المقالات

الدولة ومقومات النهوض الحضاري

879 13:46:00 2009-09-14

حسن الهاشمي

حسن العدل وقبح الظلم طالما تغنى بهذا الشعار العادل والظالم، والحقيقة التي لا غبار عليها في تبيين الصادق من الكاذب لمداليل ومصاديق هذه القاعدة الإنسانية النبيلة تكمن في العمل وتطبيقها على مفردات الحياة الإنسانية الشاملة، وبما أن الدولة هي التي تحافظ على أمن واستقرار وتطور العباد والبلاد، وبما أن النظام الذي تضعه الدولة هو الذي ينبغي أن تدبر فيه الأمور من حياة آمنة وهادئة يتوخاها الجميع وكذلك ينبغي أن تتطلع الأمة نحو العيش الرغيد في ظل دولة عادلة لاسيما إذا ما انبثقت من رحم الجماهير عن طريق الإنتخابات الحرة والنزيهة، فإن من حق الأمة على الدولة أن تتمتع بموجبات التقدم والتطور لأنها الغاية القصوى من الممارسة الديمقراطية التي تتفتح فيها الكفاءات وتتفتق فيها المؤهلات وتتاح الفرص للجميع من دون فرق في لون أو جنس أو قومية أو دين أو مذهب، فالكل سواسية أمام القانون الذي يفرض سيطرته استنادا إلى حق المواطن في العيش برفاه في وطنه من دون أية منغصات تقيد حريته طالما لم توجب الضرر على الآخرين أو على النفس، ومن حق الدولة على الأمة احترام القوانين وتأدية الواجبات التي تصب في تقويتها وفي كافة المجالات. فالأهداف التي تتوخاها الدولة المتكونة من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تنقسم إلى أهداف وجودية: بمعنى الضرورات التي ينبغي أن تقوم لأجلها الدولة، وأهداف تنموية: بمعنى تلك الأهداف التي ينبغي على الدولة أن ترعاها للمجتمع الذي تحكمه، والتي بموجبها تقوم بوضع الأسس العلمية الرصينة في التنمية المستدامة والتركيز على تطوير البنى التحتية في الاقتصاد والصناعة والزراعة والخدمات التي فيها تكريس الثقة بين المواطن والدولة وتوثيق التعاون والتواصل فيما بينهما، وعلى هذا فالمفروض على الدولة الناجحة أن تقصد أهدافا أربعة هي:الأول: إرساء النظام في المجتمع، لأن به تحفظ الأموال والحقوق والنفوس والأعراض والقيم التي هي من أهم المصالح الاجتماعية والعقلائية.الثاني: حفظ العدل، وقد دل على وجوبه الأدلة الأربعة، أما العقل فلاستقلاله بحسن ذلك، وأما الشرع فلأنه قوام الرعية وجمال الولاة، وقد ورد الأمر به في جملة من الآيات والأحاديث نذكر منها قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان.( النحل: الآية90). وأما الأحاديث ما ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب: ثلاث إن حفظتهن وعملت بهن كفتك ما سواهن، وإن تركتهن لم ينفعك شيء سواهن، قال: وما هي يا أبا الحسن؟ قال عليه السلام: إقامة الحدود على القريب والبعيد، والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود، قال عمر: لعمري لقد أوجزت وأبلغت.( الوسائل: ج27ص212ح33619).الثالث: توفير الرفاه للجميع بمقتضى كونه من أهم الغايات العقلائية التي ينبغي أن تتوخاها الدول، كون الدولة حامية لحقوق الناس ومتصرفة فيما لهم حق فيه من المال والثروة وفرص العمل.الرابع: التقدم بالمجتمع إلى الأمام، وهذا هو مقتضى الإرتكاز العقلائي في هدفية العقلاء في الأمور، وجاء في الأحاديث: من لم يعرف زيادة في نفسه فهو في نقصان، ومن استوى يوماه فهو مغبون.( البحار ج75ص327ح5). فيستقل العقل في الأول والثاني بالأولوية القطعية على لزوم التقدم وبذل الوسع في سبيله.ولا يخفى أن الشخصية الحقوقية للدولة قررها العقل والمنطق والدين، ولعل قوله تعالى: ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها.(الأعراف: الآية56). ونحوه يشير إلى ذلك، ومن هنا فإن اللازم على الدولة تحري الغرض الصالح لحفظ مصالح الأمة والتقدم بها إلى الأمام، وجعل القوة وسيلة للعدل والمساواة في موازينها العادلة، وهذا هو المنطق الناجح في تطور الأمم في الأنظمة الجماهيرية وهو تسخير القوة في فرض الأمن ومن ثم تحقيق العدل في أوساط المجتمع، خلافا للأنظمة الديكتاتورية حيث أن القوة تستخدم غالبا لحفظ امتيازات الزعيم الأوحد ومن يدور في فلكه وما عداهما فهو خائن للأرض والوطن وعميل للدول الاستعمارية، ولهذه التبريرات فإن الديكتاتور يعطي لنفسه مسوغا لسجن مناؤييه وتعذيبهم وقتلهم وتشريدهم، حيث يصور للأمة أنه محور العدل من والاه فله الحظوة ومن عاداه فله الكبوة، يتحكم بمصائر الناس بالحديد والنار ويقضي على كل صوت حر يريد الإنعتاق من الظلم والجور والفساد، ولا يمكن القضاء عليها إلا بالنظام المؤسساتي المنبثق من رغبة الجماهير في انتخاب من هو مؤهل في ترسيخ موجبات العدل التي تتجلى في ثلاثة أمور:أولها: كون الهدف مطابقا للعقل والمنطق، وذلك بأن تكون الدولة مراعية لموازين الحكمة، فتعمل بالحسن في كل الشؤون ، وتجتنب القبيح، فيوجب عملها حفظ الأنفس والأعراض والأموال للكل، فلا استبداد ولا اعتباط ولا ترفيع أو تخفيض لفرد أو لجماعة من دون موازين، أو على حساب الآخرين، ومن خرج عن القانون العقلي والشرعي في الدولة المتشرعة عوقب بقدر خروجه بحسب ما يقتضيه العقل والقانون.

ثانيها: أن يتجه الهدف الصالح في الدولة لصالح المواطن، وذلك يظهر في:أ‌- تأمين المأكل والمشرب والمسكن والملبس والمركب والدواء والزواج ونحوها من الحاجات المادية والنفسية.ب‌- حفظ حقوقه بعدم تعدي الآخرين عليه، سواء كان المتعدي من الخارج كالدولة الأجنبية أو من الداخل كالسراق ومن إليهم.ت‌- تهيئة وسائل الإنماء والتقدم بما يكفل النهوض به، فقد قال أمير المؤمنين في حكمة بعثة الأنبياء: ليثيروا لهم دفائن العقول.( نهج البلاغة: ص43 الخطبة1). ويدل على ذلك بالإضافة إلى العقل جملة من الأدلة الشرعية، فإن خلاف ذلك تضييع للموازين، وقد ورد عن الرسول: ملعون ملعون من ضيع من يعول.(الكافي: ج4ص12ح9).ثالثها: أن يتجه الهدف الصالح للدولة لصالح الجماعات أيضا، سواء كانت جماعات سياسية أو إقتصادية أو ثقافية أو صحية أو غيرها، فالدول ينبغي أن تراعي القانون وحقوق الإنسان والعدالة والرفاهية وحسن التدبير ورعاية النظام وتقدم الأمة وغيرها من المبادئ التي تتكون منها الدولة الصالحة، وتحظى بالمشروعية عند العقلاء، كما أنها ستكون بهذه المبادئ طريقا لتقويم الأمة الرشيدة الصالحة المتقدمة في الحياة.

النظام الذي يسوده العدل والإحسان هو نظام يعيش أبناءه موجبات التطور وأنه يكدح دائما وأبدا لجلب السعادة لجميع طبقات المجتمع، وأهم من ذلك كله حالة التعاطي والتواصل بين ذلك النظام ومن يعيش في كنفه وما يعتورهم من ثقة متبادلة تنتج كل ما ينفع ويأخذ بيد الجميع نحو الرفاه والتقدم من دون امتيازات لجهة على حساب أخرى ولا انحياز لفئة دون أخرى، بل وكما أسلفنا إن وسائل التقدم متاحة للجميع على أساس المواطنة والولاء للوطن لا لغيره من الاعتبارات الأخرى التي هي مقدسة على نطاق الممارسات الشخصية دونما إقحام لها في مجالات الحياة المختلفة، وهذا ما يتيح للدولة من إنشاء المؤسسات الثقافية والمكتبات العامة والجامعات والمختبرات العلمية وغيرها من وسائل إثارة دفائن العقول، لترفد الدولة بجيل مثقف يدافع عن مكتسبات المجتمع الذي يعيش فيه وعن مقومات سلوك الدولة في السير بالاتجاه الصحيح، وتأسيس دولة المؤسسات التي تقدس وتدافع عن الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عن لونه ودينه ومذهبه إضافة إلى ما يرفد مسيرة التنمية والعدالة من مقومات النهوض الحضاري.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك