المقالات

النظام السعودي : نوازع استبداد وسلب لحريات المواطنين الأساسية

1649 17:28:00 2009-02-03

بقلم : السيد عامر الحسني

وقف تشرشل فاغراً فاه وسط مدينة لندن بعد غارات متعاقبة لطائرات ألمانية استمرت ثلاثة أيام كانت هي الأقسى من نوعها في الحرب العالمية الثانية بحيث جعلته متأثراً جداً لم يشاهد قبلها مثل هذا المنظر وخاطب مرافقيه قائلاً : إن ما ترونه من دمار هو ثمرة استبداد قادة متهورين , ودول المحور هي المسؤولة عن تمادي أولئك المتهورين في طغيانهم وذلك حينما غضت الطرف عن تجاوزاتهم أول الأمر فكانت كارثة في آخره .) [1]

كان تشرشل يشير بطبيعة الحال إلى هتلر الذي أستغل انشغال أوربا بمغانم الحرب الكونية الأولى وسكوتها عنه فكانت نتيجته زلزالاً مدمراً ضرب العالم بأسره اسمه الحرب العالمية الثانية والتي ما كان لها أن تقع لولا صمت دول أوربا على استبداد ودكتاتورية الرايخ الثالث , وكذلك صمت الأمة الجرمانية على تجاوزاته على حرياتهم المدنية .

تجمع الأنظمة القمعية والاستبدادية في العالم على أساليب متفق عليها وهي قمع الحريات الأساسية للمواطنين وعلى اختلاف مشاربهم ولدى هذه الأنظمة مبررات لهذا القمع , الا وهي الخشية من صعود معارضة شعبية بإمكانها تقويض سلطة النظام.

ومن الطبيعي أن تصنف أنظمة الحكم الملكية ضمن مجموعة الأنظمة الاستبدادية والتي لا يمكن لها أن تفكر في إيجاد نظام ديمقراطي أو حكم ملكي دستوري ، وإن وجد في بعض أنظمة الحكم الملكية فأنه يكون ذا طابع شكلي لأنه يناقض مبدأ الديمقراطية الذي يدعو إلى حكم الشعب من خلال صناديق الاقتراع لاختيار حاكم مناسب وهذا ما يتعارض كلياً مع طبيعة الملكية.

وبالرغم من وجود أنظمة حكم جمهورية قد رفضت الملكية منذ فترة طويلة إلا أن طبيعة حكمها لا تختلف كلياً عن طبيعة الملكية ولكن باختلاف بسيط جداً وهو ان الحكم فيه يتولاه رئيس دولة يأتي عن طريق انقلاب عسكري ويبقى في سدة الحكم إلى حين وفاته أو يقوض حكمه بانقلاب عسكري آخر. كما يتولى المراكز الحساسة في الدولة أبناءه وإخوته وأبناء قبيلته وفي الخط الأخير أصدقائه وأعضاء الحزب الذي ينتمي إليه.

ويكاد يكون هذا هو النظام المتبع في جميع أنحاء العالم. ما عدا دول أوروبا وأمريكا وبعض الدول الآسيوية القليلة جداً.

وتبدو الطبيعة الشيفونية والاستبدادية لهذا النوع من الحكم واضحة جداً في الأنظمة الحاكمة للدول العربية الملكية منها والجمهورية، وفي حقيقة الأمر فإن هذه الأنظمة ما كان لها أن تستمر لولا الدعم الذي تتلقاه من الدول الغربية أو من الولايات المتحدة الأمريكية التي تقرر بقاء أو زوال هذه الأنظمة وحسب المصلحة الستراتيجية , وتتميز هذه الأنظمة بعدم قدرتها على الخروج عن فلك السياسة الأمريكية وعدم القدرة أيضاً على مجابهة رغبات الولايات المتحدة.

الأنظمة العربية وبالخصوص النظام السعودي تصنف ضمن قائمة الدول الحاضنة للإرهاب الحكومي وتتميز بكثرة الأجهزة الأمنية التي شكلت للحد من سلوك الأفراد ضمن سياق التمتع بالحريات الأساسية والتي كفلتها لهم الأديان والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي سنها المجتمع الدولي للحد من تجاوز الأنظمة الحاكمة على شعوبها، والذي وضع شرطاً أخلاقياً على هذه الأنظمة في حالة رغبتها بدخول المجتمع الدولي , وهو التوقيع والانضمام إلى هذه الاتفاقيات الدولية. وأول اتفاقية دولية شرعت لتعريف الحكومات بمسؤولياتها تجاه شعوبها كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

فشبه الجزيرة العربية تحكمها أسرة آل سعود منذ عام 1932 حيث سيطرت على الحكم بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة , ويعتبر النظام السعودي الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، لا بل من أفضل الحلفاء لما تتمتع به شبه الجزيرة العربية من موقع ستراتيجي يخدم السياسات العدوانية للولايات المتحدة بالإضافة إلى كونها أفضل منتج للنفط في العالم.

ويصنف نظام الحكم في شبه الجزيرة العربية ضمن الأنظمة المستبدة والدكتاتورية في العالم.

بالرغم من الشراكة الستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام السعودي والذي يصنف ضمن أفضل حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط ، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية لم تتوان بانتقاد سجل النظام السعودي لحقوق الإنسان وعدم التزامه بحماية وتوفير حقوق المواطنين في شبه الجزيرة العربية وبالخصوص منهم الطائفة الشيعية وسلب حرياتهم الأساسية وخاصة منها حرية الدين والعبادة الشخصية.

فقد دأبت وزارة الخارجية الأمريكية وعلى مدى السنوات الماضية بطرح قضية الحريات الأساسية في تقاريرها السنوية التي تصدرها في تقييم وضع حقوق الإنسان في العالم ومنها انتهاكات حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربية التي تتربع على عرش سلطتها عائلة آل سعود.

ففي التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية لعام 2008 الخاص بالنظام السعودي وفي باب (احترام الحريات المدنية) وردت هذه العبارة: " يكفل القانون الأساسي للحكم حرية التعبير وحرية الصحافة والحكومة عموماً لا تحترم هذه الحقوق في التطبيق العملي ". [2]

إنّ الاستشهاد بتقرير وزارة الخارجية لا يعني إعطاء مصداقية للولايات المتحدة في تقييمها لأوضاع حقوق الإنسان في العالم، وإنما كون معلوماتها عن انتهاكات حقوق الإنسان وعدم احترام النظام السعودي لحريات مواطنيه هي معلومات لا يشوبها الشك بالرغم من عدم شموليتها باعتبار أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تورد معلومات خاطئة تنال بها من حليفتها (السعودية) , كما أنها تتوخى الحرص في توثيق معلوماتها وعدم تعريض سمعة حليفتها للطعن، إلا أن همجية النظام السعودي وعدم مبالاته بارتكاب انتهاكات صريحة ومنهجية ضد مواطنيه جعلت من أسياده يتعرضون بالنقد الصريح لسلوكه الذي أُريد منه أن يتماشى مع المعايير المقبولة دولياً لحقوق الإنسان حتى يمنح ورقة دخول إلى المنظومة الدولية التي تترأسها الولايات المتحدة .

كما تم تصنيف النظام من ضمن الدول ( المثيرة للقلق بشكل خاص ) ولعدة سنوات ومن ضمن الفئة الثالثة في تقارير الحرية الدينية. فقد ورد في توصيات تقرير الحريات الدينية لعام 2007 الذي تصدره اللجنة الأمريكية لحرية الأديان الدولية ما يلي :

" على الحكومة الأمريكية أن تستمر في الضغط على الحكومة السعودية من أجل التقيد بمعايير حقوق الإنسان الدولية بما فيها الحرية لكل فرد في " إظهار دينه أو معتقده في العبادة والممارسة والتعليم" والتخلي عن أسلوب الإكراه في مسائل الدين أو المعتقد." [3]

مذكرات وعرائض مقدمة لرئيس النظام :

بسبب وطأة النظام السعودي الحاكم وأجهزته القمعية أصبح مواطنو شبه الجزيرة العربية أسارى لدى النظام بالإضافة إلى مناخ الرعب والخوف وسياسة القمع فقد استطاع النظام تحييد أعداد كبيرة من المواطنين وجعلها تحجم عن المطالبة بحقوقها فضلاً عن جهلها بحقوقها وما عليها تجاه النظام وما لها.

لقد حاول البعض من النخبة المثقفة ومن علماء الدين من السنة والشيعة إلقاء الضوء على محنة حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربية وما يعانيه شعب الجزيرة من إنكار لحقوقه الأساسية، واعتراضاً على فقدان الحريات الأساسية في نظام يعيش داخل أسوار حديدية فقاموا بتقديم مذكرات وعرائض للنظام السعودي تلتمس فك الطوق عن حرياتهم التي كفلتها لهم القوانين والأعراف الدولية مستغلين ظروفاً فرضتها وحسب تقديراتهم أحداث سياسية جرت في التسعينات من القرن الماضي نتيجة اجتياح النظام العراقي للكويت في عهد صدام حسين , وبروز التيار السلفي المعارض للنظام السعودي نتيجة تواجد القوات الأمريكية على أرض شبه الجزيرة العربية والمطالب بإصلاحات سياسية حيث كان الاعتقاد السائد حينها بأن النظام سوف يستجيب لها، فاتفقت كلمة الجميع على أيجاد آلية يمكن من خلالها إيصال أصواتهم إلى الحاكم معتمدين ولو وهماً على وعود كاذبة كانت مسطرة على الورق تشير وبصورة نفاقية الى مسؤولية النظام بالمحافظة على حقوق المواطنين وحماية حرياتهم الأساسية. إلا ان تقديرات المطالبين بالإصلاحات جاءت في غير محلها , حيث ان النظام يمسك بقبضة حديدية على الحكم ويرفض أي محاولة لفتح ثغرة في نظامه السياسي بالرغم من الضغوط الدولية التي مورست عليه في هذا المجال.

لقد شاب هذه العرائض الأسلوب الرخو الذي كتبت فيه والذي هو أقرب إلى أسلوب الالتماس منه الى أسلوب الاحتجاج في المطالبة بحقوق مشروعة قد اغتصبها النظام، كما أن جميع عرائض الالتماس تلك اشتركت في صفة واحدة وهي عجزها عن التطرق إلى حق تغيير الحكومة مما جعلها تبدو باهتة في طروحاتها , كما شجعت النظام على التعامل معها بأسلوب جاف وقاسي لشعوره بعدم قدرة مقدميها بتشكيل صورة واضحة عن طبيعة الصراع الذي تمارسه.

كما ان معظمها لا تنشد التغيير الجذري لنظام الحكم القائم والذي هو أساس الاستبداد وحجر العثرة أمام التغيير الدستوري , فأصبحت صور باهتة لا تعرف كيف تعالج الأزمة وتعتقد إن من أسهل الطرق للحصول على الإصلاح السياسي هو أخذه سلمياً من النظام . كما ان النظرة الفوقية لدى شخصيات الإصلاح وفشلها بمخاطبة الطبقات الدنيا من المجتمع حيث وسمت نفسها بالشخصيات المثقفة , إضافة إلى عدم وجود تعاون مابين هذه الشخصيات والتي لا زالت تعيش في دوامة الطائفية وبدون أن تعلم , بالإضافة الى عدم الثقة والخوف من الشريك والذي يبرره الاختلاف العقائدي والمهني , جميع هذه الأسباب قد ولدت شرخا في بنية الإصلاح استطاع النظام ان يستغله.

كما لم تعهد الإجراءات المتخذة بحق الموقعين عليها أسلوب العنف والقسوة التي اعتاد النظام في استخدامه مع مناوئيه على اعتبار أنها لا تشكل مصدر قلق أو تحريكاً لمشاعر الشعب لأنها فاقدة للتوازن والتكافؤ والامتداد الشعبي ، فصدرت أحكام بالسجن على بعض الشخصيات التي شاركت في كتابة تلك العرائض وكانت أحكاماً مخففة قياساً إلى الأحكام التي صدرت بحق من عرف حقيقة النظام وطالبوا بتغيير النظام من جذوره باعتباره نظام غير شرعي واستبدادي أقام حكمه التسلطي بتحالف مشبوه مع قبائل همجية أسالت الكثير من دماء مواطني الجزيرة العربية حتى أوصلت بيت آل سعود إلى الحكم.

كما بقيت هذه العرائض والمذكرات تتداول في حيز ضيق جداً لم تستوعب شرائح كبيرة من المجتمع حيث كانت مقتصرة على علماء دين يعتقدون بأن الحل والعقد بيدهم أو لدى نخبة مثقفة طالبت بإصلاح بعض مواد النظام الأساسي للحكم وعدم جرئتها على طرح موضوع طبيعة النظام الحاكم وشرعيته وكفاءته ، وأطلقت وسائل الإعلام على هذه النخبة أسماء ومصطلحات عديدة منها الاصلاحيون أو ناشطو حقوق الإنسان في الوقت الذي تركزت فيه أطروحاتهم على إصلاح بنية مجلس الشورى والانتخابات وقضايا المرأة والتي أصبحت الشاغل المهم لدى تلك النخبة المثقفة متناسين الأعداد الكبيرة من معتقلي الرأي والضمير الذين تضج بهم سجون ومعتقلات النظام السرية.

لقد ورد مصطلح المشروع الإصلاحي في العديد من أدبيات الإصلاحيين , إلا أن مفهوم هذا المصطلح لازال غامضاً بعض الشئ بالإضافة إلى عدم شموليته , واقتصاره على المطالبة بانجازات سهلة جداً لا ترقى إلى مستوى الصورة الإعلامية التي رسمت عنه , كما لا ترقى الى مستوى المعارضة السياسية لنظام عرف بالقسوة مع معارضيه .

ففي ابريل عام 2007 بعث 99 مواطناً يعدون أنفسهم من الإصلاحيين بياناً إلى رأس النظام السعودي عبد الله والذي يطلق عليه الإعلام المتزلف بـ ( العاهل السعودي ) طالبوا فيه بإنشاء ملكية دستورية في شبه الجزيرة العربية والتي غالباً ما يطلقون عليها (السعودية) اصطلاحاً ويريدون من هذه الملكية ان ترتكز على دستور إسلامي . وكانت نتيجة ذلك اعتقال حتى من اقترح تدوين اسمه ضمن الموقعين على البيان قبل علمه بذلك والحكم عليهم بالمنع من السفر بعد خروجهم من المعتقل .

وقال احد الموقعين على البيان وهو الكاتب محمد بن حديجان الحربي « نعتقد أن الملك عبد الله من أبرز المدافعين عن الإصلاح في السعودية » وإن« مطالبنا تؤكد شرعية الأسرة الحاكمة الكريمة وتقترح تحركات شعبية وسلمية لتأسيس دولة حديثة مبنيّة على الدستور الإسلامي ». [4]

إنّ نمط السياسة الاستبدادية الذي يسير عليه النظام السعودي وطريقة تعامله مع الأحداث والمناخ السياسي الذي تتفاعل فيه أدوات الحكم نتيجة عدم قدرة المجتمع على فتح تلك الثغرة ولعدم نضوج المشروع الإصلاحي لدى الأفراد الذين يتبنون مثل هكذا مشاريع والنظرة القاصرة وعدم فهم طبيعة الخصم الذي يتم التعامل معه , والاختلاف البيئي والمذهبي لشعب الجزيرة العربية جعل من الصعب وضع مفردات المعارضة للنظام السياسي الحاكم في سجل واحد يمكن الرجوع إليه وجعله مرجعية واحدة لضبط وتصحيح تلك المفردات , مما جعل من السهولة اختراق وسحق أي محاولة لاختراق أسوار النظام , ومن الأسباب الأخرى هو تباين الآراء لدى أفراد المجتمع تجاه طبيعة النظام الدينية التي خلقها حول نفسه والنظرة الخرافية لدى البعض تجاه الصورة الدينية الوهمية حول النظام والخوف من عصيان ولي الأمر وأن كان مخالفاً للشريعة.

كما أن المرجعية الدينية لدى الشق الأكبر من المجتمع والتي لا بديل لها والتي تؤيد النظام وتضفي عليه الصبغة الشرعية جعلت من هذا الشق مختلفاً في حساباته تجاه اتهام النظام السياسي بخرق قوانين الشريعة وجعل ذلك سلاحاً آخر تجاه المعارضين والمطالبين بحرياتهم الأساسية .

لقد كان هناك خوف لدى الشريحة الكبرى من المجتمع من فتح جبهة معارضة للنظام ربما تستغل من بعض الاطياف الاخرى من المجتمع والتي تختلف معه مذهبياً فارتأى أن يصبر على القليل من انتهاك حرياته خوفاً من فقدانها نهائياً واستئثار الطرف الآخر والذي يعتبره حسب رأيه متربصاً لأخذ الكعكة.

إنّ الإحساس بالضعف وعدم القدرة على إدارة الحكم من قبل الأفراد الذين تبنوا طريق الإصلاح أو خط المعارضة والتفكير القاصر بعدم القدرة على لم شمل تجمع يمتاز بكثرة الفوارق العقائدية والمعيشية والبيئية هذه الأمور جعلت من الأصوات المعارضة والمطالبة بالحريات قليلة جداً وجعل من السهولة احتوائها على قدر بساطة طروحاتها السياسية. ولقد اكتفى البعض بالمطالبة بحقوق مشروعة مقبولة دولياً وإقليمياً واجتماعياً لا تمس النظام السياسي ولا تشكل تهديداً معتدأً به للسلطة، حيث كان يشعر المنتمون لهذا الخط بهيمنة السلطة وتأثيرها المباشر في حياتهم إلا أنهم وبعجزهم ومعرفتهم بعدم وجود القدرة للتأثير بصورة مباشرة في النمط السياسي المتبع من قبل النظام قبلوا بمعارضة ذات مطالب هابطة .

إنّ من افرازات النظام الملكي الوراثي الديكتاتوري هو خنق الحريات الأساسية وذلك لجعل المجتمع يعيش في حلقة ضيقة تبعده عن فكرة المشاركة في القرار السياسي حيث تطغي صفة الاستبداد وعدم الرغبة في إشراك أعضاء المجتمع الآخرين والذين لا يرتبطون بصلة قرابة بالعائلة المالكة ويعتبرون في نظر النظام قاصرين وعاجزين عن أية مشاركة سياسية , أو أجانب لا يدينون بالولاء للوطن , وغالباً ما ينظر لأفراد الطائفة الشيعية على أنهم غرباء في هذا الوطن .

ففي عام 1990 ، أرسلت إحدى لجان الأمم المتحدة المعنية بالتمييز وعدم التسامح القائمين على المعتقدات الدينية استفساراً للنظام السعودي حول التمييز الذي يتعرض له المواطنون الشيعة في شبه الجزيرة العربية من تمييز قائم على أساس المذهب وكذلك تعرضهم لاعتقالات عشوائية , فرد النظام على ذلك الاستفسار بما يلي :

" لا أحد مجبر على العيش والعمل في السعودية برغم إرادته. وإذا كان كارهاً لقوانينها وضوابطها فعليه ان لا يختارها للعيش فيها." [5]

أي منطق هذا ؟

ولأجل تدمير البنية الأساسية للمجتمع والقائمة على التمتع الشرعي بالحريات المكفولة قانوناً وضع النظام نصب عينيه الحريات الاساسية وكيفية التضييق عليها وتقييدها , فبدأ بخطة معروفة وغير مبتكرة ومستخدمة من جميع الانظمة الاستبدادية وهي زج المخالفين لقوانينه وانظمته القمعية بالسجون والمعتقلات .

وأول هذه الحريات التي تعرضت للخنق والتي تعتبر حجر الأساس للحريات الأخرى هي حرية الدين التي أكدت عليها التشريعات الدينية والقوانين الوضعية . فالنظام يصرح بان دستوره هو القرآن والسنة الشريفة وقد جاء في القرآن الكريم (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [6]

كما ان المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت على أن :

( لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده. ) [7]

وهي تكفل لجميع أفراد المجتمع البشري حق التمتع بحرية الدين وإقامة الشعائر الدينية التي هي من مستلزمات عقيدته ودينه ، كما صرح النظام ذلك بنفسه في قانونه الأساسي للحكم في المادة السابعة التي تنص على ان :

" يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة ".

إلا أن النظام السعودي لم يلزم نفسه بتطبيقها حيث عرض شرائح كبيرة من مجتمعه لعقوبات واضطهاد وتمييز قائم على أساس طائفي ومذهبي ولسبب بسيط وهو عدم تطابق عقائدهم مع الآراء المطروحة والتي يتبناها النظام، فقام بوضع قيود قاسية على الشيعة في ممارسة شعائرهم الدينية حيث لا يسمح لهم بالاحتفال بالمناسبات الدينية مثل مواليد الأئمة عليهم السلام أو إظهار مظاهر الحزن في المناسبات الحزينة مثل عاشوراء في شهر محرم إلا في نطاق ضيق ومحدود وفي المنطقة الشرقية من البلاد فقط كما يمنع تداول الكتب الدينية الشيعية وطباعتها واستيرادها إضافة إلى الإيعاز إلى رجال الدين المنضوين تحت المذهب الذي يتبناه النظام بالتحريض على أتباع المذهب الشيعي وتشويه الصورة الحقيقية لمذهبهم.

فيقوم عدد من رجال المؤسسة الدينية التابعة للنظام السعودي بإصدار فتاوى تنال من المذهب الشيعي ومن عقائده وتصف الشيعة بالكفار والمرتدين.

ففي أحد البيانات الصادرة في شهر يونيو 2008 من المؤسسة الدينية وكان بعنوان " اعرفوهم واحذروهم " يتجنى فيه رجال دين النظام على المذهب الشيعي ويصف الشيعة بالمشركين : (والشيعة الروافض هم الذين أحدثوا في الأمة شرك القبور فبنوا على قبور أئمتهم القباب والمعابد التي يسمونها المشاهد وعمروها بأنواع الشرك والبدع فهم يطوفون بتلك القبور ويصلون عندها ويحجون إليها ويستغيثون بأصحابها من قرب وبعد ، ولا سيما في الشدائد ، فكان شركهم أغلظ من شرك الذين قال الله فيهم : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } , فالرافضة يشركون في الرخاء والشدة ، وقد سرى داء القبورية منهم إلى طوائف من الصوفية .) [8]

وكان من أبرز موقعي البيان والأكثر تشددا عبد الله بن جبرين وعبد الرحمن البراك وناصر العمر.

كما أن العديد من الممارسات الدينية للمذاهب الأخرى والتي لا تتبنى المذهب الوهابي كالمالكية والشافعية والأحناف والإسماعيلية تعاني من قيود على شعائرها وممارساتها الدينية وقيود أيضاً على بناء مساجد لها.

فأفراد الطائفة الإسماعيلية التي يسكن أكثر أفرادها في منطقة نجران القريبة من الحدود اليمنية يعانون من اضطهاد قائم على أساس الدين , ويتعرض أفرادها إلى اعتقالات مستمرة بسبب التعبير عن آرائهم الدينية ورفضهم للتمييز الطائفي الذي يمارس بحقهم من قبل السلطات المحلية.

ففي أبريل/نيسان من عام 2000 قامت قوات امن النظام السعودي بمداهمة المسجد الرئيسي في نجران التابع للطائفة الاسماعيلية واعتقلت امام المسجد مما أدى الى اندلاع اعمال عنف وحدوث مصادمات مع رجال الامن ادى الى قتل العديد من المواطنين واعتقال المئات من اتباع الطائفة والذي لا يزال العديد منهم رهن الاعتقال , وقد احتجت منظمات حقوق الانسان الدولية على مظاهر العنف والقوة المفرطة وغير المبررة من رجال الامن .

فقد جاء في تقرير منظمة العفو الدولية السنوي لعام 2001 ما يلي :

" قُبض على المئات من أفراد الطائفة الشيعة الإسماعيلية في منطقة نجران ومن بينهم من يحتمل أن يكونوا سجناء رأي، عقب مظاهرات ومصادمات وقعت احتجاجاً على إغلاق قوات الأمن مسجد من مساجد الطائفة بالقوة. ويبدو أن كثيرين ممن ألقي القبض عليهم قد احتجزوا احتجازاً انعزالياً، ولا يعرف أحد مكانهم. وتردد أن اثنين على الأقل حكم عليهما بالسجن والجلد . كما ورد أن بعضهم قتلوا في أثناء المصادمات والمظاهرات في ظروف توحي بأنهم ربما راحوا ضحايا للإعدام خارج نطاق القضاء، أو الاستخدام المفرط للقوة." [9]

كما يتهم النظام المتصوفة بممارسة السحر والشعوذة وهي تهمة ملفقة تؤدي بصاحبها للإعدام.

حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات :

إنّ شبه الجزيرة العربية بلد يمكن تصنيفه من ضمن البلدان التي تقع خارج نطاق المجتمع الدولي بالرغم من وجود تشابه بنوع الحكم السائد فيه مع دول وبلدان أخرى غربية وشرقية. فهناك العديد من البلدان الغربية مثل بريطانيا وأسبانيا وهولندا نظام الحكم فيها ملكي , وكذلك في بعض البلدان الشرقية مثل اليابان والمغرب والأردن، إلا أن النظام السعودي ينفرد بنظام ملكي مطلق وقمعي لا يسمح فيه بتشكيل أحزاب سياسية تمارس عملها بصورة ديمقراطية حتى وأن لم تشكل معارضة معتد بها للنظام ، وقد حاولت بعض قوى المعارضة اللجؤ الى خارج البلاد لممارسة عملها في كشف ممارسات النظام القمعية ضد مواطني شبه الجزيرة العربية , مثل منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية التي تأسست عام 1980 ومارست عملها خارج البلاد وبعد ذلك تحولت عام 1994 إلى الحركة الإصلاحية في شبه الجزيرة العربية وكان ذلك خاتمة عملها ذلك العام حيث حلت تنظيمها وعاد كل أعضائها إلى البلاد بعد العفو الذي أصدره رئيس النظام آنذاك فهد عبد العزيز .

ومن الأحزاب التي مارست عملها خارج البلاد أيضاً حزب الله الحجاز والذي تعرض العديد من أعضائه إلى الاعتقال والتنكيل .

كما قام النظام السعودي بمنع بعض المنظمات التي مارست نشاطات سلمية ومركزة عملها على حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق المواطنين في شبه الجزيرة العربية وبالخصوص المواطنين الشيعة ومن هذه المنظمات لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربية التي كرست عملها للدفاع عن السجناء والمعتقلين في السجون السعودية وإيصال صوت المواطنين الذين حرموا من ابسط الحقوق الإنسانية إلى العالم الخارجي .

ولقد حاول النظام السعودي ملاحقة المعارضين في الخارج والضغط على الحكومات التي لجؤا اليها بطردهم من أراضيها مستخدما ًنفوذه لدى الحكومات الغربية وذلك بتهديدها بالنفط أو إيقاف عقود الأسلحة , كما حصل مع الدكتور محمد المسعري مؤسس لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية ( CDLR ) التي تأسست سنة 1993 والتي عانت فور تأسيسها من اضطهاد النظام السعودي مما اضطر مؤسسها الى الهروب عام 1994 إلى بريطانيا وطلب اللجوء السياسي فيها , وسعد الفقيه مؤسس الحركة الإسلامية للإصلاح ( IRM ) وهي حركة جديدة منافسة للجنة انبثقت من لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية بعد انقسامات داخلية حدثت في اللجنة .

فقد ورد في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي لسنة 1997 :

" في ابريل 1996 صرّح السفير السعودي في المملكة المتحدة علناً بأن حكومته سوف تسحب عقود سلاح بريطانية كثيرة إذا لم تطرد بريطانيا المسعري . ورفضت بريطانيا طلب المسعري الأول للجؤ بسبب ظروف دخوله الغير شرعية لبريطانيا ولكن اخيراً مُنح المسعري اجازة بالبقاء في بريطانيا لمدة 4 سنوات مع حق الأختيار بالاقامة الدائمة في نهاية هذه المدة. ولا يوجد دليل على عقوبة الحكومة السعودية ضد الحكومة البريطانية على هذا القرار ." [10]

فقام النظام بالضغط على الحكومة البريطانية لطرده أو تجميد عمله , واستجابة لضغط النظام السعودي بدأت الحكومة البريطانية عام 2005 القيام بإجراءات قاسية لمضايقة المسعري مما اضطره الى إلغاء أجزاء كبيرة من موقعه الالكتروني (منتدى التجديد) الذي يديره حيث صرح حينها بان الموقع الالكتروني كان ضحية قتل حرية التعبير.

كما قامت الحكومة البريطانية ديسمبر 2004 بتجميد أرصدة الحركة الإسلامية للإصلاح ، بعد يوم واحد فقط من موافقة مجلس الأمن على عقوبات مماثلة على رئيسها سعد الفقيه وإدراج اسمه ضمن لائحة الإرهاب .

ويقوم النظام السعودي أيضاً بمنع تشكيل الجمعيات والنقابات المهنية التي تمارس حقوق طبيعية كفلتها القوانين الدولية والتي تشرع حق المساومة والمطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل. كما تمنع الحكومة الإضرابات العمالية والمهنية , فيمنع استناداً إلى تلك القوانين المداولات الجماعية والتفاوض حول الأجور. لقد أدت هذه القيود الموضوعة على انتهاك حقوق العمال مما حرم البعض من استلام أجوره المتراكمة لأشهر ولسنوات أيضاً. كما يعاني العمال القادمون من دول أخرى وبالخصوص القادمين من الدول الآسيوية والأفريقية من مشاكل كثيرة نتيجة عدم الإيفاء بالوعود التي يقطعها أرباب العمل الذين يعتمدون على عدم وجود قوانين أو نقابات عمالية يلجأ لها العمال للمطالبة بحقوقهم .

فقد وثقت منظمة العفو حالة الخادمات المنزليات اللائي علقن في شباك مملكة الصحراء في أمل الحصول على عمل يبعد عنهن غائلة الفقر في بلدانهن , فوجدن الظلم بعينه في بلاد الحرمين . فقد قالت المنظمة في تقريرها " أجساد مهشمة " :

" ففي المملكة العربية السعودية، تعزل العاملات في المنازل، اللاتي يأتي معظمهن من جنوب وجنوب شرقي آسيا، عن باقي المجتمع بصورة صارمة على وجه العموم ويصادر مخدوميهم جوازات سفرهن، في العادة، ويحتجزوهن في البيوت التي يعملن فيها. وقد ينقلن إلى خدمة رب عمل جديد دون موافقتهن. ولا تنطبق عليهن الحماية التي تتوفر لغيرهن من العاملين بموجب قوانين العمل السعودية. ولا يستطعن مغادرة البيت لطلب النجدة، إذ لا يسمح للنساء في الخروج إلى الأماكن العامة إلا بصحبة محرم. فالنساء اللواتي يلجأن إلى الشرطة طلباً للمساعدة يتعرضن لخطر الاعتقال بدعوى وجودهن في مكان عام دون محرم كالأخ أو العم، ويعدن في العادة إلى الأوضاع نفسها التي يسعين إلى الفرار منها، هرباً من الإساءة. " [11]

حرية الصحافة ووسائل الإعلام :

يمارس النظام السعودي سياسة قمعية تؤدي إلى التضييق على حرية التعبير والصحافة , فالنظام يملك ويدير جميع محطات الراديو , وتحرم الحكومة على الصحف والمواطنين التعبير عن آرائهم بصورة مفتوحة، كما أن النقد الذي يطال أفراد العائلة الحاكمة ومسؤولي الحكومة والمؤسسات الدينية غير متاحة للجمهور , كما يمارس الصحافيون رقابة ذاتية. وبالرغم من صدور قانون ينظم عمل الصحف ووسائل الإعلام الأخرى ، إلا أنه في الممارسة والتطبيق لم يتم اعتماده , بالإضافة الى غموض فقراته وإعطاء سلطة غير مبررة للدولة بإغلاق أي صحيفة ترى بأنها قد تجاوزت المسموح به من خطوط رسمتها لها. فالمادة 31 من نظام المطبوعات والنشر تنص على :

" عدم إيقاف ومنع الصحيفة من الصدور إلا في الحالات الاستثنائية وبقرار من مجلس الوزراء . "

فعبارة ( الحالات الاستثنائية ) كلمة يمكن تؤيلها بما يتلائم مع رغبات المسؤلين والقائمين على مراقبة العمل الصحفي , ويمكن تطبيقها على جميع الحالات التي تتعارض فيها لغة الإعلام مع رغبات وسياسات النظام حتى وإن كانت مشروعة , فعلى سبيل المثال " في مارس / آذار 2002، فُصل محمد مختار الفال من رئاسة تحرير صحيفة "المدينة" اليومية بناء على أوامر وزير الداخلية، وذلك في أعقاب نشر الصحيفة لقصيدة بعنوان "المفسدون في الأرض"، من تأليف الكاتب والشاعر السعودي عبد المحسن مسلّم ، وهي قصيدة تهاجم القضاة الفاسدين، وتقول في بعض أبياتها "إن لِحاكُمْ مخضبة بالدم، فأنتم تصانعون ألف طاغية، ولا تطيعون إلا الطغاة". وقُبض على مسلّم يوم 18 مارس/آذار، بعد ثمانية أيام من نشر قصيدته في الصحيفة المذكورة، وظل رهن الاحتجاز ثمانية عشر يوماً دون تهمة في مقر المباحث في الرياض، لكنه لم يتعرض لسوء المعاملة أثناء احتجازه. وكان اسمه لا يزال على القائمة السوداء حتى كتابة هذا التقرير، فهو لا يستطيع النشر في الصحف السعودية، وممنوع من السفر, ولم يعد الفال إلى عمله لكنه ليس ممنوعاً من الكتابة. " [12]

حرية السفر إلى الخارج

تمتاز الأنظمة القمعية بقدرتها في تنويع مفاهيم الاستبداد والتسلط كجزء من ثقافة الاضطهاد التي تكون علامة بارزة في نظام حكمها، كما أنها تتفوق على نظيراتها من الحكومات والأنظمة الديمقراطية بإيجاد فنون وأساليب جديدة من الاضطهاد وكذلك تخريج خبراء ومفكرين في هذا المجال.

لقد استخدم النظام السعودي سياسة المنع من السفر ضد معارضيه وضد مواطنيه أيضاً من الذين لم يدخلوا في نادي المعارضة أو الذين لم يتسن لهم الاطلاع على أدبيات المعارضة، لكن ذنبهم الذي أخذوا به هو اختلافهم المذهبي مع النظام ومؤسسته الدينية وما يجري تداوله داخل أروقة المؤسسات ودور العبادة الخاصة بالنظام الذي يضيق ذرعاً بالمخالف دينياً وسياسياً.

يهدف النظام من هذا القانون وضع قيود على طلاب العلوم الدينية الذين يدرسون وفقاَ للمذهب الجعفري خارج شبه الجزيرة العربية مما يسهل على النظام توسيع دائرة الجهل العلمي والديني وترسيخ سياسة التمييز والاضطهاد الطائفي والذي بدوره يؤدي الى سهولة تمرير أفكار دينية تخدم مصالحه وتثبت من سلطانه.

أما الهدف الثاني فهو التفكير المسبق والخوف والوجل من تحول الشخصيات الاجتماعية والدينية المؤثرة إلى أصوات معارضة بالخارج وكذلك الانتقام من الأفراد الذين أظهروا أصوات معارضة سلمية عن طريق الاعتراض على سلوك المؤسسات وسلطات تنفيذ القانون التي تسيء للمواطنين والذي هو بحد ذاته اعتراض مشروع كفلته قوانين النظام نفسها.

إلا أن المعروف عن النظام السعودي تنصله عن التعهدات والالتزامات التي قطعها على نفسه أمام الشعب أو أمام المجتمع الدولي وقد أصبحت سمة بارزة في حكمه، معتمداً بذلك على سلطة النفط الذي فرضها على حلفائه والتي كممت أفواههم وجعلتهم غير عابئين بأصوات ضحايا حقوق الإنسان. بالإضافة إلى سيطرة النظام على وسائل الإعلام المحلية وتأثيره على وكالات الأنباء ووسائل الإعلام الإقليمية والعالمية حيث يملك بعض من أفراد العائلة الحاكمة إمبراطورية إعلامية خرافية في العالم لا تضاهيها حتى وسائل الإعلام الكبرى والتي تضم قنوات (MBC ) الفضائية وقناة العربية الاخبارية .

كما أن الأهمية الستراتيجية والاقتصادية للنظام السعودي كانت سبباً في إسكات الانتقادات الموجهة من قبل سياسيي الدول الاخرى للشؤون الداخلية لحكومة آل سعود حيث يضع هؤلاء السياسيون الأمن القومي لبلدانهم وما يلحق به جراء الخلاف مع آل سعود في أولويات علاقاتهم الدولية .

وبالرغم من تشدق الدول الكبرى وبالخصوص الولايات المتحدة وبريطانيا بنشر أخلاق وقيم ديمقراطية في العالم ودعوة أنظمة وحكومات العالم الثالث بتبنيها، إلا أن هذه الدول تتصاغر تدريجياً عندما يتعلق الأمر بالدول النفطية وبالخصوص النظام السعودي.

إنّ سياسة المنع من السفر قديمة جداً كان من أول المتعرضين لها وأول من نال الحصة الأكبر منها هم المواطنون الشيعة وعلماء الدين وطلبة العلم الذين وضع النظام السعودي قيوداً قاسية على سفرهم للدول الأخرى سواء كان لأجل طلب العلم أو غير ذلك .

فما بين عام 1963 و 1988 بلغ عدد الذين منعوا من السفر من الشيعة 351 فرداً . [13]

وشمل قانون منع السفر العديد من ناشطي حقوق الإنسان من الذين وردت أسمائهم في المذكرات أو العرائض التي قدمت للحكومة ، وكذلك على بعض النساء في قائمة ناشطات حقوق الإنسان ممن كسرن القيود المفروضة على قيادة المرأة للسيارة أو بعض الكاتبات .

ولم يكتف بوضع أسماء الممنوعين من السفر على قوائم سوداء موزعة على المنافذ الحدودية بل لجأ النظام إلى مصادرة وسحب جوازات سفرهم مما جعلهم لا يفكرون حتى في السفر.

خاتمة

يرتكب النظام السعودي في كل يوم العديد من انتهاكات حقوق الإنسان بحق مواطنيه متجاوزاً بذلك حدود العقل، ويقوم بسلب هؤلاء المواطنين حرياتهم مضيفاً عليه في كل يوم أيضاً لمسات من مظاهر الاستبداد والتسلط لتجعله مميزاً في دائرة المجتمع الدولي , وتشير إليه أصابع الاتهام بأنه يرعى العديد من الأفراد الذين هم في دائرة الإرهاب مع عدم مبالاته بذلك .

إن ضآلة وضحالة تفكير مسؤولي النظام السعودي وعدم شعورهم بالمسؤولية وبالدور الذي عليهم أن يضطلعوا به ككيان سياسي يمثل الهيئة والوجود الاجتماعي جعلهم جزء من آلة بشرية كبرى تسحق تحت عجلاتها آمال وتطلعات أمة تريد أن تنهض كباقي الأمم وتسير في خط الأمم الحرة.

إنّ هرم الحكومة التسلطي الذي يستند على قاعدة عريضة من رجال تجمعهم علاقات قائمة على أساس الانتماء القبلي الذي تسوده العادات والتقاليد البدوية يضع فاصلة كبيرة جداً بينه وبين طموحات شعب مسحوق يحلم بدولة يسودها القانون وتتساوى فيها الفرص والرغبة في المشاركة في الحكم.

فليس من الغريب أن يشعر الكثير من الشعب باليأس أمام هذا الجيش من الأمراء والوعاظ ولا يجرؤ على المطالبة بحقوقه الأساسية، ويبقى الصمت يسود مجموعات واعية تعرف بأن هذا السلطان ما كان له أن يستمر ويعبث بحقوق الآخرين لولا جريمة غض الطرف عن استبداد ذلك السلطان من قبل العديد من أفراد الشعب مما جعل الكارثة تصبح حتمية في نهاية الأمر.

----------------------------------------------------------------------

[1] "الرايخ الثالث النازي ما بعد الكارثة" شيرمان ج. (1950) مطبعة جامعة كامبردج , 2005

Shirmann, J. (1950). " Nazi Third Reich after the Disaster " Cambridge : Cambridge University Press, 2005.

[2] (The Basic Law does not provide for freedom of speech or the press and the government generally did not respect these rights in practice.

تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي عن ممارسات حقوق الإنسان لسنة 2007 صادر من مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية الأمريكية في 11 مارس / آذار 2008 المملكة العربية السعودية)

[3] (The U.S. government should press on Saudi government to continue to advance adherence to international human rights standards, including the freedom of everyone to “manifest his religion or belief in worship, observance, practice and teaching” and prohibit coercion in matters of religion or belief.

تقرير اللجنة الأمريكية لحرية الأديان الدولية السنوي حول الحرية الدينية في المملكة العربية السعودية لعام 2008 , صادر من مكتب اللجنة الأمريكية لحرية الأديان الدولية )

[4] ( إصلاحيون سعوديون طالبوا بملكية دستورية , الرد: إعتقالات، وحجب مواقع، وتهديدات ) مجلة الحجاز / ابريل عام 2007

[5] تقرير لجنة الأمم المتحدة الخاصة، وثيقة الأمم المتحدة 56/1991/4. سي إن/ إي 115 «1991م».

Report of the U.N. Special Rapporteur, U.N.Doc. E/CN. 4/1991/56, at 115(1991).

[6] سورة البقرة / آية 265

[7] (Everyone has the right to freedom of thought, conscience and religion; this right includes freedom to change his religion or belief, and freedom, either alone or in community with others and in public or private, to manifest his religion or belief in teaching, practice, worship and observance.) Article 18 Universal Declaration of Human Rights , G.A. res. 217A (III), U.N. Doc A/810 at 71 (1948).

[8] موقع نور الإسلام http://www.qurandoors.com/vb/showthread.php?t=1553

[9] منظمة العفو الدولية : التقرير السنوي لعام 2001 حول انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية . (رقم الوثيقة: MDE 25/057/2001 ).

Hundreds of members of the Shi'a Ismaili community of Najran province, including possible prisoners of conscience, were arrested following demonstrations and clashes in April in protest against the forcible closure of their mosque by security forces. Many of those arrested were apparently held incommunicado and their whereabouts were unknown. At least two were reported to have been sentenced to prison terms and lashes . Some were reported to have been killed during the clashes and demonstrations, in circumstances which suggested that they may have been the victims of extrajudicial execution or excessive use of force by the security forces.

[10] تقرير وزارة الخارجية الأمريكية السنوي لسنة 1996

In April the Saudi Ambassador in the United Kingdom stated publicly that his Government would withdraw from large contracts for British weapons unless the United Kingdom expelled Al-Masari. The British Government denied Al-Masari's initial request for asylum, due to the circumstances of his illegal entry, but eventually Al-Masari was granted permission to remain in the United Kingdom for 4 years, with the option of applying for permanent residency at the end of that period. There is no evidence of Saudi Government retribution against the British Government for this decision.

(U.S. Department of State , Saudi Arabia : Country Report on Human Rights Practices for 1996 )

[11] " أجساد مهشمة، نفوس محطمة: تعذيب النساء وإساءة معاملتهن " منظمة العفو الدولية , رقم الوثيقة : AI Index: ACT 40/001/2001 , 8 مارس/ اذار 2001

In Saudi Arabia, women domestic workers, most of whom come from South and Southeast Asia, are generally strictly isolated from the rest of society. Their employers usually confiscate their passports and confine them to the house where they work. They may be transferred to other employers without their consent. The protection afforded to other workers under Saudi Arabian labour laws does not apply to them. They cannot even leave the house to get help, as women in Saudi Arabia are not permitted to go out in public unless accompanied by a mahram. Women who leave their home to seek help from the police run the risk of arrest for being in public unaccompanied by a male relative such as a brother or uncle, and are usually taken back to the abusive situation they seek to flee. ( Amnesty International Publications 2001. " Broken bodies, shattered minds Torture and ill-treatment of women " . AI Index: ACT 40/001/2001 )

[12] (منظمة " مراقبة حقوق الإنسان" التقرير السنوي لعام 2003 )

Muhamed Mukhtar al-Fal, editor in chief of the daily al-Madina, was dismissed from his post in March, reportedly on orders of the interior minister. The action came after the newspaper published "The Corrupt on Earth," a poem of Saudi writer and poet Abdel Mohsen Mosallam. The poem lambasted corrupt judges, stating in part: "Your beards are smeared with blood. You indulge a thousand tyrants and only the tyrant do you obey." Mosallam was arrested on March 18, eight days after the newspaper published his poem. He was held for eighteen days without charge in a mubahith office in Riyadh and was not mistreated during his detention. As of this writing, he was blacklisted, unable to publish in Saudi newspapers, and banned from traveling. Al-Fal was not reinstated to his post but was not banned from writing.

" Human Rights Watch World Report 2003 "

[13] اللجنة الدولية في مجلة الثورة الإسلامية العدد 100

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
التعليقات
Zaid Mughir
2009-02-03
السيد الفاضل عامر الحسني , مقالة رائعة جداً , نورتنا بمعلومات مفيدة للغاية و وأود أن أذكر ..يتردد كلام في الوقت الحاضر بعد تسلم الرئيس أوباما [ان الولايات المتحدة ستفتح حوار مع جمهورية أيران الأسلامية من أجل علاقات طيبة ..في هذه الحالة ..ماذا سيكون مستقبل السعودية ومن المعلوم أن السياسة الأيرانية تمتاز بدهاء وعقلانية ..اعتقد سيكون انهيار النظام الدكتاتوري في مصر والسعودية ..رأيك رجاءاٌ
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك