علي عبدالخضر
منذ ما يقارب الستة أعوام ، منذ التغيير الذي حدث في العراق بدايات سنة 2003 وحتى اليوم ، توالت على البلد أحداثا تاريخية مهمة وبشكل متسارع ، وكأنها تنفيذ لمخطط غيبي اعد لهذا البلد ، يراد له أمر ما ، لا يعلمه إلا الله عز وجل .أحداث اختلفت ردود فعل الجماهير تجاهها ، فبعضها اهتزت لها مشاعر الملايين ، وعبرت أصداؤها إلى أصقاع العالم المختلفة ، والذي يثير اهتمام المتابع ، تظهر هذه الأحداث وكأنها مترابطة كحلقات يكمل بعضها البعض .ومن هذه الأحداث المتتابعة المهمة التي رسمت للتاريخ العراقي المعاصر مسارا جديدا ، هي التي تبدأ من عودة السيد محمد باقر الحكيم ( قدس ) إلى ارض الوطن بعد سقوط النظام الديكتاتوري ، ووضعه للخطوط العامة لسياسة وطنية متوازنة لم تغفل هموم أبناء جلدته من المحرومين والمظلومين ، وتأسيسه للمؤسسات الثقافية والخيرية التي أخذت بالعمل لتساهم بفاعلية كبيرة في رفع عبء المعاناة الطويلة عن كاهلهم ، ومطالبته بحقوقهم المغتصبة ، ومناداته بوضع ضمانات دستورية وقانونية ، تعيد أليهم ما اهتضم من هذه الحقوق ، وتصونها وتصون مستقبلهم ومستقبل أجيالهم ، وفي الوقت ذاته فان شهيد المحراب ( قدس ) فتح صدره الواسع ومد يديه لاستقبال جميع العراقيين ، على مختلف مشاربهم وطوائفهم ، وتبنى خطابا معتدلا ، فأصبح ( رض ) أبا حكيما للقضية العراقية تلجا إليه جميع القوى السياسية والكيانات المختلفة لطوائف الشعب العراقي ، ليحتوي خلافاتهم وينفخ فيهم روح العزيمة من اجل المشاركة الجماعية في إعادة بناء الوطن .ليأتي بعد ذلك حدث استشهاده في زمان ومكان مقدسين ، بعد أن عمل خلال فترة زمنية قصيرة جدا ، لترسيخ أسس متينة ثقافية وسياسية عقائدية ووطنية وإنسانية ، مما جعل حدث استشهاده صدمة اهتزت لها مشاعر الملايين من أبناء الشعب العراقي ، ورغم فجاعتها إلا إنها تجسدت فيها حكمة غيبية ، لعل مما يتضح لنا منها ، أن هذا الحدث كان سببا في شد أواصر الشعب العراقي تجاه المخاطر المحدقة بهم والوعي لها ، وعزز أيضا من تمسك الجماهير بالثوابت العقائدية والوطنية ، التي كان ينادي بها شهيد المحراب ، إضافة إلى انه أوحى بان للسيد الحكيم دورا قد رسمه له الغيب ، أداه بإخلاص ونجاح ليكافأ بشهادة لا ينالها إلا من كانت له حظوة عند الله عز وجل من المؤمنين .ومن ثم تسلم الأمانة العظيمة من بعده السيد عبدالعزيز الحكيم ( رض ) ، وكانت أمانة ثقيلة على قلبه المفعم بالجراح ، المفجوع بفقد شقيقه ورفيق دربه شهيد المحراب ، ومئات العراقيين الأبرياء الذين حصدتهم آلة الإرهاب الحاقدة ..وثقيلة كانت الأمانة على قلبه الذي فجع من قبل برحيل أشقائه الشهداء وأبنائهم من آل الحكيم على أيدي طاغوت زمانه المقبور ، وثقيلة كانت على قلبه الذي أتعبته أيام الجهاد الطويلة ، وثقيلة كانت على قلبه الذي تحمل ظلم الآخرين بصبر الأنبياء ..الأمانة التي تركها شهيد المحراب لشقيقه الأصغر ، أمانة المذهب والوطن والشعب والمستقبل ، تشفق منها الجبال ، وحملها قلب صبر أمام محن تجاذبات السياسيين وطموحاتهم وتناقضاتهم ، وصبر أمام تقصير الآخرين أو قصورهم ، من اجل مصلحة عليا ، هي صون الأمانة العظيمة ، فكان خبر الإعلان عن الإتلاف العراقي الوطني ، الذي بذل جهود مضنية مع أبنائه وإخوانه المجاهدين في سبيل إنجاحه ، من اجل وحدة العراق وسيادته وصون مستقبله ، يستقبله بدموع الفرح الحارة وهو على سرير المرض ، الذي كان نهاية لجسد لم يستطع أن يحمل روحا عظيمة حملت كل هذه الهموم ، دموع هي حلقة أخرى من حلقات تراجيديا ( العراق الوطن ، والعراق المحبة ، والعراق الشهادة ، والعراق الشعب الطيب ، والعراق آل الحكيم ) .. لتستمر الأحداث التي ستجعل منه عرافا عظيما بدماء وجهاد أبنائه .
https://telegram.me/buratha