نوال السعيد
كل من يقرأ او يستمع لوصية فقيد العراق السيد عبد العزيز الحكيم لايسعه الا ان يتوقف عند مضامينها ومحتوياتها ويتأمل فيها طويلا، وهذا التوقف والتأمل يجعل المرء مذهولا ومشدوها مما يقرأ ويسمع. شخص مبتلى بواحد من اخطر الامراض واشدها فتكا، وهو يصارع ذلك المرض، ويعاني اشد المعاناة، وامله في البقاء على قيد الحياة ضئيلا جدا، وتراه لايفكر بنفسه، ويضع همومه والامه ومعاناته جانبا، ويفكر بهموم ومشاكل والام الناس، وبحاضر ومستقبل بلده.
لايشغله مرضه، ولا العلاج ، ولا ماذا قال الاطباء، ولا فيما اذا كان يعاني من الام المرض ام لا.. بل ان ما يشغله الوضع السياسي والامني لبلده، وضحايا الارهاب والفقراء والارامل والايتام المحتاجين.بالنسبة للانسان العادي هذا الشيء غير ممكن، فمعروف عن الانسان بطبيعته وتركيبته انه يفكر بنفسه اكثر مما يفكر بالاخرين وقبل ان يفكر بالاخرين، وفي حالات المرض والمشاكل والابتلاءات الكبرى تظهر مصاديق هذه الطبيعة البشرية، ويصبح تفكير الانسان منصبا على ذاته، وحتى اقرب الناس عليه ربما يغيبون عن ذهنه وتفكيره.ولكن قليل من الناس يشكلون في سلوكهم ومنهجهم استثناء من هذه القاعدة، بحيث ينسون انفسهم وهم في احلك الظروف واصعبها، وتشغلهم هموم الناس ومشاكلهم.. وهؤلاء الناس القليلين هم الكبار والعظماء، والسيد عبد العزيز الحكيم واحد من هؤلاء، واذا لم يكن ذلك واضحا في حياته فأنه اصبح واضحا الى اقصى درجات الوضوح بعد وفاته، ووصيته خير شاهد ودليل على ذلك..
فكل كلمة وعبارة في تلك الوصية التأريخية تحتاج الى وقفة وتحتاج الى تحليل، وتحتاج الى استنباط معانيها ودلالاتها، فهي وثيقة تأريخية، ومنهج عمل وتحرك، وتحديد وتشخيص لاولويات سياسية ودينية واجتماعية واخلاقية، وليست وصية شخص يملك بيتا وكمية من الاموال ويقول هذا لفلان وذاك لفلان وينتهي الامر.
https://telegram.me/buratha