المقالات

الانتخابات والممارسة الديمقراطية الصحيحة

863 14:04:00 2008-11-16

( بقلم : احمد عبد الرحمن )

خلال خمسة اعوام ونصف العام، وهو عمر التجربة العراقية الجديدة بعد عقود من الظلم والاستبداد والديكتاتورية تناوب على رئاسة الدولة في العراق شخصين هما الشيخ غازي الياور والسيد جلال الطالباني، واذا احتسبنا الرؤساء الدوريين لمجلس الحكم الانتقالي المنحل فسيكون عدد الذين تنابوا على الرئاسة هم احدى عشر شخصية-او عشر شخصيات بأعتبار ان واحدا استشهد قبل ان بتبوأ الرئاسة الدورية للمجلس وهو الشهيد عز الدين سليم- يمثلون اتجاهات ومدارس سياسية وفكرية مختلفة وينحدرون من بيئات لاتتماثل فيما بينها وان تشابهت في بعض الجوانب، وتناوب على رئاسة الحكومة ثلاث شخصيات حتى الان لايمثلون لونا سياسيا وفكريا واحدا.والى جانب ذلك تصدى للمسؤولية في مختلف مؤسسات الدولة ومفاصلها في بغداد والمحافظات عشرات-ان لم نقل مئات- الشخصيات من مختلف القوى والاحزاب والتيارات السياسية والفكرية.

وفي خضم الحركة المتسارعة للوقائع والاحداث غابت مفردة الانقلاب العسكري، عن سياقات تلك الحركة رغم انها اطلت في بعض الاحيان عبر وسائل الاعلام والمنابر السياسية، دون ان تتجازو دائرة التمنيات والطموحات، او التلويح بها كورقة لنيل مكاسب وامتيازات لم يكن ممكنا لطرف ما ان يحققها بطرق ووسائل افضل وانجع.وفي مقابل ذلك فأن مظاهر الديمقراطية كانت تهيمن يوما بعد اخر بدرجة اكبر على المشهد السياسي العام، ولعل ابرز مظاهر الديمقراطية هي الانتخابات، ومبدأ الانتخابات بات يعد مبدأ اساسيا ورئيسيا في الحياة السياسية في الدولة العراقية المعاصرة-الجديدة، واذا كان عموم الناس يتذكرون الانتخابات البرلمانية الاولى وكذلك الثانية والى جانبها انتخابات مجالس المحافظات، ويتذكرون ايضا ملحمة الاستفتاء الشعبي العام على مشروع الدستور الدائم في الخامس عشر من شهر تشرن الاول-اكتوبر من عام 2005، فأن الكثير منهم ربما لايتوقفون ولايلتفتون كثيرا الى ان الوسائل والاليات والسياقات التي يتم على ضوئها انتخاب-او اختيار-اعضاء ورؤساء المجالس البلدية للاقضية والنواحي، ومدراء المؤسسات والدوائر الحكومية المهمة مثل قيادات الشرطة في المحافظات وغيرها، الى اختيار الوزراء واصحاب الدرجات الخاصة التي لايمكن حتى لرئيس الوزراء الذي يمثل قمة هرم السلطة التنفيذية ان ينفرد بأختيار أي منهم من دون التداول والبحث والنقاش المستفيض مع القوى والتيارات المشاركة في العملية السياسية، وربما حتى مع غير المشاركة ايضا، في حال كان منهجها لايتقاطع مع السياقات الصحيحة للعمل السياسي.

ان مبدأ الانتخابات ارسى في واقع الامر اسس ومرتكزات مهمة للعملية السياسية في العراق، رغم ما اعتراه من سلبيات واخطاء وهفوات على صعيد التطبيق العملي، فهو رسخ المباديء الاخرى للديمقراطية والمتمثلة بالمشاركة السياسية للجميع وفق ضوابط ومعايير متفق عليها، ومقرة في الدستور وفي وثائق رسمية اخرى، وكذلك رسخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، الذي هو حصيلة طبيعية لمبدأ الانتخابات والمشاركة السياسية.قد توجد انتخابات بشكل مستمر وعلى مستويات مختلفة في الكثير من الدول، لكنها في الواقع لاتعبر عن منهج ديمقراطي حقيقي لانها تفتقر الى مبدأ المشاركة السياسية الحقيقية، ولاتفضي بأي حال من الاحوال الى ايجاد وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة، بل ان الهدف منها يتمثل بتوفير الغطاء الشرعي لاحتكار السلطة والاستئثار بها من قبل شخص معين او حزب بذاته، او فئة تمتلك سطوة ونفوذا اكتسبته بفعل ظروف واوضاع معينة وحافظت عليه بمساعدة خارجية.

واذا كان ذلك قائما في العراق قبل التاسع من نيسان-ابريل من عام 2003، فأنه غاب واختفى بعد ذلك التأريخ، ولايبدو ان بأمكان أي طرف اعادته، سيما وان المنهج الصحيح اخذ بالترسخ والتجذر يوما بعد اخر.ومضافا الى ذلك كله فأن الانتخابات كمفردة عامة اوجدت وعيا سياسيا مهما لدى مختلف فئات وشرائح المجتمع العراقي التي كانت لعقود طويلة من الزمن مغيبة ومهمشة ومحاصرة ولم يكن يسمح لها الا بتلقي ثقافة حزبية مشوهة وزائفة تقوم على تمجيد العنف والارهاب والتسلط، وتسويق كل المفاهيم والافكار الخاطئة والمنحرفة، وعمقت الانتخابات كممارسة ونظرية الثقافة السياسية السليمة التي هي احدى مظاهر وتجليات الوعي السياسي العام، واتاحت فرصا وافاقا واسعة وفسيحة للاطلاع على تجارب الشعوب والمجتمعات الاخرى، والاستفادة من نقاط وعوامل قوتها.

ولاشك ان تعميق مبدأ الانتخابات، من خلال ترويجه ونشره كجزء من الثقافة السياسية العامة، ومن خلال المشاركة في اية عملية انتخابية مشاركة حقيقة وفاعلية من منطلقات ودوافع وطنية، والاتجاه الى اختيار المخلصين والشرفاء واصحاب التأريخ النظيف ليمثلوا ابناء الشعب، وليتبوأوا مواقع المسوؤليية، كل ذلك يعد من المقومات الاساسية لبناء العراق الجديد، وللسير في طريق صحيح قطعنا فيه شوطا غير قليل، ومازال فيه المهم والكثير، والمنطلق السليم لمعالجة المشاكل والاثار السلبية للسياسات والمناهج الخاطئة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
مهدي اليستري : السلام عليك ايها السيد الزكي الطاهر الوالي الداعي الحفي اشهد انك قلت حقا ونطقت صدقا ودعوة إلى ...
الموضوع :
قصة السيد ابراهيم المجاب … ” إقرأوها “
ابو محمد : كلنا مع حرق سفارة امريكا الارهابية المجرمة قاتلة اطفال غزة والعراق وسوريا واليمن وليس فقط حرق مطاعم ...
الموضوع :
الخارجية العراقية ترد على واشنطن وتبرأ الحشد الشعبي من هجمات المطاعم
جبارعبدالزهرة العبودي : هذا التمثال يدل على خباثة النحات الذي قام بنحته ويدل ايضا على انه فاقد للحياء ومكارم الأخلاق ...
الموضوع :
استغراب نيابي وشعبي من تمثال الإصبع في بغداد: يعطي ايحاءات وليس فيه ذوق
سميرة مراد : بوركت الانامل التي سطرت هذه الكلمات ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية : الف الف مبروك للمنتخب العراقي ...
الموضوع :
المندلاوي يبارك فوز منتخب العراق على نظيره الفيتنامي ضمن منافسات بطولة كأس اسيا تحت ٢٣ سنة
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
غريب : والله انها البكاء والعجز امام روح الكلمات يا ابا عبد الله 💔 ...
الموضوع :
قصيدة الشيخ صالح ابن العرندس في الحسين ع
أبو رغيف : بارك الله فيكم أولاد سلمان ألمحمدي وبارك بفقيه خراسان ألسيد علي ألسيستاني دام ظله وأطال الله عزوجل ...
الموضوع :
الحرس الثوري الإيراني: جميع أهداف هجومنا على إسرائيل كانت عسكرية وتم ضربها بنجاح
احمد إبراهيم : خلع الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني لم يكن الاول من نوعه في الخليج العربي فقد تم ...
الموضوع :
كيف قبلت الشيخة موزة الزواج من امير قطر حمد ال ثاني؟
فيسبوك