المقالات

المارقون الذين عالجهم الأمير

1394 10:17:00 2009-01-30

بقلم: حسن الهاشمي

 كثيرة هي الحركات التي تعمل باسم الإسلام والمذهب، والدين والإنسانية من أعمالها براء، ومن منطلق المقولة (أعرف الحق تعرف أهله) نميّز أهل الحق من خلال أعمالهم عند تطابقها الأحكام الإلهية التي تأخذ بيد الإنسان إلى معارج الكمال وتكون نفس المحق منه في عناء والآخرين منه في راحة، وأهل الباطل الذين ينساقون وراء أهواءهم ونزواتهم ومصالحهم الشخصية لا يطفح منهم سوى المكائد والوقيعة والعداوة والبغضاء بين الناس، أولئك هم شر البرية قد ابتلينا وما زلنا بهم فهم أهل الغواية والضلالة والرذيلة، وطالما ألبسوا الحق بالباطل وأخذوا يتصيدون بالماء العكر لاصطياد السذج من الناس، وها هو التاريخ ينقل لنا حركة الخوارج في معركة النهروان وهي إحدى الوقائع التي جرت بين الإمام علي (ع) والخوارج في التاسع من صفر سنة 38 هـ، والنهروان موقع بين بغداد وحلوان.والخوارج هم الذين أنكروا التحكيم الذي وقع بعد معركة صفيّن وقالوا: لا حكم إلاّ لله، مع العلم أنهم هم الذين أصّروا على التحكيم بادئ الأمر مع أن أمير المؤمنين (ع) قال لهم إنها حيلة، فلم يقبلوا وأجبروه على التحكيم، ثم أنكروه، وخرجوا على الإمام علي (ع) وسمّوا بالخوارج.بعد أن رفع الخوارج شعاراتهم تلك، حاورهم أمير المؤمنين (ع) بالتي هي أحسن وفنّد معتقداتهم وآرائهم، إلاّ أنّهم لم يصغوا إلى توجيهات أمير المؤمنين واستمروا في غيّهم، وتعاظم خطرهم بعد انضمام أعداد جديدة لمعسكرهم، وراحوا يعلنون القول بشرك المنتمين إلى معسكر الإمام (ع)، بالإضافة إلى الإمام (ع) ورأوا استباحة دمهم.كان أمير المؤمنين (ع) عازماً على عدم التعرّض لهم ابتداء ليمنحهم فرصة التفكير جدياً بما أقدموا عليه عسى أن يعودوا إلى الرأي السديد، غير أنّهم بدأوا يشكلوّن خطراً حقيقياً على دولة الإمام (ع)، وبدأ خطرهم يتعاظم فقتلوا بعض الأبرياء، وهددوا الآمنين، فلما بلغ أمرهم أمير المؤمنين (ع) أرسل إليهم عدداً من أصحابه، تباعاً، ليحاوروهم ويعيدوهم إلى جادة الصواب، غير أن ذلك لم يجدِ نفعاً، بل على العكس فإنهم قتلوا بعض أولئك الصحابة. بعد ذلك بدأ جماعة من الخوارج الهجوم على جيش أمير المؤمنين (ع) فأمر أصحابه بالكف عنهم حتى يبدأوا القتال، فلما بدأ الخوارج القتال طوقتهم قوات الإمام (ع) وتحقق الظفر لراية الحق بعد قتال طويل ضار.وهكذا قضى أمير المؤمنين (ع) في حرب النهروان على الذين سبق لرسول الله (ص) أن سمّاهم بالمارقين وحذّر منهم... نستلهم من هذه الواقعة كيفية مواجهة الأفكار الضالة المضلة بالفكر الرصين والحجة البالغة، وفي حالة عدم جدوائية المعالجات الفكرية فإن النوبة تصل إلى المعالجات العسكرية وينبغي أن يكون اللجوء إليها كاللجوء إلى الميتة في المضطر إليها تقدر بقدرها لئلا تستشري حالات الضلالة والإغواء في المجتمع، وغالبا ما تعشعش تلك الأفكار في مراتع الجهل والتخلف والفقر، وعلى كل من يريد معالجة الأفكار الهدامة عليه أن يجتث الطحالب الضارة التي تنمو فيها، لكي يكون الزرع مجديا وما يصدر منه لذة للمنتفعين.وفي عصرنا الحاضر يتأرجح الناس بين الدعوات الصادقة والكاذبة، والتمييز بينها لا يحتاج إلى مزيد من الدراية والفهم والذكاء، فالمرء مخبوء تحت لسانه وهو معروف من خلال أقواله وأفعاله وتحركاته وتصرفاته، فالثابت على المواقف والذي لا يصدر عنه سوى الدعوة إلى الوحدة والألفة ونبذ التفرقة والتناحر والاصطراع الطائفي والقومي والحزبي تنبأ هذه الأمور عن التقوى والإيمان والورع التي تلف صاحبها وهو جدير بالاقتفاء والمتابعة واتخاذه أنموذجا حيا يقتدى به في الخير والفلاح وهو المصداق لأئمة الخير والهدى، أما الذي يدعو للطائفية والحقد والإحن وبث روح العداوة والبغضاء بين الناس، فهو من أهل الضلالة والإغواء وهو من أحابيل الشيطان يحاول سحب الناس إلى شراكه بعناوين ربما تكون إسلامية ولكنها خادعة، إذ أن سلوكياتها غالبا ما تكون متناقضة لما يدعو به من شعارات جميلة ولكنها خاوية من المحتوى والمضمون. وغالبا ما يلجأ إلى هذه الطرق الملتوية أهل الدنيا، وأبسط الطرق لإغواء الناس هي الدخول إليهم من خلال الشعارات الإسلامية لأنها موافقة لفطرة الإنسان وسرعانما تجد لها صدى في صفوف الهمج الرعاع أو أولئك الذين في قلوبهم مرض، والحصيف هو الذي يميز بين الدعوات الصادقة التي تجلب إلى المجتمع الخير والرفاه والدعوات الكاذبة التي تحمل السم الزعاف بأغلفة ناعمة وجميلة وبالتالي تحمل بين طياتها موجبات الهدم والدمار لأجندات شخصية وداخلية وخارجية، لا يهمها شيء سوى الوقيعة بين الناس لحجب الخير عنهم وإبقاء الثروة والجاه في ساحات أسيادهم الذين يتحركون بأدوات تارة تتجلى بالمهدوية وأخرى بالربانية وثالثة بالإصلاحية ورابعة بمقارعة المحتل وهكذا فإن جميعها تتحرك بعناوين جميلة وهي في حقيقتها (كلمات حق يراد بها باطل) وطالما تحمل أفكارا هدامة وأجندات فتاكة تحاول وبشتى الوسائل الوصول إلى مبتغاها حتى إذا حصدت آلاف البشر وأحرقت الأخضر واليابس، لا يهمها ذلك بشيء بقدر ما يهمها مصالحها وميولها ونزعاتها المريبة.ولا يخفى على كل ذي لب أن المارقين لم ولن ينتهوا في زمن الرسول الأعظم أو زمن الإمام علي عليه السلام، بل أنهم موجودون في كل زمان ومكان، ولابد من معالجتهم معالجة علمية مدروسة من خلال بث الوعي والثقافة الرصينة بين الجماهير ليتسنى لها تمييز الغث من السمين والصالح من الطالح والسليم من السقيم، ويكون الميل إزاء المواقف لا المواقع والجواهر لا القشور، ويكون انجذابها للحق وأهله بعيدا عن الأسماء والعمائم واللحى المزيفة التي طالما يلجأ إليها الدجالون والخوارج الذين لا يألون جهدا إلا وبذلوه للإيقاع بالحق والمبادئ والأحكام الإلهية وكلما سنحت لهم الفرصة لبث روح الجهل والتفرقة والدمار بين أبناء المجتمع الواحد تراهم يقفون بالصف الأول لإثارة الفتنة وطمس موجبات الهدى. ولا تزال المواجهة الفكرية قائمة بين أتباع الحق وأتباع الباطل وهي مواجهة بين الفضيلة والرذيلة بين العدالة والظلم بين التكامل والتسافل بين التطور والتخلف، ويبقى لكل جنوده وأنصاره ومؤيديه حتى يمن الله على المؤمنين بالنصر والغلبة وحتى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين، ويبقى الأمير والحكيم هو الذي يعالج المارقين والخارجين عن الحق بالتوعية والهداية أولا وبالذات وبالاستئصال ثانيا وبالعرض.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
المهندس وصفي المالكي
2009-01-31
اخي الفاضل وصلت الى مكان الحقيقه ولكن للاسف انتقلت الى مكان آخر مجهول العنوان!!!تعال نتعاون مع الآخرين لنرفع كابوس الجهل والفقر من مجتمعنا ثم اطلب ما تريد ستجد من يلبيك ويقهمك ف(بدلا من لعن الظلام!!!!! لنشعل شمعه)بأفكارنا وتصوراتنا ولنجعل من هذه الصفحه مكان لتلاقح الافكار وان كانت على ورق!فأنها لاتخلو من فائده عظيمه \ ارجوكم ايها المغتربين اتحفونا بأفكاركم التي وجدتموها في بلدانكم الجديده لعلكم تساهمون معنا لاخذ المجتمع العراقي للرقي من خلال تأسيس منضمات مجتمع مدني تعالج المظاهر الدخيله \ارجوكم!
Zaid Mughir
2009-01-31
اخي الفاضل حسن .أنا معك في هذا الموضوع القيم , أشرت الى الوعي وهو اهم ما في الموضوع ,,الجيل الجديد الذي في المدارس الابتدائية يجب أن يأخذ حصة الأسد عن طريق توفير المعلم المؤهل لتربيتهم والمنهج الحضاري والحركة الكشفية على أن توفد مئات من كل محافظة الى الدول المنتقدمة تكنلوجيا وحضاريا كي نرسم في اذهانهم مستقبل يصنعوه بأنفسهم للجيل الذي سيليهم والله الموفق وبارك الله بك أخي
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك