المقالات

الظلم.. بشفافية داكنة !

961 21:19:00 2009-04-07

نعمان التميمي

اعلنت مفوضية الأنتخابات، الاسبوع الماضي، عن رفض كل الطعون بشأن نتائج إنتخابات مجالس المحافظات التي جرت نهاية كانون الثاني ( يناير) الماضي والمقدمة من قبل المرشحين والكيانات والقوى المشاركة وذلك "لعدم ثبوت مؤديات" تلك الطعون، بحسب المفوضية، التي كانت تعلن عن المصادقة على النتائج النهائية ، وتدعو إلى تشكيل مجالس المحافظات خلال أسبوعين وتعيين المحافظين خلال فترة شهر. ولاتزال الاشكالات ، و "الشفافية" التي قيل ان الانتخابات جرت في ظلها ، ثم ما اسفرت عنه من نتائج، مثار إنتقاد ومؤاخذات وتساؤلات، من قبل الكثير من الساسة والقوى والكيانات وأعضاء مجلس النواب، فضلا عن كثير من المرشحين وقوائمهم ..ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر مطبات خطيرة يبدوا أن المفوضية أو لنقل" العملية الانتخابية: قد وقعت فيها، لايبدو ان الححج الجاهزة التي تساق تقوى على تبريرها وتفسيرها لإقناع المعترضين من المرشحين والكيانات، فضلا عن حشد كبير من الناس"الناخبين" . فكيف يمكن أن يُفسر ويُبرر مثلا عدم حصول 142 مرشح على أي صوت ولو "واحد"!؟ وهل نسي المشرح أن يصوت "هو" لنفسه على اقل تقدير!؟.. وهل يُلام احدهم بعد ذلك عندما يقول :ماهو التزوير والتلاعب والاستخفاف وبأي شكل يكون!؟. وهكذا ايضا كيف يمكن أن يفسر بلوغ نسبة التصويت في بعض المراكز 130 بالمئة و110 بالمئة !؟. وكيف ولماذا لم يتمكن 2 مليون على اقل تقدير من المشاركة؟، وليس آخر قائمة التسآؤلات عن مدى صدقية وشفافية، سبب وكيفية "رفض" كل الطعون والشكاوى، وعددها 593 شكوى منها مايصل الى المئتين توصف بـ"الطعن الأحمر"!.

ومع كامل إحترامي لللمعترضين، فإن اغلبهم ركز على هذه المفارقات والشكاوى، وربما يكون لدى المفوضية اجابات معينة عليها، لكنهم برأيي لم يركزوا كثيرا على أمر أهم بكثير جداَ، يتمثل بآلية احتساب الاصوات وتوزيع مقاعد المجالس، وهو ما اوقع ظلم كبير، بل وأقول ـ وعلى مسؤليتي ـ أنه " تزوير لأرادة الناخب"، وإن تم تسويقه تحت ذريعة وغطاء قانوني مجحف.

ومن جانب آخر أعتقد أن ماتوافقت عليه القوى السياسية الكبيرة في مجلس النواب ، من قانون للانتخابات، ربما جرى فيه تسويق "تزوير" أو" تلاعب ذكي" على المواطن، من خلال التأكيد على نظام الانتخاب بالقائمة المفتوحة، في حين أرى أن ماتم فعلا على ضوء النتائج والآليات هو اقرب بكثير لـ"المغلقة" وبإحكام أيضاَ! ولا اريد أن افصل في هذا، ولكن يبدوا انه جرى العمل بالمثل الانكليزي الشهير" تريد أرنباً خذ ارنباً تريد غزالاً خذ أرنباً"، فقط أبدِل كلمة إرنب بكلمة" مغلقة" و غزال بـ"مفتوحة"!.

أمّا "تزوير أرادة الناخب" فياسادتي، و" ياقوى واحزاب كبيرة اقرت قانون الانتخاب تحت قبة البرلمان" ويامفوضيتنا الموقرة والمستقلة، ومع شكري الصادق لما بذلتيه وتبذلينه من جهود، فإني لا استطيع أن استخدم غير او أفضل من هذه الجملة، لوصف ماترتب من نتائج نهائية، وإلاَ بماذا نبرر و نصف إعتماد قانون انتخابات وآلية توزيع مقاعد، تؤدي الى منح ثلث الفائزين "وفق نظامكم" مقاعد يستحقها مرشحون آخرون!؟ أي "حصولهم على مقاعد لم ينتخبوا لها" بل أن الكثير منهم "حصل على اصوات تقل جدا عن أصوات مرشحين في قوائم مستبعدة" ،بعد أن جرى تحويل نحو 31% من اصوات الناخبين من القوائم التي وصفت بالخاسرة الى الرابحة، بحسب تقارير وتحاليل مراكز ومنظمات المراقبة. بحيث خدمت هذه الآلية مصالح الاحزاب الكبيرة فقط وفقط، وهذا ليس على حساب نظيراتها الصغيرة، كما قيل، بل بالأصل على حساب رأي وصوت وإرادة المواطن. فأي آلية ديمقراطية هذه وأي قانون انتخابات " يعطي الغطاء القانوني" لتحويل أصوات مئات الألوف من المقترعين الى رصيد كيانات ومرشحين لم ينتخبها او ينتخبهم المواطن !؟. بل قد ترى أن مرشحاً حصل على الاف الاصوات يُحرم، لإن قائمته لم تحصل على يسمى بالقاسم الانتخابي، فيما يتم صعود مرشحين لم يحصدوا سوى مئات أن لم نقل عشرات الاصوات . وكأن قانون البحر هو من ساد فأكلت القروش اخواتها من باقي الاسماك!.أي عدالة في هذا النظام بتوزيع مقاعد إضافية "غير مستحقة" وحرمان مرشحين وقوائم اقتربوا واقتربت من القاسم الانتخابي وبفارق ضئيل؟! فشطبت نتائجها وحولت الى مرشحين في قوائم أخرى ؟! فاذا بمن يفوز مثلا بنسبة (14%) فقط من النسبة العامة، يحصد (28%) من عدد المقاعد.

إن "أفحش الظلم أقترافه" ثم نسبته الى " الديمقراطية " و القانون الفلاني" أو "الآلية الفلانية" فيقال أن هذه نتائج هذه الآلية التي أتُّبعت او ذاك القانون الذي تم تشريعه، او الديمقراطية !..إن الشفافية ليست شعاراً أو مجرد طلب من المطالب للشعب، وانما مبدأ اساس من مبادى الديمقراطية، فهي أن غابت أو "غُيبت" لن يوافق الناس او لنقل كثير منهم ، على مايسود و مايقرر، حتى وان سكتوا ظاهرا !. أنه مطب يؤدي الى الانفصال عن الناس، فلا يعود المسؤول الذي يصل الى الكرسي والمنصب، يعبر عن مصالحهم ولايتحدث عن ظمائرهم، لانه لايصل بإرادتهم.. فالشعارات وحدها "لاترضي الربّ" ولم تعُد "تُغري الشعب" ، فكيف إذا كانت فارغة من الحقيقية، بعيدة عن العدل ، ومُجانبة لقيم الدين ومبادىء الانسانية، والانصاف والشفافية الحقيقية. فلاقيمة لآلية او لقانون لايأخذ المبادىء بعين الاعتبار..

ومن الخطأ الفادح، بل والجرم والظلم أن تُسن "وتفصل بمقاسات وحسابات معينة" قوانين تخالف قيم العدالة والحرية وحق التعبير الحقيقي عن الرأي والارادة والمشاركة. أن الناس تنظر بعين البصيرة والوجدان ولايستطيع الادعاء الكاذب ان يُغشّي عليهم بصيرتهم.. لذا فإن احترام عقولهم وكسب رضاهم وثقتهم، ومن ثم ترسيخ الثقة بين الحاكم والمحكوم والمسؤول ، حبل متين لابد ان يُعمل بإخلاص على نسجه بقوة وإبقاءه متصلاً.. لا أن يتم بطريقة وأخرى ، وبين أونة واخرى، العمل "من غير قصد او عن قصد" على نقضه وقطعه..! فذلك يؤدي في النهاية الى أن يصبح وضع النظام والقانون في تناقض مع الناس مايجعل الحكام والمسؤولين والاحزاب، يحاولون الاستغناء به عنهم ، بطريقة وأخرى، وإن بدت في الظاهر " شفافة وديمقراطية"، او حوت على "نسبة" من ذلك.ولأن المفوضية تقول أنها بالتصديق على النتائج، أنهت مهمتها، وستتفرغ من الأن للأنتخابات البرلمانية القادمة، التي لم يتبقى لها سوى بضعة شهور، وحتى لا تسود وتصبح عُرفاً وربما "قانوناً وآليةً"، سياسة الغرف المغلقة، وعمليات التحاصص، ألامر الذي لابد أنه يقلق الناس، وكأن مستقبلهم ورأيهم مجرد سوق تباع فيه المصالح والمناصب بعيداً عن أعينهم ومعرفتهم وارادتهم..

ومن أجل تكريس ديمقراطية حقيقة وشفافة واحترام رأي وارادة الناس، أرى أنه يجب على الجميع ، سواء القوى والقوائم والاحزاب التي خسرت أو "حرمت" ، والاخرى التي فازت، أن لاتسمح ونحن على ابواب انتحابات برلمانية مهمة ، بتكرار هذه التغرات القاتلة والمخيبة للآمال في قانون الإنتخابات، والمسؤولية في ذلك تقع بالدرجة الاولى على إعضاء مجلس النواب، والساسة والقوى والتيارات، والاعلام والمثقفين، وليس المفوضية، ومن هنا تبدوا الحاجة ملحة لإلغاء بعض الفقرات والانظمة والبنود التي تؤدي لحدوث ما ماحدث، او لسن قانون جديد يشرع نظام "القائمة المفتوحة" بكشل حقيقي وواقعي لا لبس فيه، فالقائمة المفتوحة التي أدّعي إطلاعي ومعرفتي بها هي التي تتيح للناخب ان يرشح العدد المطلوب للمجلسأ أياً كان مجلس محافظة، او برلمان، اذا كانت هناك دائرة انتخابية واحدة، او يرشح العدد المطلوب لدائرته الانتخابية اذا كانت هناك عدة دوائر، بحيث لاينال المرشح سوى حصته الفعلية من الاصوات وصعت لصالحه فيصندوق الانتخابات ، وليس لصالح مرشح آخر !، وبالتالي يفوز من يحصل على أعلى الاصوات وبالتسلسل، او حتى أجراء انتخابات تكميلية أيضا اذا لم يتم شغل كافة المقاعد.

فلا بد من تجاوز الأخطاء والتغرات التي بانت في انتخابات مجالس المحافظات ، وعدم تكرارها، وذلك بإعتماد قانون وآليات تقترب حقاً لمفهوم الديمقراطية و يتم بها تحقيق أعدل و اكبر مستوى للتمثيل الجماهيري وتضمن حصول المرشحين على استحقاقاتهم وبإختيار الجماهير، وليس على أساس آلية تفرط و"تزور" إرادة الناخبين، وتؤدي لبناء ثقة المواطن بالقانون والديمقراطية والانتخاب لا هدمها وزعزتها.

وختاماً، وبيعدا عن كل ماجرى وماقيل ويقال وسيقال، دعونا نبارك مجدداً لكل قائمة و مرشح فاز ووصل لسدة المسؤولية في مجالس المحافظات، ونسأل الله تعالى أن يوفقهم ويسددهم لأداء المهمة على أحسن وجه بخدمة الناس وتوفير الخدمات لهم والاستماع لهمومهم والتواصل معهم، والنهوض بمحافظاتهم وإعمارها وتطويرها بالشكل اللائق والمأمؤل.. وأن يكونوا خير ممثلين للمواطن وإرادته وحقوقه وتطلعاته المشروعة، والله من وراء القصد.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك