المقالات

بين جمهورية افلاطون والمدينة الفاضلة .. صراع بين رؤيتين للحياة

2304 14:38:00 2009-01-12

بقلم : عبد الجبار كريم

لست في باب المقارنة بين جمهورية افلاطون والمدينة الفاضلة للفارابي ، واوجه الالتقاء والافتراق بقدر مااريد الاشارة الى نمطين ونموذجين في التفكير ، احدهما يدعو الى تكريس ارادة الانسان ومصالحه ورغباته ، والاخر يدعو الى التاسيس للمدينة الفاضلة في قبال الجمهورية ، أي الانتصار لقيم الفضيلة حتى ولو جاءت على حساب الجمهورية ، وباتجاه لايعكس ارادة الشعب بالكامل بقدر ماتكرس منظومة القيم التي يراد تكريسها في واقع الامة . فاذا كانت الجمهورية تكريس للقانون الروماني وامتداداته التاريخية في حياة المجتمع والدولة بالغرب ، فان المدينة الفاضلة تكريس للقيم الدينية وتجلياتها في نظام الدولة بصيغته الثيوقراطية ، وبالتالي محاكاة للحالة الشرقية ذات المنحى الاستبدادي والفرداني ، والانحياز نظريا وليس واقعيا للاتجاه الروحي المثالي بعيدا عن المؤسساتية ودولة القانون .

لاغرابة ان يتطور الغرب ويستحوذ على صدارة التاريخ البشري باستثناء بعض الفترات كالعصور المظلمة ، وذلك لان تطوره ارتكز على التاْسيس لدولة الانسان في اطار جمهورية افلاطون الشهيرة ، فيما راح الشر ق ولايزال يواصل محاكاته للجمهورية بالتكريس للمدينة الفاضلة ، بما تكتنفه من تاْصيل لارادة السماء وماتقتضيها من قيم ومثل عليا تحاول دون جدوى تكريسها في حياة الانسان حتى ولو جاءت على حساب رغباته وسعادته ومصالحه احيانا . من الطبيعي ان تتطور جمهورية افلاطون لتقدم اليوم انموذجا قابلا للاحتذاء حتى وان لم يكن متكاملا ، ذلك لانها بدات بمجموعة رسمية من القواعد متمثلة بالقانون الروماني ، ولاتزال فلسفة الجمهورية ترفد الحياة بالمزيد من التشريعات والنظم البشرية القابلة للتطبيق والتبني في مختلف ارجاء المعمورة ، فيما بقيت المدينة الفاضلة اسيرة التجارب المحدودة التي لاتتميز بالاستمرارية والتواصل والاستقرار ، ذلك لان الفضيلة بما تمثله من قيم مطلقة اصعب على التطويع لتكريسها كقواعد رسمية وقوانين تمتاز بصفة الالزام ، وذات طابع مدني كما هو الحال بالنسبة للجمهورية .

اذا كانت دولة القانون والمؤسسات والمجتمع المدني من افرازات جمهورية افلاطون ، فان انصار المدينة الفاضلة لايزالون ينبشون في بطون التاريخ عسى ان يجدوا ملامح للمجتمع المدني الديني ولكن دون جدوى ، لان النظم الشمولية هي اعجز من ان تكرس قواعد المجتمع المدني وهي تنحاز للمثل التي تؤمن بها كمحددات لافق تفكيرها ، وبالتالي مهما تقدمت تجارب هذه النظم الشمولية فانها ستبقى منحازة لتكريس مثلها على ارادة الانسان ، وتبقى الافضلية والانحياز للقيم والمثل ، ومن الصعب للقائمين على هذه النظم واصحاب الفكر الشمولي الانحياز المطلق للانسان وارادته ،لانها قد تهدد تحكيم ارادة الانسان اصل المثل التي جاءت بهم الى سدة الحكم .

قد يقول قائل ان علمانية الغرب هي ايضا تضع سقفا محددا للانسان لايستطيع تجاوزه ، واذا كان هذا الاشكال صحيحا فانه يصح على معاداة كل مايعطل ارادة الانسان بما يمثله من رغبات وارادة ومصالح ، كما ان المسالة مطروحة في اطار الحقائق النسبية ، وان المساحة الممنوحة للحريات اكثر بكثير مما هي عليه النظم الشمولية .هناك محاولات للتوفيق بين النظم الشمولية وقواعد المجتمع المدني ودولة المؤسسات ، ولكنها ستبقى دون المستوى المطلوب في عالم بات كالقرية ، ويسرع الخطى في تكريس كل رغبات الانسان وانطباق الدال على المدلول ، وحتى مع ظهور قراءات جديدة للدين منفتحة على حركة الواقع ، وتنحو منحى المؤسسات ، ولكن تبقى العملية صعبة وتكتنفها عراقيل كثيرة ، طالما لم يتم الانحياز الى ارادة الانسان كمعيار اساس وثابت ، وهذا يقتضي رؤية تتمايز كثيرا مع الانحياز الشديد للمقدس وتكريس الحقائق المطلقة والبحث عن رموز بدلا من ثقافة الحقائق النسبية والحياة الدستورية وقواعد المجتمع المدني .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك