مقال لوزير الخطيط علي بابان
في كل إقتصادات العالم هنالك توصيف... وتعريف للإقتصاد المحلي فهذا إقتصاد سوق... أو إقتصاد حر مفتوح وهذا له ملامحه.. وعناصره المفتوحة.. وذاك إقتصاد إشتراكي موجه.. له صفاته المعلومة.. وثالث مختلط يعطي دوراً للدولة في التوجيه والتسديد ويترك مساحة أكبر للنشاط الخاص... وبالتأكيد هنالك انماط عديدة هنا وهناك لكنها لا تخرج عن الأنماط الأساسية السالفة الذكر...العراق وبعد التغيير في عام 2003 شهد جنوحاً.. وجموحاً نحو إقتصاد السوق.. والنظام الحر المنفتح وكان هذا الجموح مفهوماً إلى حد كبير فبعد عقود من النظام الشمولي.. المنغلق.. الذي يقيد حرية الإقتصاد ويجعل الدولة وصية على كل شيء.. لابد أن يحدث رد الفعل بالإتجاه المعاكس ففي الإنسان جوع فطري للحرية.. ونزوع أصيل نحوها.. كما أن نتاج التجربة السابقة لم يكن مشرقاً وحصيلتها كانت متواضعة.. وجاء الدستور ليستوعب هذا الواقع ويجسده في مواد دستورية حسمت أمر إنتماء الإقتصاد العراقي لمعسكر الحرية.. والإنفتاح.. ومنطق السوق لكن ما الذي حدث بعد ذلك...؟؟بقيت الأوضاع والهياكل والممارسات كما هي ولم تتبدل... بقى التدخل الحكومي وازداد تعقيداً وشراسة وإعاقة.. وجاء الفساد ليشكل (ثالثة الأثافي) ... فتحت الحدود والمنافذ أمام شتى أصناف البضائع والمنتجات من دول الجوار وغيرها حتى لفظت صناعتنا وزراعتنا انفاسها أوكادت تحت وطأة المنافسة غير المتكافئة...بقى القطاع الخاص قزماً صغيراً غير قادر على الوقوف على قدميه... أما النظام المصرفي والسوق المالية والشركات العراقية الصغيره فهي عبارة عن لافتات بلا مضمون... دور الدولة مازال فاعلاً والمصانع الحكومية التي تحولت إلى (حديد خردة) اضيف لها الآلاف المؤلفة من العاملين الذين يتقاضون رواتبهم بلا إنتاجية باعتبارهم جزءاً من (إرث الإشتراكية) التي يفترض أن الدولة غادرتها إلى غير رجعة... الزراعة العراقية التي حلمنا بقدوم الإستثمارات والتقنيات الحديثة لها تراجعت بشكل غير مسبوق والأسباب عديدة...التخلف لا هوية له.. والإقتصاد المتراجع يصعب تعريفه.. وعندما تتعطل الماكنة الإنتاجية في مجتمع ما يتعذر أن تضع تصنيفاً له.لم يعد العراقيون يكترثون أن يصنف إقتصادهم حراً أو موجهاً لأن معاناتهم هي.. هي.. لم تتبدل لا بل انها تعاظمت مما جعلهم في حيرة من أمرهم ودفعهم للتساؤل: هل يعقل أن يكون الإقتصاد الشمولي.. الموجه أكثر كفاءة مما يطلق عليه ( إقتصاداً حراً..)...؟!النموذج الفوضوي هو الصيغة الأقرب إلى الوضع الإقتصادي العراقي اليوم فلا يصح مطلقاً أن نصف الإقتصاد بصورته الراهنة بأنه إقتصاد حر لأن الحرية التي لا تقود إلى النمو.. أو الإزدهار والرخاء لا يمكن أن تكون حرية حقيقية بل هي أقرب للفوضى.. وفي ظل الفوضى لا يمكن أن يتحقق البناء.. لا بل أنه مع الفوضى تضيع المكاسب السابقة ونكون أقرب إلى حالة الهدم.. والضياع..عندما نريد أن نبنى إقصاداً حراً في بلادنا فعلينا أن ندرك بأن ذلك يستلزم وجود قطاع خاص قوي ونشط.. ومؤسسات مالية ناضجة... وقاعدة إنتاجية واسعة... ونظام تشريعي عادل وفاعل.. وقدرة على المنافسة.. وبدون هذه العوامل يتعذر بناء إقتصاد السوق كما يصعب إستحصال ثمرات ومكاسب النموذج.ينبغي ( فض الإشتباك ) إن صح التعبير في الإقتصاد العراقي الذي لا يمكن له أن يضع قدماً هنا.. وقدماً هناك لأن هذا يعني ضياع البوصلة.. والعجز عن السير في إتجاه واحد.. وفي خط صاعد.. الصورة الضبابية.. والمشوشة ألتي نحن عليها الآن لن تعود على الإقتصاد العراقي بالخير، والنموذج الفوضوي لا يمكن له أن يستمر لأن ثمن استمراره سيكون باهظاً وسيؤدي إلى دوران الإقتصاد العراقي حول نفسه مما يعني ضياعاً في الزمن والموارد.لا يمكن لنا أن نصف إقتصادنا المحلي بأنه ( مختلط..) لأن الإقتصاد المختلط يعني دوراً حكومياً نشطاً وفاعلاً يقوم بمهمة التوجيه والدفع في الإتجاهات المطلوبة كما يستلزم دوراً متعاظماً للنشاط الخاص يكون قادراً ومؤهلاً على القيام به، أما النموذج الفوضوي فهو يعني درواً متخلفاً ومعيقاً للدولة ودوراً ضعيفاً وهزيلاً لقطاع خاص غير قادر على الوقوف على قدميه، وشتان مابين الإقتصاد المختلط حيث الدور الإيجابي لكل من الدولة والنشاط الخاص، والإقتصاد الفوضوي حيث الدور السلبي لكليهما...البحث عن ( وصف ) أو ( هوية ) للإقتصاد العراقي يعني تحديد المسار... وإمتلاك البوصلة.. وحسم الخيارات.. وهي إعتبارات أساسية لأي إقتصاد في العالم.
وزير التخطيط العراقي علي بابان
https://telegram.me/buratha