , حتى يأتي دور العواطف و تأثير الذكريات فيعود الى نفسه ويطوي كشحا عن اسئلة كثيرة في الدين والتاريخ.
هذه الديباجة المملة ايها القاري ترينا شرقنا المتأرجح الممزق بجهله بتاريخه وبدينه.عند ورود التوحد بين المسلمين يهلل الكثير بل الكل الى ذلك ولكن عند ظهور الفرق المذهبي في هذا الدين ينكص الفرد عن المطارحة وعن السؤال لمعرفة تلك الفروقات وكأنه يخشى فتح صندوق مليء بالافاعي.
عوام المسلمين الذين نشأوا على مذهب معين دون خيار سوى وراثة ورثوها عن ابائهم , يسيرون على ذلك المنهج مع جهلهم به ويتعصبوا له ليس عن ايمان به فهم لا يعلمون سوى احاديث مقاهي وخطب جمعة مكرورة عنه, ولكنهم يتعصبون لانفسهم فليس كل انسان تملكه جرأة الحق فيميل مع الحق وكما معلوم فأن الناس اعداء ماجهلوا.
وبأمكاننا اضافة عوامل المصلحة و غريزة الانتماء للقوم والمذهب وسهولة العيش لما سبق.في النهاية في شرقنا العربي والاسلامي عقدة كبيرة كالسرطان في جسمه المتعب, انها عقدة المذهب تلك العقدة المغلفة بالجهل والحمق. ماذا لو قرأ الناس عما جرى في بداية نشأة هذا الدين الذي يحكمهم في كل صغيرة وكبيرة, ماذا لو عرفوا الحقيقة كما هي لا كما يحبوا ان تكون عن اناس (مقدسين!!) لا يمكن انتقادهم. وعن حروب نشبت واحاديث وضعت واناس رفعوا وهم من الحضيض . العقدة المذهبية في هذا الدين تكبر كل يوم كسرطان خبيث يغذيها اعداء هذه الامة بشتى الوسائل ويموهوا كل السبل للوصول الى قطعها ومعرفة نشأتها .
في ايامنا هذه حرب شعواء على اناس من جلدتنا ومن ديننا يقف منها حكام ضعاف موقف المتفرج المتشفي! وينظر اليها عوام الناس في حيرة فقلوبهم مع اخوانهم في الدين والوطن وشركاءهم في المظلومية ولكن تقف العقدة المذهبية لتحيل ذلك الى موقف مبهم موقف يكبح التغيير والتأييد. يتكرر هذا الموقف دائما , في الثمانينات من هذا القرن كان للعقدة المذهبية دور كبير في التنصل من الوقوف الى جانب الدولة المتعدي عليها وهي ايران في حرب شعواء طويلة , وقف كثير من عوام الناس في حيرة تمنعهم العقدة المذهبية عن البت في امر واضح جلي وانصاعوا الى تحكم عقدتهم فيهم ليأخذوا جانب المتعدي وينصروا الظالم.
وفي العراق اليوم الناس في زلزلة وصخب وتقتيل وتشريد وان كانت العقدة المذهبية ليست هي العامل الاول فيما يجري ولكنها عامل واحد كبير لايمكننا تجاهله. متى يفيق الناس من سباتهم ويقرأوا عن سبب وجود تلك العقدة ولا يركنوا الى خطب جمعة مملة ولا الى مناهج دروس التاريخ السهلة المبسطة ومتى ينبذوا حديث المقاهي وضيعة الاوقات في مشاهدة لافلام معادة. هذه العقدة حلها سهل بالمعرفة وبحلها سيتلاشى الكثير من تناقض في حياة الشرق , في الدين وفي التاريخ وبزوالها تتلاشى حواجز ويحل التوحد محل الفرقة والاقتتال, فمتى يفيق الناس من سباتهم؟
https://telegram.me/buratha