السيد : عامر الحسني
في 26 ديسمبر من عام 1915 تم توقيع معاهدة ما بين (عبد العزيز بن عبد العزيز) حاكم الحجاز وبين (السير بيرسي كوكس) ممثل الحكومة البريطانية. ونصت المعاهدة على اعتراف بريطانيا بأن مناطق الأحساء والقطيف تابعة لابن سعود , وعليه أن لا يتنازل عن أي جزء منها لأي دولة أجنبية دون موافقة مسبقة من بريطانيا ، مقابل اعترافها بسيادته على " الأحساء والقطيف " ، وتقديم بعض المساعدات .
وسميت المعاهدة بمعاهدة دارين لأنها وقعت في بلدة دارين في جزيرة تاروت في القطيف ، وتسمى المعاهدة في أحيان أخرى بمعاهدة القطيف . وكان من أحد الأسباب التي أدت إلى توقيع المعاهدة هو رغبة بريطانيا بأن يحافظ ابن سعود على أمن الخليج ومواصلاته وسعيها إلى الموازنة بين القوى الموجودة في الجزيرة العربية آنذاك (ابن سعود والشريف حسين) .
لقد كان أخطر ما نصت عليه المعاهدة هو فقرتها الأولى والتي تقول ان الحكومة البريطانية تقر بأن " الأحساء والقطيف " وتوابعها هي بلاد ابن سعود وآبائه من قبل , وبهذا تعترف بأن سعود حاكماً عليها مستقلاً، ورئيساً مطلقاً على قبائلها، وبأبنائه وخلفائه بالإرث من بعده، على أن يكون ترشيح خلفه من قبله ومن قبل الحاكم بعده، وألا يكون هذا المرشح مناوئاً للحكومة البريطانية بوجه من الوجوه، خاصة فيما يتعلق بهذه المعاهدة.
وفي عام 1927 ألغيت معاهدة دارين بتوقيع معاهدة جدة والتي اعترفت بموجبها بريطانيا بحكم ابن سعود , الا ان موادها لا زالت ملزمة للطرفين .
وبعد عامين من تأريخ توقيع اتفاقية القطيف , تم إصدار وعد من الحكومية البريطانية إلى اليهود بتأسيس دولة يهودية في فلسطين، مع عدم الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى .
وكان الوعد عبارة عن تصريح مكتوب وجهه جيمس آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد المليونير اليهودي وصاحب إمبراطورية روتشيلد المالية ومن قادة الاتحاد الصهيوني , وتعهد فيه بلفور بإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين". وكان بلفور يعارض الهجرة اليهودية إلى شرق أوروبا خوفاً من انتقالها إلى بريطانيا، وكان يؤمن بأن الأفضل لبريطانيا أن تستغل هؤلاء اليهود في دعم بريطانيا من خارج أوروبا.
ان ما يطمح إليه شعب القطيف والأحساء هو التحرر من السيطرة الاستعمارية لقبيلة بني سعود التي استولت على القطيف والأحساء عام 1915 بموجب تلك المعاهدة الظالمة , وهو طموح مشروع لكل شعوب العالم التي تطمح للتحرر التام من آثار الاستعمار .
ان الوضع في المنطقة الشرقية لا يختلف كلياً عن الوضع في فلسطين , فقد سلمت فلسطين الى اليهود بموجب وعد بلفور وسلمت المنطقة الشرقية بموجب معاهدة دارين .
ومما يدهش ويثير الاستغراب هو التشابه الكبير ما بين المعاهدتين , ونوع الحكم الذي يمارسه الكيانين تجاه شعب فلسطين وشعب المنطقة الشرقية , وكذلك الانحياز التام من قبل الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وأمريكا تجاه الكيان السعودي والكيان الإسرائيلي والصمت تجاه الجرائم التي تقترف تجاه الشعبين .
فزمن صدور الصكين لم يفصل بينهما سوى سنتين , والراعي لهما هو بريطانيا , والهدف كما هو معلن في معاهدة دارين هو رغبة بريطانيا بأن يحافظ ابن سعود على أمن الخليج ومواصلاته لصالح بريطانيا , وفي وعد بلفور هو دعم اليهود لبريطانيا من خارج أوروبا وإنشاء دولة لهم في فلسطين من اجل مساعدة بريطانيا في التوسع في الشرق الأوسط .
لقد قامت الدول الاستعمارية بحل جميع القضايا العالقة بين الدول التي كانت تسيطر عليها , بالإضافة إلى منحها الاستقلال التام مقابل توقيع معاهدات صداقة بينهما لحفظ المصالح المشتركة ما بين البلدين كما جرى مع جميع الإمارات الخليجية التي منحت الاستقلال مع المحافظة على مصالحهما المشتركة التي تؤمن سهولة الوصول إلى الموارد الاقتصادية القيمة بسهولة , والإيعاز إلى تلك الحكومات بان تظهر ولو شيئاً من الديمقراطية في تعاملها مع شعوبها .
ولكن الأمر يبدو غامضاً بعض الشئ فيما يخص المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية التي تملك مميزات وصفات مشابهة لما تملكه الإمارات الخليجية من حيث التشابه الاثني والديني وطريقة العيش مع المناطق الأخرى من الجزيرة العربية الواقعة تحت سطوة الاحتلال السعودي. فلم هذا الإصرار بعدم فتح ملف القطيف والاحساء أمام الباحثين والسياسيين ؟
ان ما يحتاجه المثقفون والسياسيون على السواء هو فتح الملف وعرضه للملأ من أجل الاطلاع عليه وجلي غبار الغموض الذي تعرض له على مدى السنين العجاف الطويلة والتي لم يجرأ أحداً على مناقشته إلا من قبل القليل من الباحثين والذين كانوا يرغبون بمناقشة بمواضيع تاريخية ليس إلا , وليس الهدف منها توجيه الضوء على محنة شعب يعيش تحت نير الاحتلال منذ عام 1915 ولحد الآن في دولة لا ينتمي لها دينياً ولا ديموغرافياً .
فالمنطقة الشرقية تقع في الشرق من الجزيرة العربية , والشعب الذي يعيش فيها يدينون بمذهب إسلامي يبدو غريباً بعض الشئ لسكان الجزيرة العربية , كما ان الحاكمين على الجزيرة العربية هم أناس غرباء , فهم في الأصل قبيلة من البدو الرحل استقرت في الجزيرة العربية قبل ما يقرب من ثلاثمائة سنة كان رئيسها محمد بن سعود بن محمد آل مقرن (هلك في عام 1765) وهو مؤسس الكيان السعودي وينتسب إلى جده مقرن بن مرخان لان الناس لم يسموا العائلة بآل سعود إلا في عهد سعود بن عبد العزيز آل سعود , وتحالفت مع قبائل أخرى في الجزيرة العربية مثل (قبيلة سبيع) من قبائل نجد التي امتازت بالقسوة والغلظة ونبعت من تأريخ حافل بالقتل والسلب وقطع الطرق أمام حجاج بيت الله الحرام وزائري قبر الرسول صلى الله عليه وآله وأئمة البقيع عليهم السلام .
لقد حاول الكيان الحاكم في شبه الجزيرة العربية أن يحول الصراع الدائر في المنطقة إلى صراع مذهبي , يوحي فيه إلى وجود مجموعتان أثنيتان في الجزيرة العربية أحدهما تتبع مذهب أهل البيت عليهم السلام , ومجموعة تتبع (رجل دين) عاصر محمد بن سعود بن محمد آل مقرن أسمه محمد بن عبد الوهاب الذي تسلم القيادة الدينية وترك القيادة السياسية الى ابن سعود.
ان الهدف من إثارة هذا الصراع هو حرف الأنظار عن الحقوق المشروعة لشعب المنطقة الشرقية في تقرير مصيرها بنفسها واستقلالها التام عن الاستعمار الطويل الذي استمر قرابة القرن من الزمان , وحتى يظهر للعالم بان الصراع طائفي ومن الممكن أن يجد له حلاً .
وكما هو المعروف سواء لدى السياسيين أو الأنظمة المحتلة هو إتباع سياسة (العصا والجزرة) وذلك لكي تكفل الأنظمة المستبدة على اقل تقدير عدم تعميق الهوة ما بين الحاكم والمحكوم والتي تكون نتائجها سلبية في نهاية الأمر على الحاكم , كما أنها طريقة ذكية للجم الأصوات التي تنادي بالانفصال .
ففي أمريكا مثلاً رضخت الحكومات في نهاية الأمر إلى إعطاء السود حقوقهم , وإغلاق ملف العنصرية , وكذلك الحال في جنوب أفريقيا التي رضخت وبالقوة لإعدام الفصل العنصري وبيديها بعد أن عجزت عن إخضاع شعب بريتوريا الأسود لسياستها الهوجاء .
لقد اتبع الكيان السعودي سياسة التعتيم الإعلامي وسياسة الحجر العلمي على شعب القطيف والأحساء في محاولة لجعل الشعب جاهل بتأريخه , وان الحكم هو حكراً على بني سعود فقط .
ان ما لا يفهمه الحكام من بني سعود هو ان تدهور الأوضاع الأمنية والخطوات الدؤوبة التي يتخذها كيان الرياض لتوطيد دعائم السيطرة السعودية وما تسببه إجراءاته من معاناة جسيمة لشعب القطيف والاحساء ما هي إلا خطوات نحو نهاية كيان عاث فساداً في الجزيرة العربية ووصلت به درجة الغباء إلى عدم ملاحظة أقرب حلفاءه في حقبة من الزمان وهو نظام البعث البائد في العراق الذي شغل العالم على مدى خمس وثلاثين عاماً وانتهى به الأمر إلى الزوال التام . وإن ما يقوم به الكيان من خطوات متهورة جعلته لا يتردد في انتهاك ابسط المبادئ الأخلاقية الدولية والقانون الدولي .
ان المواجهة مع الكيان السعودي في هذا الوقت يجب أن تأخذ بعداً آخر , وعلى السياسيين ان ينظروا بجد لما يعيشه شعب القطيف والاحساء الذي يعيش في القرن الواحد والعشرين ولا يتمتع بأبسط الحقوق الإنسانية , بحيث وصل الأمر إلى حرمانه من السيادة حتى على بلدة صغيرة من أرضه , أو تعيين قاض يصدر حكماً في قضية جنائية .
لقد عفى الزمان على مقولات الماضي التي لا زال البعض يرددها والذي لا يفقه معناها مثل ( المملكة العربية السعودية , خادم الحرمين الشريفين , الملك , الأمير , العاهل ) . ان ما يجب على شعب القطيف والاحساء ان يفهمه هو انه شعب مميز , لا يساوم على أرضه ولا على مبادئه , وهو لا يطالب برفع التهميش من قبل السلطة , فهو شعب يريد التحرر من الاستعمار السعودي الذي بدأ عام 1915 وبمباركة بريطانيا , وإقرار الدول الأخرى .
وتبقى هناك حقيقة تاريخية ثابتة لدى الجميع وبالخصوص شعب القطيف والاحساء الذي راح ضحية صراعات طائفية مفتعلة , وهي انه شعب محتل , وحقيقة أخرى يتغافلها التأريخ , وهي العقدة التي يعيشها بني سعود التي تخص النسب , لان اسم الجد الأول لهم (مرخان) واضح لا غبار عليه .
https://telegram.me/buratha
