حامد جعفر
لو عرف الناس الحقيقة لما اعطوا فلسا لمتسول ابدا. والحقيقة هي ان الفقراء لا يتسولون .. روى الاصمعي انه رأى رجلا يخرج من احد السجون يحمل على كتفه جرة , يبيع الماء للسجناء, قال الاصمعي: عجبت من ذلك وكان الرجل رث الملابس بائسا, فلما رأني اعجب من عمله مع سوء حاله انشد يقول:لنقل الصخر من قلل الجبال ....... احب الي من منن الرجاليقول الناس كسب فيه عار ....... وكل العار في ذل السؤال
ولقد زرت بغداد قبل شهور قليلة وساقتني قدماي الى اسواق ابو دشير العامرة .وهكذا افعل كلما ازور العراق ان القي بنفسي في احضان المناطق الشعبية, لاني اعتبر سكنة الدور البسيطة خيرا من سكنة القصور الباذخة واهلها اهلي وحق علي ان اعينهم بقدر ما استطيع على حل مشاكلهم والدفاع عنهم ورفع صوت الامهم لمن لا يسمعهم من المسؤولين.
كان الطريق امام الدكاكين ضيقا لا يكاد يسع شخصين , وذلك لسببين , اولهما استحواذ اصحاب الدكاكين على حيز اكبر من الدكان نفسه باتجاه الشارع العام, وذلك لكثرة بضائعهم .والسبب الثاني الجدران الكونكريتية التي وضعت على حافة الرصيف لدواع امنية, وعلى الماشي في هذه الاسواق تحمل مشقة الزحام.
وبينما كنت اشق طريقي بين اكداس البشر , اقلب طرفي هنا وهناك, اذا بي ارى مجدية ضخمة الجسد تغطي وجهها ببوشية سوداء , تجلس على شئ كالكرسي بين الباعة وتتكئ على الجدار الكونكريتي , وتمد كفها الضخمة القوية الى المارة تستجدي النقود وتدعو بجاه ام البنين. وعندما مررت من امامها تجاهلتها شأن الاخرين , واذا بها زيادة في الالحاح تضرب ساقي بكفها الغليظة ضربة كادت تسقطني ارضا , فغضبت من هول المفاجأة وصحت بها باني لا يهمني دعاءها ... واذا بقريبي الذي كان يصاحبني يشير لي ان اسكت وقال لي فيما بعد ان علي ان احمد ربي لان الناس هنا صدريون متعصبون ولو سمعوك تسفه دعاء المجدية لتكالبوا عليك ومزقوك اربا اربا. غير اني لم ار على وجوه الباعة البسطاء وجمهرة الناس الا الطيبة والسماحة والترحاب ولذلك لم اصدق ما قيل لي..
بعد يومين من ذلك هاجمت الشرطة جماعة المتسولين قرب ساحة عدن في الكاظمية وكان احدهم يلف راسه بكوفية بالية يجلس وبجانبه عصا يجعلها تحت ابطه عندما يقف او يسير للدلالة على انه نصف مشلول ويبدو من منظره كانه عجوز على عتبة الفناء وكان الناس يعطفون عليه اكثر من غيره لما يظهره من بؤس وضعف ويلقون ما تجود به انفسهم من نقود في كفه المرتجفة, يريدون وجه الله تعالى.
يروي شاهد عيان ممن كان يتصدق عليه كثيرا فيقول : عندما هاجمت الشرطة المتسولين لالقاء القبض عليهم , اذا بهذا المجدي يلقي بعصاه بعيدا وبكوفيته ارضا ويقفز كالغزال عندما يطارده السبع, فارا من الشرطة . واذا به شاب قد لا يتجاوز عمره العشرين عاما !! قال الراوي : ذهلت من هول المشهد ولمت نفسي على ضياع نقودي التي نفحت بها هذا الدجال..
ونحن نرى حلا باتجاهين لهذه المشكلة الاجتماعية الكريهة, اولاهما ان يقوم الاعلام المرئي والمقروء بتثقيف الناس وتعريفهم بحقيقة هؤلاء المحتالين وان التصدق عليهم ضياع للمال لا يرضى عنه الله. والثاني القاء القبض على كل متسول مهما كان اسلوبه في التسول ومحاكمته والقائه في السجن لا ان يطلق سراحه. وبهذا ستختفي هذه الظاهرة القبيحة من مجتمعنا وتعود شوارع العراق نظيفة من هؤلاء الدجالين.
حامد جعفرصوت الحرية
https://telegram.me/buratha