علي بابان - وزير التخطيط العراقي
لدينا في الإقتصاد العراقي تحديات عديدة... وإختلالات هيكلية في مواضع كثيرة... ومن بين هذه التحديات.. وتلك الإختلالات.. يبرز وضع القطاع الخاص العراقي كحالة شاذة... ومختلة... ومعطلة ينبغي التعاطي معها وإيجاد العلاجات المناسبة لها...مهام عديدة تنتظر القطاع الخاص العراقي ضمن التصور الشامل للنهوض بالإقتصاد....إذ يتوجب عليه أن يخفف من أعباء الدولة وينقل لمسؤولياته المزيد من الواجبات والوظائف التي تقوم بها الدولة حالياً دونما كفاءة... وعلية أن ينجح في الفوز بالسوق والمستهلك في العراق والقائمة طويلة من السلع والخدمات التي تذهب أموالها اليوم للإستيراد من الخارج... عليه أن يقدم نموذجاً راقياً ومتطوراً في الإدارة والإنتاج ينقل المجتمع والإقتصاد إلى حالة مختلفة وراقية... وعلية كذلك أن يربط العراق بحركة الإقتصاد العالمي ويعرفه على التطورات التكنولوجية الحديثة ويضعه في سياقاتها... وعليه الكثير ولكن السؤال الذي يطرح على الفور هو:هل أن القطاع الخاص في بلادنا مؤهل لتولي هذه المهام والوفاء بها بالشكل المناسب...؟الجواب: في ظل المعطيات الراهنة هو:كلا بكل تأكيد... فمثل هذه الإنجازات بحاجة إلى شروط خاصة وظروف معينة غير متوفرة في المشهد العراقي الحالي..., فالأمر لا يمكن أن يكون قراراً تتخذه الحكومة ليتم تنفيذه في اليوم الثاني..القطاع الخاص بحاجة إلى نظام مصرفي كفؤ وشركات تأمين مقتدرة وسوق مالي نشط وفاعل وهو ما لا نملكة في عراق اليوم... وهو بحاجة إلى تشريعات مستقرة يجري إحترامها ونظم قضائية تتسم بالسرعة والعدالة والحسم وهو ما لم نحققه بتمامه..... القطاع الخاص بحاجة إلى رساميل ضخمة وإلى نظم تمويل متقدمة وهو ما لا نجده كذلك... وهو قبل ذلك وبعده في أمس الحاجة إلى إدارة حكومية متعافية من البيروقراطية وتقدر أهمية القطاع الخاص ودوره ولا تسعى إلى إعاقة نشاطاته...مثل هذه ( الحزمة ) من الشروط والمناخات لابد منها لأي قطاع خاص يراد له أن يقف على قدميه ويؤدي دوره في خدمة الإقتصاد... ولا يمكن لنا أن نتصور وجوداً فاعلاً وحقيقياً للنشاط الخاص من دون هذه الحزمة... وهذا ما يتوجب على الدولة فعله...وفي المقابل هناك أمور تُطلب من القطاع الخاص ذاته... فهو مطالب بحد أدنى من القدرة المالية والفنية والإدارية تمكنه من البقاء وسط مجتمع الحيتان الكبيرة والقدرة على المنافسة وكسب السوق المحلية على أضعف الإيمان قبل أن ينطلق إلى الإقليمية والعالمية كما نتمنى له... لا يمكن للقطاع الخاص العراقي أن يفكر في مستقبل مشرق أو أمكانية للتطور والإنطلاق في ظل الأحجام الصغيرة والمتواضعة التي هو عليها الآن.. فعالم اليوم.. إقتصادياً وتجارياً وحتى سياسياً لا مكان فيه إلا للأقوياء... ومع الشركات العائلية الصغيرة لا فرصة للتوسع والنمو ولا بد من الإندماج الذي يتيح بروز شركات كبيرة مقتدرة... ثقافة المؤسسات الضخمة لابد أن تجد طريقها إلى الأعمال الحرة في العراق وسوق المال يستطيع أن يؤسس لتلك الثقافة من خلال تأسيس الشركات الكبيرة التي تطرح أسهما للجمهور وقد تشارك الدولة بحصة فيها أو التي قد تنتج عن الإندماج... القطاع الخاص العراقي بحاجة إلى أن يوسع معارفه وخبراته وأن يطل على الآفاق الجديدة لإدارة الأعمال في العالم المتقدم فقد ظل تجار العراق ورجال أعماله مقطوعين عن العالم ومعزولين عما يجري فيه لعقود طويلة وعليهم تعويض نقص المعرفة تلك لأنها يمكن أن تشكل عائقاً حقيقياً أمام تطور أعمالهم ونجاحهم.اليوم القطاع الخاص العراقي محاط بمشاكل عديدة... سعر الفائدة المرتفع يجعله غير قادر على الإقتراض والتوسع... الوضع الأمني يخلق له إشكالات عديدة... أسعار الطاقة المرتفعة في البلد الذي ينتج النفط يجعل من تكلفة إنتاجه مرتفعة ويحرمه من الإفادة من مزية الطاقة الرخيصة التي كان ينبغي أن يحوزها في بلد كالعراق...الأضطراب التشريعي يعقد مهمته ويضيف له المزيد من عدم الإستقرار.. فتح الحدود على مصراعيها وبدون رقيب أو حسيب جعله غر قادر على التنافس مع بضاعة مستوردة.. رخيصة ورديئة.. هنالك قائمة من الصعوبات.. والمشاكل.. والتحديات التي تحدق بالنشاط الخاص في العراق وتهدد وجوده وفاعليته...حيثما حللنا وأرتحلنا في أرض الله الواسعة وجدنا رجال أعمال عراقيين حققوا نجاحاً لافتاً في ديار الإغتراب وبنوا مؤسسات كبيرة بجهدهم وعرق جبينهم... هنالك قصص نجاح تثير الإعجاب لعراقيين عرفوا كيف يشقون طريقهم في الدول الأجنبية ليؤكدوا حقيقة أن الإنسان العراقي لا ينقصه الذكاء والموهبة اللازمان للأعمال الحرة ولكن ينقصه في وطنه الكثير لكي ينجح...إذا اردنا حقاً أن نأخذ بيد القطاع الخاص العراقي فلا بد للدولة أن تتخذ الإجراءات المطلوبة... وأن تستكمل الحزمة اللازمة لذلك...والقطاع الخاص من جانبه لابد أن يقوم بما ينبغي عليه وأن يتوافق مع البيئة العالمية والإقليمية من حوله... وفي آخر المطاف علينا التذكر بأن لا نهوض للإقتصاد العراقي ما لم يقف القطاع الخاص على قدميه ويؤدي دوره المطلوب في مسيرة البناء والإنطلاق الإقتصادي وهذه الحقيقة يجب أن تكون نصب أعين متخذي القرار في العراق.
مجلة الأوقات العراقية
https://telegram.me/buratha