المقالات

العراق والولايات المتحدة... أية شراكة..؟!

1061 17:51:00 2009-01-12

( بقلم : وزير التخطيط العراقي - علي بابان )

قد يتساءل المرء عندما يريد أن يتناول العلاقة الإقتصادية بين العراق والولايات المتحدة... أية علاقة شراكة يمكن أن تنشأ بين بلد تعرض للإحتلال والهزيمة العسكرية وآخر كان في موقع الغازي والمنتصر...، وأي تكافؤ في العلاقة يمكن أن يتحقق في ظل معادلة كهذه...؟! وفي الواقع فأن هذه التساؤلات منطقية تماماً ويمكن ان ترد إلى ذهن أي إنسان قدر له أن يتابع مسار الاحداث في العراق منذ عام 2003 حتى الآن.

ان العراق كشعب وأمة لا يمكن له أن يسقط من ذاكرته كل مشاعر المرارة والتذمر... التي قد تغلب على النفس من هذا السلوك الأمريكي او ذاك، او أن يهمل تجربة ست سنوات من الوجود الأمريكي على الأرض العراقية بكل ما حفلت به من دروس وعظات، الا انه يجدر بنا في العراق أن نتطلع إلى المستقبل أكثر من تركيزنا على الماضي، وان نتعامل مع القضية بروحية مختلفة تركز على المنافع المشتركة والتحديات القادمة وتستلهم مصالح الوطن والمواطن في المقام الأول وقبل كل شيء خصوصاً ونحن نتجه لبناء بلدنا والارتقاء بمواطننا وتحسين نوعية الحياة على هذه الأرض. في العالم الذي يتطلع فيه الصغار والكبار من الدول على حد سواء إلى تحالفات وشراكات تمكنهم من القدرة على البقاء والتنافس حيث لم يعد من فرصة للصغار...لا غنى للعراق من ان يبني شراكة مع الولايات المتحدة الأميركية في مجال الإقتصاد وان يفعَّل تلك الشراكة ويضع تفاصيلها بالصيغة التي تخدم مصالحه...

لا يجوز رهن المصير العراقي لأي طرف كان... ولا أن يتحول مواطننا لإنسان تستلب هويته الحضارية والثقافية من قبل أية جهة.. لكن المصالح الإقتصادية لا هوية لها والتعاون التقني لا يفرض علينا نمطاً من الثقافة لا نريده.. وفي كل الأحوال ينبغي ان يملك العراق حق الأختيار في نمط التعاون الذي يريده... أياً ما تكن التوقعات حول دور الولايات المتحدة ومكانتها في المستقبل وبغض النظر عن الأزمة الإقتصادية الحالية التي تعصف بها وبالعالم، تبقى تلك الدولة في حسابات اليوم الأولى عالمياً بمعايير القوة الإقتصادية والسياسية وبأمكانها ان تفعل الكثير للعراق إذا قمنا نحن بأعطاء الشراكة مع الولايات المتحدة مضمونها السليم وأستطعنا ان نحصل من إتفاقنا معها على ما نريد.. نحن العراقيين نستطيع ان نحول إتفاقية الشراكة الإقتصادية والتقنية مع واشنطن إلى واقع حقيقي يفرض تأثيراته على إقتصادنا كما بأمكاننا أن نحيله الى إطار رمزي يفتقد إلى الفاعلية والمضمون...

التجربة الأميركية في بلادنا خلال السنوات الست الماضية لم تكن مشرقة تماما...ً والمشاريع التي يتحدث عنها الأمريكيون والتي نفذت في العراق لم يستشعر المواطن العراقي وجودها، وهنالك الكثير من المبالغات والإنفاق غير المبرر والمشاكل الفنية التي تحيط بتلك المشاريع ولعل ذلك راجع بشكل أساس إلى نقص الخبرة والمعرفة بالمجتمع والإنسان في هذا البلد والذي قاد إلى مثل هذه النتائج غير انه ينبغي أن نضع هذا كله وراء ظهورنا وان يدرك الأمريكيون انهم ارتكبوا أخطاء كبيرة في بلادنا ينبغي تصحيحها كما ينبغي إستيعاب دروس الماضي بشكل جيد وتجنب حدوثها في المستقبل.

هنالك تجارب لأمم حولت هزائمها العسكرية مع الولايات المتحدة إلى إنتصارات إقتصادية وتفوقت على الأمة التي انتصرت عليها عسكرياً في بعض المجالات، هذه اليابان وألمانيا وكوريا التي عقدت اميركا معها شراكات إقتصادية إستراتيجية تحولت إلى دول عملاقة وبنت إقتصادات ضخمة يشار لها بالبنان وأرست علاقة حضارية متطورة مع الدول التي انغمست في حروب معها وهذا درس لنا في العراق علينا ان ندركه مع أخذ الخصوصيات والفوارق بنظر الإعتبار.

الشعب العراقي لن ( يتأمرك ) ولن ينسى قيمه وعقائده وثقافته غير ان العراق.. الوطن والمواطن بحاجة إلى ان ينفتح على الدنيا كلها وان يأخذ من تجارب العالم المتحضر ومن حسنات التجربة الاميركية..نريد لنافذة العراق أن تشرع للرياح الصالحة من أي صوب جاءت لكننا لا نريد أبداً لهذه الرياح أن تقتلعنا من جذورنا... نحن البلد الأعرق حضارة والأعمق جذوراً بحسابات التاريخ... والولايات المتحدة -بحسابات- اليوم هي الاقوى والأغنى.. ونريد من خلال هذه الشراكة أن ننتج نموذجاً للمستقبل يجلب الخير لبلادنا ويمد مجتمعنا بدم جديد هو بأشد الحاجة له. نحن ورثة حضارة عربية إسلامية قاومت شتى أنواع الغزوات وقهرتها.. والعراقيون أمة عريقة.. راسخة يستندون إلى ميراث هو الأكثر ثراء ولذلك لا خوف علينا من شراكة نعقدها مع الولايات المتحدة نبني بها العراق وننفتح على حضارة الألفية الثالثة بكل إنجازاتها وعطاياها.

نرغب حقاً في إبرام عقد هذه الشراكة ولكننا نريد شريكاً يثبت لنا إخلاصه واحترامه وإلتزامه...نؤمن بصدق بجدوى هذه الشراكة ومنافعها غير ان جدية شركائنا ونزاهتهم شرط للنجاح...علينا ان نضع اليوم قبل الغد جدول أعمال هذه الشراكة الإقتصادية... وان نمتلك الرؤية التي تتيح لنا الإنتفاع بمزاياها... وعلينا أن نركز على الجوهر قبل المظهر.. وعلى المضامين والمتون قبل الحواشي..

نشر في مجلة الاوقات العراقية

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
نزار الكرادي
2009-01-13
يمكن النهوض في الاقتصاد من الداخل اولاً قبل الشراكة مع الاخرين .. وذلك عن طريق القضاء على الفساد الاداري داخل الوزارات .. الحفاظ على اموال البلد من السرقات .. شراكة الدول فيما بينها تفيد لانها غير معرضة للسلب والنهب من المسؤولين والموظفين
hameed ridha
2009-01-13
ثم ما لم نغرس في مجتمعنا مفاهيم الخلق السليم القويم بكل الطاقات المتوفره من مناهج فعاله ووعظ مؤثر ومتابعة المقصرين وتكريم المخلصين لا يمكن ان نتوقع الشريك نبيا من الصالحين فما حك ظهرك غير ظفرك ان المجتمع وياللاسف قاده عبر سنوات طوال من لم يمثل اوطأمتطلبات الاخلاص والفهم والخلق والاستقامه مما جعل مهمة اعادته للشيم والتضحيه واحترام المسؤوليات مهمة صعبه تحتاج لجهود مضنيه وصبر ولكن مالم نبدأالطريق لانصل لنهايته المتوخاةولكل هذا اعيد مااقترحته وأضنيت به اذان المسؤولين نحتاج وزارة الأخلاق والشيم؟
hameed ridha
2009-01-13
بسمه تعالى المقالة تستدعي تحليلا عميقا وافيا لماذا نريد من الشريك اخلاصا ووفاء والتزاما؟والدول تتبادل المصالح قبل المثل هل نضمن من كل مواطنينا الاخلاص وكثير منهم انغمسوا في الرشاوى وبيع الذمم وو والجيران صدروا لنا الفتاوى والمفجرين وو ان اليابان بعد ان افرغت من كل مقومات النهوض بعد الحرب الطاحنه لم تقم وتنهض بفعل اخلاص ووفاء الاخرين بل وكما حللها الخبراء قامت بما ابداه شعبها من استقامة واندفاع وتجرد وخلق للوطن والمواطن اننا ما لم نقوم مجتمعنا الاشم على كل معاني الاخلاص وحب الوطن وثم
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك