المقالات

الوطن حقيقة أم خيال ؟

1534 20:19:00 2008-12-01

بقلم : علي الملا

ولدت في ارض قيل لي انها (الوطن) , فنشأت في كنفه اراقب الحياة مذ عرفت ان هناك شيئا اسمه الحياة , وكلما مرت سنة من العمر كنت ازداد عشقا لهذا المجهول الذي كان اسمه (الوطن). فبدأت أتلمس عمق جراحه التي تمتد بعمق التاريخ ونزيفها المتحول الى نهرين كبيرين هما دجلة والفرات , فلم تكن طفولتي مرتعا للبراءة واللامبالاة وانما هي مزيج من التأمل والألم , وكأن يد القدر ارادت ان اعرف معنى الجراح وأتذوق مرارة الظلم لأتعايش معهما الى آخر لحظة من الحياة . وكان أخي الأكبر قد سجل بصوته على شريط مسجل قصيدة الجواهري (دجلة الخير) فكنت اسرق جهاز المسجل من غرفته واستمع الى القصيدة الرائعة وانا في الخامسة من العمر حتى حفظتها عن ظهر قلب رغم انني لم اكن افقه معاني الكثير من كلماتها الا انني كنت اهتز من اعماقي لكل حرف فيها . وفي ذات الوقت كنت استمع الى المناقشات التي كانت تدور في (البراني) بين والدي (رحمه الله) وضيوفه في كل ليلة , وكانت تتمحور حول الدين والسياسة والأدب فأجلس خلف الستارة فلم يكن يسمح لطفل في عمري مجالسة الكبار , وبعد أن اشعر بالنعاس أنسل بهدوء الى أحضان والدتي لأتوسد ذراعيها وفي رأسي الصغير تساؤلات كبيرة عن مصطلحات كثيرة عشعشت في مخيلتي ولا اعرف ابعادها. ومضت الأيام وانا اشاهد هذا (الوطن) كيف تعملقت فيه الضفادع واستأسدت فيه الفئران حتى أقفرت الديار وتشتت الجمع وتفرق الأصحاب وغادر اثنان من اخوتي الى بلدان اخرى ومات والدي ولم تبقى الا مكتبته العامرة وذكريات جميلة عن تلك الأماسي الرائعة , وبدا (البراني) موحشا وقد خلى من رواده , ولم نعد نسمع للباب من طارق ولا للضيوف من تحية ولا للشعر من قافية وكأن الحياة قد وصلت الى نهاية المطاف.وبقي الوطن أكبر هم احمله بين الضلوع وجراحه أكبر من كل جرح , اذ لم يكن بيتنا الا نسخة مصغرة منه , فحاولت السيرعكس الاتجاه والسباحة ضد التيار حتى وضعت في يدي الأغلال وسلطت على ضهري السياط في أسوء قبو من أقبية الأجهزة الأمنية . وبعد خروجي منها بقدرة قادر ومشيئة رب كريم شددت رحالي مهاجرا وملتحقا بمن سبقوني في الهجرة الى بلاد الله الواسعة باحثا عن حياة جديدة ومستقبل يكون أكبر من حجم المأساة يمسح غبار الماضي ويكفكف دموع الحزن ويلملم شتات الذات المبعثرة . ولكنني وجدت نفسي لا أحمل في صدري غير (الوطن) ولا في حقائبي الا ذكرياته الجميلة بكل ما تحمل من مرارة وشقاء , فحتى القميص الذي ارتديه يذكرني بالمكان الذي اشتريته منه والأزقة التي من خلالها وصلت الى السوق في مدينة الكاظمية ، فعشت مع (الوطن) وتعايشت معه حتى اذن الله بأن تتبدل الأحوال ويحين موعد العودة الى الديار فرجعت راكبا على جناح الأمل مستبشرا بالخير وحططت الرحال في النجف الأشرف مدينة آبائي وأجدادي التي اعتز بها كل الأعتزاز , وذلك في الثلاثين من نيسان من عام 2003 ثم توجهت الى بغداد حيث منزل والدي الذي خرجت منه مرغما . وحدث ما لم يكن بالحسبان فالمأساة استمرت بصورة مرعبة ونزيف الدم لم يشأ الى ان يزداد تدفقا , وغربان الموت اتخذت صور اخرى لحصد الأرواح ناشرة في السماء غمامة من الرعب لتحجب نور الأمل الذي قادنا الى العودة . ومع كل ذلك اتخذت القرار بالبقاء وتحمل النتائج المترتبة على ذلك القرار وسلكت ذات النهج الذي نشأت عليه من الرفض للظلم والأستهانة بكرامة الأنسان متخذا منه سبيلا للعمل دون ان التفت الى كل التحذيرات ورصاصات الغدر المختبيء خلف اللثام .واضطررت الى مغادرة بغداد قاصدا مدينة النجف الأشرف التي اعرفها وتعرفني انا وزوجتي واطفالي الخمسة , وهناك لاحت لي بارقة من الأمل عندما اعلنت دائرة الهجرة والمهجرين بأن الحكومة قد خصصت قطعا من الاراضي السكنية للمهاجرين خارج البلاد , فشعرت بسعادة غامرة لانني وبعد اربعين عاما سأمتلك دارا في (الوطن) حاصدا ثمار المعاناة الطويلة مما بعث في نفسي شعورا بالأطمئنان على مستقبل الأولاد اذا غادرتهم الى دار البقاء . وحدث ما لم يكن في الحسبان فقد رفض طلبي واستثنيت من المشمولين بهذا القرار ليس لانني غير مستوف ٍ للشروط , بل لأن مسقط رأسي في بغداد ولا يحق لي استلام قطعة ارض في مدينة النجف الأشرف مدينة الآباء والأجداد !!! ورحت أتساءل بأستغراب (اذا كبر اولادي فهل ستعطيهم الحكومة كتابا الى بلدية دمشق ليمنحوهم قطعة ارض هناك ) ؟! .ومما زاد في حيرتي فوز أوباما ( الكيني ) الأصل برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية دون ان يرفضه وطنه الجديد مع احترامه الكبير لوطنه القديم . وانا يرفض وطن آبائي وأجدادي أن يمحني بضعة أمتار من أرضه الواسعة لأتخذ منها سكنا بعد كل ما تحملته من أجله ومن أجل قضيته , ولا أدري ان كان هذا الوطن سيمنحني قبرا يستريح فيه جسدي الذي اتعبته السنين وأنحلته الخطوب أم يرسل بجثماني الى بلدية دمشق استنادا الى جواز سفري الذي يحمل سمة الأقامة فيها. لقد تبدد الحلم وأنطفأت شمعة الأمل وعدت بعد سن الأربعين ابحث عن اجابة لما كنت اسأل عنه وانا في الرابعة من العمر ما هو (الوطن) , هل هو جراح ومعاناة ؟ أم عطاء ومكتسبات ؟ وهل هو استقرار وأمان ؟ أم هو غربة ومنفى ؟ ولماذا يسمى الوطن (وطن) ؟ .

 فبرغم كل التجارب التي مررت بها وما أكتسبته من ثقافة واطلاع بقي المجهول ذات المجهول والسؤال ذات السؤال: ( الوطن حقيقة أم خيال) ؟!؟!

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
محمود الشمري
2008-12-02
يا أستاذ علي العافية درجات وكل شيء يصير احسن انشاء الله وأنت تعرف أين كنا وأين أصبحنا,الطاغية رحل الى الجحيم والبعث أصبح ذكرى مزعجة والديمقراطية تتلالا في العراق الجديد والشرفاء ينتخون بعضهم البعض للعمل رغم أنف البعث والقاعدة والصدريينقليلا من الصبر هو مانحتاجه. أما الأخت زهراء فأنها تتحدث عن أحد أتباع مقتدى على الأكثر وقبل أن يتم كنسهم من أحياءنا ومدننا ورميهم الى المزابل.ومجرد ورقة رسمية تثبت ملكيتها أو أحد أفراد عائلتها للعقار المغتصب ستؤدي بالسيد المزعوم الى الشارع أو السجن أذا رفض الخروج
علي بكلوريوس اقتصاد وسياحة ودبلوم ادارة مدنية
2008-12-02
حتى نتعلم من الذين سبقونا في البناء نرجع الى التجربة الالمانية بعد الحرب حيث بنوا الالمان بيونت هذة البيوت هي مثل الاسكان عندنا لكنها تختلف من حيث البنية التحتية وسعة الشوارع فهي اسمها السكن الجماعي هذة الشقق عبارة عن 4 الى 5 طوابق لا اكثر مرتبطة بحديقة معها وبنية تحتية كاملة او اعطيت لهم ارض وعلى هذة الارض يشيد بيت في مواصفاتة والخريطة هي نفسها مع البيوت المجاورة في كل الحي من الارتفاع والطوابق مع االبنية التحتية الكاملة يعني اولا تكمل الشوارع بمافيها الارصفة ومكان زرع الاشجار و المجاري والماء والكهرباء والغاز والتلفون وو وبعدها توزع الاراضي كي يكون نسق وتخطيط سليم يراعى فيها التخطيط السكاني و اماكن وقوف السيارات والاسواق والحدائق ومكان لعب الاطفال اما عندنا فنوزع الاراضي الى الناس قبل كل هذا يعني نحن متقصدون عن جهل ان ناجل المشاكل الى المستقبل القريب اما اذا بقينا بهذة الطريقة سوف نقضي على اخر منطقة خضراء في العراق ولا نستغرب عندما نرتفع درجات الحرارة اكثرفي الصيف لان التوسع هو افقي وليس عمودي على حساب المساحات الخضراءوالبيئة واقترح يمكن ان نعمل مشروع الاسكان من صادرات النفط في يوم واحد كل شهر تخصص مرة الى محافضة هذة الاموال توضع لهذا المشروع الذي اسمة السكن الجماعي او الاسكان
علي بكلوريوس اقتصاد وسياحة ودبلوم ادارة مدنية
2008-12-02
اخي انا من مدينة النجف الاشرف ترك اهلي في الحدود بعد ثلاث اشهر من السجن في زمن المقبور لا بل حتى ازلام النضام عندما دخلوا الى بيتنا في النجف بداو يتقاتلون فيما بينهم على تقاسم الرزق الحرام من اتعاب والدي طول عمرة وقسم من اقربائنا غيب في سجن ابو غريب سيء السمعة والصيت لم نحصل على قطعة ارض ولم نطالب بها ولو يصير يااخي علي اعطيك هذة القطعة لو ارادت المحافضة ان تعطيها لي فاني مولود في النجف واجدادي ايضا مولودون ومتفونون فيها واسمنا ايضا معروف وليس مثل المقبور بدون اصل وفصل
زهراء محمد
2008-12-01
تحية للمنسيون والمغيبون عن الوطن انا ظلمت في الوطن وسلبت ممتلكاتنا واوراقنا العراقية وكل مقتننياتنا الثمينة في نفس الليلة ثم سجنا ومن ثم هجرنا الى ماوراء الحدود وحجزوا كل آخوتي واولاد اعمامي واقاربي في ليلة سوداء بعد سنين رجعت الى لابحث عن مقابر اخوتي وزرت بيتنا فاذا الكاعد في بيتنا هو سيد كما كان يفتخريقول اني ابن رسول انتم مو عراقين!!!بالله عليك يااخ علي تطلب قطعة ارض منهم؟؟حلالنا اخذوه وشرعوه اتعرفون لماذاالعراق لايستقر بسببالظلم الله خيرمنقم يلكوه عاجلا ام آجلا كما حصل للمقبورالدموي لعنة .
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك