المقالات

الاتفاقية الأمنية ، الشيعة يدخلون التاريخ ، والبعث يخرج الى مزابله

1533 07:00:00 2008-11-30

( بقلم : باسم العوادي )

بعيدا عن التصورات الطائفية قراءة في اهم معاني الاتفاقية وقع شيعة العراق باغلبهم على اتفاقية سحب القوات الأمريكية من العراق بعد ان حصلت على شبة اجماع وطني من شركاءهم في الوطن من الكورد والسنة وبهذا يكون الشيعة قد حققوا عدة أمور:

الأولى : توقيعهم على الاتفاقية التي تعني فيما تعني ان لشيعة العراق ستراتيجية مختلفة تماما عن اية ستراتيجية اُخرى في المنطقة وان لهم وجهة نظر متفردة وانهم غير تابعين لأي ستراتيجية اُخرى مثلما حاول بعض الجهلة خلال السنوات الخمس الماضة بربطهم وجعلهم كتبع لغيرهم ، وكل ذلك نابع عن جهل اؤلئك بواقع الشخصية الشيعية العراقية وأبعادها ودورها وتصوراتها للعراق كموطن أصيل للتشيع وتصوراتها للمنطقة والعالم.

إن واحده من اهم معاناة شيعة العراق ومن أهم نقاط التوتر في التاريخ العراقي الحديث هي في عدم فهم سنة العراق لواقع الشخصية الشيعية العراقية رغم ان الشيعة قد عاشوا تحت حكم النظم السنية الحكومية السياسية والأمنية والمخابراتية والاقتصادية والاجتماعية إلا ان النظرة السنية العراقية لشركاءهم في الوطن كانت ولازالت قاصرة ولهذا القصور اسباب قد نعود لها لاحقا في مقال مستقل آخر ، كل ما اريد ان اقوله ان شيعة العراق ( أم الولد ) وانهم اصحاب التأثير في الواقع الشيعي العالمي نعم يتأثرون ويتفاعلون لكنهم لايفقدون تأثيرهم ودورهم ولايقبلون لانفسهم ان يكونوا في آخر المطاف تنظيرا وفعلا ، وحتى في التجربة الأيرانية الشيعية الحديثة والمتفردة عالميا كانت بصمات شيعة العراق واضحة ولا زالت حتى في سلم القيادة الأيرانية العليا وكمثال على ذلك السيد ( محمود الهاشمي الشاهرودي ) رئيس السلطة القضائية الحالي في ايران العراقي الأصل المولود في النجف والدارس في المدارس الحكومية العراقية ، والذي اعترضت عليه الصحافة الايرانية يوم ترشيحة لرئاسة السلطة القضائية بانه عراقي الأصل والهوى ، مدير مكتبه لازال نسيبه العراقي الفراتي المعتق ، وان لم تخُني الذاكرة فاني كنت قد قرأت تقريرا خاصا في اواخر التسعينات عندما التقى صدام حسين بوفد ايراني خاص ودار الحديث حول تطوير العلاقات بين البلدين خاطب صدام الوفد الايراني حول موضوع مجاهدي خلق قائلا (( بأني مستعد ان اسلمكم كل مجاهدي خلق ولكن هل انتم على استعداد لتسليمي الشخصيات العراقية القيادية في ايران )) ويعني بالشخصيات العراقية القيادية في ايران مجموعة منهم بالتحديد محمود الهاشمي ، وكمثال اخر فان وجه ايراني الأسلامي في التعامل مع العالم الإسلامي والعربي ومنذ ثلاثة عقود هو العراقي الأصيل الشيخ التسخيري النجفي هوى ومعيشة ومنطق وتصرفات وهو يشرف على واحده من اهم مؤسسات التبليغ الإسلامي التي كانت ترشح وتؤهل كل ملحق ثقافي وتشرف على الملحقيات الثقافية الايرانية والذي لا زال متهما والى اليوم من الايرانيين و العراقيين بانه من منظري حزب الدعوة ، وكمثال اخر فان ايران اسندت للعراقي النجفي الأصيل الشهيد محمد باقر الحكيم رحمه الله ارفع واخطر واجهه دينية عالمية عندها وهو مجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية الذي كان يعقد مؤتمرات سنوية عالمية يحضرها المئات من المفكرين الإسلاميين من شتى دول العالم وما لهذا المجمع من تأثيرات كبيرة على الشخصيات و الثقافة الإسلامية ، ناهيك عن ان ايران تتلمس وتخطوا في اقتصادها على نظريات عبقرية القرن العشرين العراقي الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله وهذه الامثلة نقطة في بحر من تأثيرات شيعة العراق في الواقع الأيراني الإسلامي المعاصر ولو شئنا ان نجري بحثا شاملا لاتضح ان تأثير الشخصية الشيعية العراقية كان له اثرا بالغا في التجربة الإيرانية ولم تكن الشخصية الشيعية العراقية منقادة متأثره بدون ان تكون قيادية مؤثره وفاعله.

اضف إلى ذلك بانه لم يؤثر احد في الكون على القيادة الأيرانية ويقنعها بالتحاور مع امريكا بشأن العراق مثلما فعلت الشخصية الشيعية العراقية ، ولم تفرض اي مجموعة شيعية في الكون وجهة نظرها وتجبر ايران على الاقتناع بها مثلما فعلت الشخصية الشيعية العراقية منذ سقوط صدام والى اليوم فقد استجابت ايران وباقتناع لمعظم ما طرحه عليها شيعة العراق من رؤى وافكار وتصورات بخصوص المنطقة والعراق وكل ذلك يدلل على مكانة الشخصية الشيعية العراقية وتفردها وقابليتها على التأثير والتأثر ، لكن المؤسف ان كل ذلك لم ينظر له على اساس انه دور بل نظر له من باب الشعور الطائفي ، مما ضيع فرص عظيمة على العراق خلال تاريخه الحديث ، وأنا على يقين بانه لو فهم سنة العراق طبيعة الشخصية الشيعية العراقية ولو لاحقا لامكن النهوض بالواقع العراقي وطنيا الى ابعاد كبيرة ، بالمناسبة هذا الدور الوطني للشخصية الشيعية العراقي قد اعترفت به الصحافةالأمريكية خلال الأسابيع الماضية بدرجة كبيرة ونشرت عشرات المقالات التي اكد خلالها الكثير من المحللين السياسيين الامريكيين دهشتهم الشديدة من طريقة شيعة العراق في رسم خطوات مستقلة بعيده عن التأثيرات الأقليمية وكانت محط اعجابهم وتقديرهم ، فمن العجب ان يفهم الأمريكي الشخصية الشيعية خلال خمس سنوات ولايفهمها الشريك في الوطن بعد 1400 سنة من التعايش؟؟

ثانيا : توقيع شيعة العراق على الاتفاقية اخرجهم من اطار المحلية والطائفية الى اطار المجموعة العالمية ، المجموعة القادرة على اتخاذ القرارات الصعبة والجريئة والساعية الى ايجاد منظومة علاقات عالمية يكونوا فيها طرفا اساسيا مما سيزيد ثقة العالم بهم وبأدارتهم وطريقة تعاملهم ، علما ان سنة العراق قد تقدموا على شيعة العراق بداية تشكيل الدولة العراقية الحديثة لانهم كانوا الاقدر على اتخاذ القرار الصعب وهذا مما مكنهم من مقاليد العراق ، اليوم يتجاوز شيعة العراق ذلك الخطأ الفادح ويشتركون مع الآخرين في الجرأة والقدرة على اتخاذ القرار التأريخي الذي يضعهم على اعتاب الاهتمام العالمي ويجنبهم حالة الغضب العالمي كمجموعة متمردة على الشرعية الدولية.

ثالثا : حرص شيعة العراق ومرجعيتهم بان لاتوقع الاتفاقية إلا من خلال تفاهم وطني عام وتمرير الاتفاقية باصوات غالبية تفوق الغالبية البسيطة التي كانت متوفرة بالاصل وهذا دليل آخر على قوة ومتانة الشعور الوطني المتأصل في الشخصية الشيعية العراقية وارقى انواع البراغماتية وفهم الواقع العراقي الذي يعطي دليلا واضحا بان الشخصية الشيعية العراقية تنطلق في تصرفاتها من واقع فهم تأريخي لازمات العراق الماضية وتريد ان تؤسس لمسار سياسي جديد قد يكون نقطة انطلاق في العراق وفي المنطقة العربية وحتى الأقليمية من شراكة مصيريه بين مكونات الشعوب وان لايكرر التاريخ نفسه بالانفراد والتسلط وهذه القضية بحد ذاتها لايمكن ان تصدر من شخصية هامشية مالم تكن تلك الشخصية ملهمة ومتعقلة وواقعية وهذه هي صفات الشخصية المؤثرة والناجحة.

رابعا : توقيع ورقة التفاهم الوطني او ما تصر كتلة التوافق على تسميته بوثيقة (الاصلاح) بالرغم من ان كلمة الأصلاح غير مناسبة اطلاقا في مثل هذه الظروف والمنعطفات ، وما ابداه شيعة العراق من اصرار على مشاركة الجميع في اتخاذ القرار حيث كان الاجدر ولو على اقل الإيمان مجاملتهم لا التشكيك بادارتهم حيث ان مصطلح الاصلاح يعني فيما يعني اصلاح الافساد او الفساد وطبعا المعني هنا الافساد الشيعي في الاداره او فساد الائتلاف أو حكومة الائتلاف التي يرأسها الشيعة وهذا خطأ سياسي اصرت عليه جبهة التوافق ووافق عليه الاتئلاف بعلم او بغير علم من اجل إرضاء رغبتهم ، اقول توقيع هذه الوثيقة هو كذلك تفهم من قبل الشيعة لهواجس اخوتهم وشركاؤهم في الوطن وهو يعبر كذلك عن بادرة والتفاته جريئة من قبل الشخصية الشيعية العراقية القيادية من انها تقبل بالاصلاح وان كان يستهدفها شخصيا دون غيرها ، في حال ان سنة العراق قد رفضوا حتى كلمات العتاب على مافات خلال 80 سنة بضمنها الحروب ، ولم اسمع شخصيا مثقفا سنيا واحدا الى اليوم قد قال ان في الماضي اخطاء فقط حتى من قبل الليبراليين والماركسيين السنة ، في حال ان الشيعة اليوم وبعد خمسة سنوات فقط يؤيدون الإصلاح وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على قوة متانة تلك الشخصية التي لديها كامل الاستعداد بان تعيد وتراجع مواقفها وأداءها وتصححه بعد كل منعطف تأريخي بدون مكابرة وبدون ان تأخذها العزة بالأثم.

خروج البعث

المرتكز الثاني والذي يمكن ان يستجلى وبوضوح تام من خلال توقيع الاتفاقية تلك ان حزب البعث قد خرج يوم توقيع الاتفاقية الى مزابل التاريخ ، يوم توقيع الاتفاقية هو يوم الموت الحقيقي لصدام وهو يوم موت حزب البعث وفكره وتياره وجماعاته وتجلياته بأي صورة كانت ، الاتفاقية الأمنية هي الحصانة الاكيدة لاستمرار العملية السياسية الحالية وقد احتوت على نص واضح بمطاردة فلول البعث ومجرمية مثلما احتوى الدستور على فقرة مثيلة وعليه فالبعث اليوم بين سندان المنع الدستوري ومطرقة الاتفاقية العالمية وسيبقى بينهما حتى تتقطع أوصاله نهائيا يوميا بعد يوم ويتحول الى هباء منثورا تطارده اللعنات تلو الاخرى حتى تلقيه في قعر مزابل التاريخ ، واذا كان للاتفاقية الأمنية من ايجابية فهي منعها وتجريمها وتأكيدها على مطاردة البعث وفلوله وباسم القانون الى ان يشاء الله تعالى .

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
الدكتور شريف العراقي
2008-12-02
شكرا" للسيد العوادي على مقالته المعبرة.
ابو الخير
2008-12-01
سلمت يدك على هذا المقال لقد اشفيت قلوبنا ياسيد اقول ان كل عراقي شريف يعرف الحقيقه ولكن اوصي الاخوه الذين يكابرون على هذا الكلام وانه لايعجبهم اعلمو ان غضب الله اتن اليكم انهم يكابرون حتى عدم فتح الوكالات التابعه لطائفة اهل البيت وهم منهم اللهم بارك لنا بهذه الخطوه الجباره وايهم بنصرك انك حميد مجيب اللهم احفظ كل الخيرين في امتنا الاسلاميه وجعل هذا البلد امنا
ابوعلي العراقي
2008-11-30
بارك الله فيك سيدنا انا احب واعشق الاصوات العراقية الاصيلة بعيدا عن الطائفية. نريد نبني وطن والوطن يحتوي على الصالح والطالح وكلهم ابنائنا الوطن مثل الام يفيض حنان على كل اولادها حتى على الابن الذي يذبحها.هذه تربية اتباع اهل بيت النبوة عليهم السلام.ويعرفها السني المسلم والمسيحي وكل ديانات العالم.وسوف يأتي اليوم الذي يصوت به المواطن العراقي السني للشيعي لكي يحكمه من خلال البرلمان او الحكومة لانه يرى العدالة كل العدالة متجسدة بمنهج ال الرسول واتباعهم فلا يظلم احد بحضرتهم.والله ناصرنا على البعث
أم زيد
2008-11-30
بارك الله فيك أستاذ باسم ولكن ماذا عن التيار البعثي (فرع شيعة العراق) فقد جن جنونهم ساعة الأتفاقيه وعادوا لأحضان أمهم الشرقيه.
السلامي
2008-11-30
حقا أقول اذا تكلم السيد باسم العوادي فليخرس البعثيون الارجاس ومن لف لفهم.....حفظك الله ورعاك
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك