المقالات

هل يتقاعد الرئيس ؟

943 19:09:00 2009-03-22

فارس حامد عبد الكريم

العراق بلد الريادة التاريخية بحق، قدم عبر تاريخه الحضاري الطويل المُشرق أثمن الهدايا للبشرية وضرب أروع الأمثلة على قدرات الإنسان في مجال الخلق والابتكار والإبداع. وعلى ذات النهج التاريخي الأصيل، يقدم العراق اليوم للشعوب من جيرانه هدية جديدة، هي الديمقراطية وانتخاب الرئيس وحرية الرأي والتعبير والمعتقد... إلى أخره من مستلزمات الحياة الحرة الكريمة.إلا ان هذه الهدية، وبسبب غسيل الدماغ التي تتعرض له الشعوب العربية بشكل يومي من قبل آلة دعائية رسمية ضخمة ، قد رفضت.ومن المعلوم إن الإعلام الرسمي الموجه يخلق وعياً جمعياً هو وعي القطيع، والفرد باعتباره جزءاً من ذلك الوعي لا يفكر ولا يتأمل ولا يبدع وهو مُسير لا مخير حتى لو قادته مسيرته العمياء تلك إلى لقاء مصيره المحتوم.والجماهير التي تصفق للاعتقالات غير القانونية ولمظاهر الإعدام العلني او السري والخطابات الحماسية الفارغة وتقرع طبول الحرب وهي تقود ابنائها إلى معارك غير متكافئة ومحسومة سلفاً إنما هي تقف على ذات الطابور ولا يعدو ان تكون المسألة مسألة وقت حتى يأتيها دور الى الموت المجاني.

والشارع السياسي العربي خير نموذج لهذه الصورة،فهو لا يقدر قيمة الانجازات الواقعية القيمة على ارض الواقع ، ولا يفرق بين الهزيمة والنصر، إلا بقدر ما توحيه إليه الخطابات الحماسية الرنانة وهو ما برح يستمع إلى نفس الأغاني القديمة التي تقرع طبول الحرب وزغاريد النصر بعد كل هزيمة وان خلفت ورائها الآلاف من الضحايا الأبرياء.ومن المؤكد ان قادة لا يمكن لهم ان يعترفوا بالهزيمة بروح رياضية لا يمكن لهم ان ينتصروا ابداً في يوم ما، لان الغش والخديعة يفسدان كل شيء حتى ضمير الجماهير وحسها الوطني.

لقد أدرك العراقيون ، وهم شعب من الأحرار الأبطال ، هذه الحقيقة قبل غيرهم، فرفضوا ان يكونوا وقوداً لحرب خاسرة مرة أخرى ، ولكنهم صمموا على انقاذ وطنهم عن طريق الحكمة والوعي والالتفاف حول حكومة وطنية منتخبة ستقودهم في النهاية إلى رحاب الأمن والحرية والاستقلال.لقد ابرز الأعلام العربي الرسمي، ذو التجربة في تحويل الهزائم المرة الى انتصارات وتحويل الانتصارات الباهرة الى هزائم ، وباتفاق عربي رسمي نادر، صورة واحدة للعراق الجديد ، هي صورة الاحتلال وما نتج عنه ما أسموه بالصراع الطائفي، وأخفى ذلك الأعلام كل الصور الأخرى الجميلة التي رسمها أبناء العراق.

فأحداث تاريخية كبرى مثل كتابة الدستور الدائم والاستفتاء عليه وانتخابات مجلس النواب وانتخابات مجالس المحافظات وتحقيق استقلال القضاء وبناء جيش غير مسيس وحرية الانتماء الحزبي وحرية الصحافة والإعلام لا تعني الإعلام العربي الرسمي ولا يلتفت إليها لأنها تتعارض مع خطط غسيل الدماغ ووعي القطيع المدبر.ورغم ان أعداء العراق الجديد من ملل ونحل مختلفة ، فبعض الدول التي ساهمت في هذه المؤامرة المدبرة ضد الشعب العراقي تتمتع بعلاقات تاريخية وراسخة مع الولايات المتحدة الأمريكية بينما تسود علاقات الأخرى معها حالة العداء او التشنج او عدم الاستقرار، إلا ان وحدة الهدف قد جمعتهم.

وهكذا امتد شخوص المؤامرة من المغرب العربي الى شرقه والى خليجه، وكان من الصعب إقناع أي عربي واخراجه من حالة اللاوعي او وعي القطيع ، وجعله يتأمل ويفكر ويتخذ قراره ويتبنى موقفه بإرادته الحرة تجاه العراق والعراقيين.

وقبل أيام نقلت بعض وسائل الإعلام خبراً مفاده ان فخامة الرئيس العراقي الأستاذ جلال الطالباني يفكر بالتقاعد نهاية هذا العام ليتفرغ لكتابة مذكراته.في الحقيقة والواقع فان مجرد طرح هذه الفكرة بحد ذاتها ، فكرة تقاعد الرئيس، هي انجاز تاريخي بحق وهدية يقدمها أبناء العراق للشعوب العربية وان كانت هذه الفكرة تحرج رؤسائهم وتجعلهم أكثر إصراراً على نهج محاولة اسقاط التجربة العراقية. مما يجعلنا أكثر تمسكاً به ودعوته لتأجيل كتابة مذكراته إلى وقت لاحق. فرجل لا يتمسك بالسلطة خير من يتولى السلطة.لان الشعوب العربية لا تعرف فكرة تقاعد الرئيس، وإنما هي الآن في محنة الرئاسة بالوراثة، فالرئيس العربي هو في الواقع ملك مبجل وان سمى نفسه رئيساً للجمهورية فالعبرة في التكييف الدستوري لوضع الرئيس هي بالحقيقة الواقعية لا بالوصف الذي يخلعه الرئيس على نفسه.والحقيقة هي ان الرئيس العربي الذي يرتدي قناع الجمهورية يملك صلاحيات مطلقة غير قابلة للجدل والمناقشة ومراسيمه الرئاسية هي قوانين نافذة ، وخصومه اما معلقين على المشانق او مغيبين في سجون سرية، وله امتيازات شخصية غير اعتيادية وتحميه وعائلته وحاشيته أجهزة بوليسية ضخمة لم يتسنى حتى لملوك القرون الوسطى ان يمتلكوا مثلها.ثم انه لا يتقاعد الا اذا كان بصدد نقل الرئاسة لنجله.والمعلوم تاريخياً ان الثورات الجماهيرية الكبرى في التاريخ التي نشأت على أثرها الجمهوريات ، أي حكم الجماهير ، إنما نشأت لمواجهة سلطات الملوك المطلقة وتحكمهم برقاب الشعوب بالوراثة، وهكذا نشأت الجمهوريات الحديثة التي يتولى الرئاسة فيها شخص من عامة الشعب عن طريق الانتخابات ولا يتمتع الا بمزايا مؤقتة تفرضها طبيعة صفته التمثيلية للشعب. الا ان التطبيق العربي لهذه الفكرة العظيمة ، كان تطبيقاً مشوهاً ليس له علاقة بالاصل الذي نشأت منه الفكرة ، بل انه مجرد مسرحية بائسة لخداع الجماهير بأنهم يمتلكون جمهورية بينما هي ملكية وراثية مطلقة في حقيقتها ومعناها.وبديهي ان ملكية حقيقية دستورية هي أفضل من ملكية مطلقة مستترة بلباس الجمهورية.والمفارقة في الأمر ان رئيسنا لم يأت الى سدة الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية او أنها انتقلت اليه بالوراثة ، إنما هو رئيس دستوري شرعي منتخب نال استحقاقه الشعبي قبل ان ينال استحقاقه الرسمي بعد كفاح طويل مرير ضد الأنظمة الدكتاتورية امتد لسنوات طويلة، ومع ذلك فان مشروعيته الفريدة بين نظرائه من الرؤساء العرب لا تمنعه من التفكير بالتقاعد.(1)

وعلى هذا النحو فان الأزمة بين العراق وجيرانه هي أزمة سببها رئيس يُمكن ان يتقاعد ورئيس لا يمكن ان يتقاعد الا اذا كان بصدد نقل الرئاسة بالوراثة.***********بغداد في 15 /آذار/20091ـ انظر مقالتنا ( حكمة الرئيس وقيم العراق الجديد) في كانون الاول 2007.فارس حامد عبد الكريم العجرش الزبيدي ماجستير في القانون نائب رئيس هيئة النزاهة سابقاً باحث في فلسفة القانون والثقافة القانونية العامةبغداد ـ العراق البريد: farisalajrish@yahoo.com موقعنا: الثقافة القانونية للجميعhttp://farisalajrish.maktoobblog.com

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك