المقالات

مسلم شيعي اسود رئيساً للبيت الأمريكي الأبيض

2622 00:03:00 2009-01-25

بقلم: علي المؤمن

أردت من هذا العنوان مدخلاً لعدد من القراءات المتشابكة، التي لها علاقة بتأثير الشائعة في انهيار الدفاعات النفسية لدى الشعوب المقهورة، وأحلام هذه الشعوب في أن يكون المتسلط قد غيّر نفسه؛ أملاً في خروجها من ازمتها معه، وتكريس البسطاء لمناقب البطل؛ لأنها تريده دائماً فوق البشر، ومحاولة المقهورين (طائفياً أو قومياً ) أن يكون الحاكم منتمياً اليهم ؛ حتى وإن كان يتبرأ منهم في سلوكه، وغيرها من النزعات السيكولوجية التي يختزنها العقل الجمعي. وهي في جزء منها تحفيز من اللاشعور باتجاه تمني تغيير واقع الحال.

حين حقق اوباما فوزه الساحق على منافسه في انتخابات الرئاسة الامريكية، بدا وكأن الأمر انقلاباً على الواقع السياسي الامريكي؛ لأن باراك حسين اوباما هو سياسي معتدل، زنجي، من أصول اسلامية افريقية، وزوجته الزنجية تنتمي أيضاً الى الميول السياسية نفسها. أما منافسه الجمهوري فهو من المحافظين الجدد، أشقر، مسيحي اصولي، أمريكي الأصل والصورة، وهو لصيق بالايديولوجيا التي تأسست عليها الولايات المتحدة الامريكية. في حين ان بين اوباما وبين هذه الايديولوجيا مسافات من التاريخ والجغرافيا.. اذن هو انقلاب!، والنظام السياسي الأمريكي غيّر جلده وعقله! وراحت الشعوب المقهورة في منطقتنا تستحضر صورة البطل الاسطوري ورجاءها اللاشعوري في ان يكون اوباما مسلماً شيعياً.

شائعة الاصول الشيعية لأوباما انتشرت في العراق وايران والبحرين والمنطقة الشرقية في السعودية. وليس مهماً أن يكون الرجل من أصول شيعية أو سنية؛ لان هذا الموضوع لاأهمية له في نوعية الانقلاب. ولكن الثابت أن اسرته في كينيا سنية، ولكن جاءت شبهة شيعيته من كون أسم ابيه الأصلي "حسين"؛ وبناءً عليه تفتقت مخيلة صاحب موقع الكتروني شيعي عن هذا الحلم، وأعلن عن الأصول الشيعية للرجل؛ على اعتبار أن الشيعة يحبون كثيرا اسم "حسين" ؛ وهذا يذكر بما كان يردده بعضهم قبل أربعة عقود تقريباً، بأن الممثل المصري عباس فارس هو شيعي المذهب؛ لأن اسمه عباس! والامر نفسه مع جمال عبد الناصر؛ الذي كان متعاطفاً مع الشيعة؛ لأن زوجته تحية كازروني، هي شيعية من أصول عراقية ايرانية!، وكذا الحال مع عبد الكريم قاسم الذي كانت امه شيعية!. أما الرئيس الاذربيجاني حيدر علييف، فكان مصدر فخر الكثيرين؛ ولاسيما حين كان قيادياً في الحزب الشيوعي السوفياتي. وقبله كان هناك من يدافع بشراسة عن محمد رضا بهلوي؛ لأنه الملك الشيعي الوحيد؛ والذي يريد الخميني اسقاطه؛ ليسيطر الشيوعيون على مقاليد الدولة الشيعية الوحيدة في العالم!

لا نريد هنا أن نسقط في فخ نظرية المؤامرة؛ بالرغم من أن الولايات المتحدة الامريكية قام تاريخها ونشأت جغرافيتها وتأسس نظامها السياسي والاقتصادي والمالي والاعلامي، وسياستها الخارجية على التآمر. ولكن حين نستحضر الواقع؛ سنجد أن باراك اوباما يصر على مسيحيته ويفخر بها ولكن بطريقة متوازنة تقدَر له، وليس على طريقة بعض السياسيين الشيعة؛ الذين إذا ارادوا دفع تهمة الطائفية عنهم؛ فإنهم يتعاملون بانفعال وعدم توازن وضعف في الثقة بالنفس؛ فيصبحون سنة اكثر من اي حا كم سني؛ ويتنكرون لأي خصوصية شيعية . كما يفخر اوباما بأنه ينتمي الى النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للولايات المتحدة الامريكية، بكل أعرافها وبروتوكولاتها ومسارات تكوينها التاريخي والقانوني والجغرافي، وتعهد بالتمسك بكل ذلك.

ولا نريد ان نستطرد في هذا المجال؛ لأن لا احد يتوقع من اوباما معجزة وتغييراً جذرياً في سياسات واشنطن؛ فالرجل لم يقل ذلك. ربما سيتحرك بدأب في اطار المتغيرات؛ لمصلحة تحسين صورة الولايات المتحدة الامريكية. أما في الثوابت فانه يعلم انه لايستطيع تجاوز اي من الخطوط الحمراء؛ لأن من يحكم امريكا مؤسسات عريقة تستند الى ايديولوجيا تراكمية؛ تحميها بقوة احتكارات وجماعات ضغط ضاربة الجذور والسطوة؛ ولاسيما اللوبي اليهودي والمجموعات المالية والاقتصادية الكبرى والمنظمات الدينية والاجتماعية والسياسية.

واذا أردنا أن نقارن بين اوباما والنماذج الأكثر شبهاً، فان ميخائيل غورباتشوف، ومحمد خاتمي هم أفضل نموذجين للمقارنة؛ لأنهما حملا شعارات الاصلاح والتغيير في ظل نظامين سياسيين واجتماعيين قوية، وكانوا على رأس السلطة التنفيذية في دولتيهما وحسنوا صورة بلدانهم في الخارج. لاشك ان اوباما لا يمكن أن يكون نسخة من غورباتشوف؛ لأن غورباتشوف انتهى به مطاف التغيير الى تدمير الاتحاد السوفياتي. في حين ان اوباما لا يمتلك ظروف غورباتشوف ولا نظريته ولا أهدافه.

كما يختلف أوباما عن محمد خاتمي؛ لأن الأخير استطاع امتلاك حيز كبير من حرية التحرك؛ بسبب الظروف السياسية الداخلية التي خدمته وخدمها. وبالتالي أحدث خاتمي تحولاً ملحوظاً في المشهد السياسي والثقافي الايراني؛ بل كادت الامور تفلت من يديه، بعد أن تجاوزت بعض الجماعات الاصلاحية أهداف خاتمي ، باتجاه قلب النظام السياسي، الا ان وجود سلطة القائد الأعلى حال دون ذلك ، في حين لايمتلك اوباما الظروف التي خدمت خاتمي، فضلأً عن واقعيته التي تحد من طموحه في أحداث مثل التغيير الذي أحدثه خاتمي، ولو كان مؤقتاً.ويبقى اوباما نموذحاً متفرداً ربما؛ لأنه يعبر عن تغيير جذري في الشكل، وسيبقى هكذا حتى نهاية ولايته، أما المضمون والجوهر، فان التغيير عصيّ عليه. ولكن التغيير الشكلي هو ايضا يحظى بأهمية بالغة للولايات المتحدة نفسها؛ لأن اوباما بات المنقذ لسمعة امريكا وصورتها في الخارج؛ لأن امريكا قبل اوباما وصلت الى ادنى مستوى من المقبولية بين شعوب العالم؛ بسبب سياساتها الخارجية وتفردها في قرار العالم. وبمجرد دخول اوباما في المعركة على الترشح عن الحزب الديمقراطي ثم تفوقه على هيلاري كلنتون حتى اخذت شعبية امريكا ترتفع ببطء، وازدادت وتيرة الارتفاع بعد انتخابه رئيساً. أما الدعاية التي صاحبت تنصيبه رئيساً، ومشاهد التنصيب، والقرارات التي اتخذها خلال الايام الثلاثة الاولى، عملت بقوة على تحسين صورة امريكا من خلال صورة اوباما نفسه؛ الذي حولته المشاهد الدراماتيكية المتوالية الى بطل اسطوري؛ ولاسيما في اذهان جزء مهم من شعوب الدول النامية و الفقيرة، التي باتت تتخيل أن هذا الرجل خرج من بين صفوفها ليسيطر على الدولة الأكثر جبروتاً واستكباراً وغطرسة في العالم. وربما يكفي رؤية صور الفرح العفوية للناس في افريقيا وامريكا اللاتينية والعالم الاسلامي وآسيا وهم يتابعون مشاهد فوز اوباما وتنصيبه. طبعاً هذا بالمقارنة مع مشاهد الكراهية العفوية ايضاً لسلوكيات جورج بوش الإبن وتحركاته.

وهنا تكون الولايات المتحدة الامريكية ومن يرسم استراتيجيتها قد حققت عبر وصول اوباما الى سدة الرئاسة أعظم انجاز لها في انقاذ سمعتها، منذ انتخاب جون كيندي رئيسا لامريكا وحتى الآن. وهذا المطلوب بكل المعايير الامريكية. وهو (ضربة معلم) حسب التعبير الدارج. تأثيرات صورة (اوباما الرئيس) في لاشعور الشعوب المقهورة هو تأثير في غاية التركيز. فهذه الشعوب التي ارهقتها بشدة سياسات واشنطن؛ رأت في اوباما المخرج من مأزق الصراع مع امريكا، حتى لو كان ذلك امنية وحلماً. فهي تريد أن تصدق ما تحلم به أو تتمناه وتشيعه بنفسها أو تختلقه بشأن قدرة هذا الرجل الاسود ذو الاصول المسلمة الافريقية المستضعفة على اختراق الدفاعات الامريكية الصليبية البيضاء المستكبرة. وهي محاولة من العقل الباطن للانسان المقهور لخلق منقبة للمتسلط ليسوغ لنفسه التصالح معه وتبرير سلوكياته؛ بدافع التخلص من ضغط الصراع مع المتسلط.لاشك ان اوباما سيتحرك بقوة في دائرة المتغيرات؛ وربما يكون كثيراً من هذا التحرك ايجابياً لمنطقتنا وشعوبنا. ومن هنا فإن التفاعل المتوازن لشعوبنا المقهورة مع هذا الاثرالايجابي المحتمل سيكون مهماً في تحقيق انجازات نسبية على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
ابو مسلم
2009-01-25
الاخ علي المؤمن ليس شيعة علي اغبياء يتصورون ان هذا المرتد عن الاسلام هو شيعي ثانيا ان اوباما رغم انة رئيس الولايات المتحدة هو دمية تحركوة الصهيونية العالمية والمافية الرئسمالية وان اي تغير بالسياسة الامريكية سوا سياسة قهر الشعوب ان الولايات المتحدة تضغط على ايران رغم ان ايران ليس لها اسلحة نووية وان غباء ايران لم تقول للعالم اني اريد اصنع اسلحة نووية للدفاع عن بلدي من التهديد الامريكي واسرائيل يجب لدية ردع كامل لان امريكا دولة مارقة احتلت دولتين دون لدى المجرم صدام اسلحة محرمة
الدكتور شريف العراقي
2009-01-25
للعلم ان اكثر من نصف السود الامريكيين أصلهم مسلمين لان كثير منهم قدم من السنغال وهي مركز تجارة العبيد ومالي ونيجيريا وهي دول مسلمة على الغالب ولكن تغير دينهم فيما بعد
السيد علي الحسيني
2009-01-25
هل قال لهم ان السيد الخميني على خطأ عندما اسس دولة اسلامية نفتخر بها انا وانت , ام قال لهم ان الاسلام على خطأ لانه لانه لا يسمح بالتبرج والمحافظة على الناموس , ام اراد ان تكون دولة علمانية بغطاء اسلامي , ارجو من وكالة انباء براثا عدم نشر هكذا مقالات لانها تضر بسمعة الوكالة لان صبغتها اسلامية وشيعية وهذا ما نفتخر به وننفرد به عن كل العالم باننا أولاد محمد صلى الله عليه وآله واولاد علي عليه السلام حيث قال الرسول صلى الله عليه واله للامام علي عليه السلام : يا علي أنا وانت أبوا هذه الامة , والسلام
السيد علي الحسيني
2009-01-25
( واذا أردنا أن نقارن بين اوباما والنماذج الأكثر شبهاً، فان ميخائيل غورباتشوف، ومحمد خاتمي هم أفضل نموذجين للمقارنة؛ لأنهما حملا شعارات الاصلاح والتغيير في ظل نظامين سياسيين واجتماعيين قوية، وكانوا على رأس السلطة التنفيذية في دولتيهما وحسنوا صورة بلدانهم في الخارج. ) هل ان خاتمي قد حسن صورة بلاده في الخارج , وهل كانت صورة بلاده مهزوزة في الخارج حتى حسنها , صورة بلاده غير مقبولة من الاخرين لانهم من الشيعة , فما الذي قاله خاتمي للغرب حتى اصبح مقبولاً ؟
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك