خيون العكيلي
منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 ولغاية الان نتابع تصريحات وادعاءات غير واقعيه بعضها للأسف من مختصين في الموارد المائيه حول اعادة الاهوار. و لاحضنا ظهور كتاباتفي دوريات أجنبيه وأنعقاد مؤتمرات لأعادة جنة عدن (الاهوار), ولم يتطرق أحد ويوضح لنا كبفية توفير الموارد المائيه اللازمه لاعادتها في وقت يعاني فيه العراق من شحه مائيه خطيره. بغض النظر عما يدعيه البعض من ان الاهوار مشروع بيئي حيوي فأن الاهوار, وحسب دراسة الموازنه المائيه للعراق والتي وضعت في سبعينات القرن الماضي من قبل خبراء سوفيت وعراقيين, تعتبرجزء من منظومة السيطره على فيضانات نهري دجله والفرات وبالخصوص فيضان المائة سنه. وهذا يعني ان دراسة الموازنه المائيه العراقيه لم تخصص أي حصه مائيه لأدامة الاهوار بل ان المياه التي كانت تغذي الاهوار في تاريخنا الحديث هي موجات فيضانيه يتم توجيهها الى الاهوار لتلافي غمر المدن والقصبات والأرضي الزراعيه. السؤال الأن : هل من المتوقع حصول موجات فيضانية كبيره في حوضي دجله والفرات بحيث يطلق فائض مائي يكفي لأعادة الأهوار الى كما كانت عليه في عام 1974 مثلاً ؟ وجواباً على هذا السؤال لايمكن الجزم بذلك حيث توجد أحتماليه ولو صغيره جداً بأن تحصل موجات فيضانيه كبيره لايمكن السيطره عليها وسيضطر مشغلوا الموارد المائية الى أطلاق تصاريف مائية تغمر مناطق الأهوار. أما الأحتمال الأكثر واقعية واللذي هو اساس التخطيط الشامل للموارد المائية فأن نهري دجلة والفرات مسيطر عليهما بالكامل من قبل الدول المتشاطئه (تركيا-سوريا-عراق). حيث قامت هذه الدول وخصوصا تركيا لأنشاء منشأت خزنية وتنظيمية وأروائية تكفي لأستيعاب تصاريف معظم الموجات الفيضانية المتوقعه. وبهذا يمكن القول بأن وظيفة الأهوار كمشروع فيضاني قد أنتهت.
في بداية التسعينات وبعد الانتفاضه الشعبانيه بدأ نظام صدام عملية تجفيف الاهوار من خلال مجموعة اعمال هندسيه واروائيه الهدف منها أيقاف تحويل اي مياه, وتحت اي سيناريو فيضاني, الى الأهوار ولأهداف سياسيه وانتقاميه معروفه. وقد نجح فعلا في ذلك. ومن الجدير يالذكر ان العراق بصوره خاصه ودول المنطقة بصوره عامه تعرضوا الي موجة جفاف شديده للأعوام 1997الى 2002. موجة الجفاف هذه كانت كافيه لتجفف الاهوار عدة مرات لو لم يقم صدام بتجفيفها. بعد سقوط النظام طرح البعض من الأختصاصيين العراقيين المغتربين وبدعم من قوات التحالف وبعض الدول والبرنامج البيئي لللامم المتحده موضوع اعادة الاهوار ضمن مشروع شامل وطموح لتنمية المنطقه . وقد عقدت الؤتمرات والدورات التدريبيه والندوات وتم صرف الملايين من الدولارات على هذا المشروع والذي للاسف يعتبر مشروعا غير واقعيا لسبب بسيط هو عدم توفر المياه الازمه لاعادة الاهوار. وعندما تبينت هذه الحقيقه اي حقيقه عدم توفر المياه اللازمه لأعادة الأهوار, بدأت الدول التي ساندت المشروع وقامت بتمويله كأيطاليا واليابان بأيقاف دعمها المادي للمشروع . لكن للأسف لازالت الحكومه العراقيه متمثله بوزارات الموارد المائية والبيئة وشؤون الاهوار وبدعم من بعض الاختصاصيين المغتربين مصرين على موضوع اعادة الاهوار وتنميه المنطقه وتبذير الاموال على مشروع ليس له وجود الا في خيالهم.
إن واقع الموارد المائيه في العراق متمثلا بنهري دجلة والفرات واقع مأساوي في الوقت الحاضر وينذر بكارثة مائية في المستقبل بسبب ما تقوم به تركيا بالدرجة الاولى وسوريا بالدرجة الثانية في السيطره على مياة النهرين في الاعالي وتحويلها الى خزانات مائيه هائله بلغ عددها في تركيا وحدها 22 خزان ضمن مشروع ما يسمى جنوب غرب الاناضول (الكاب). مشروع الكاب بدأ في الستينات وأنجز في معظمه في التسعينات من القرن الماضي. السعة الخزنيه لمشروع الكاب على نهر الفرات فقط تتجاوز التسعين مليار متر مكعب وهي أكثر من ثلاثة اضعاف المعدل السنوي لواردات النهر الكليه. لقد قامت تركيا بأنشاء مشروع الكاب الضخم دون الاخذ بنظر الاعتبار حاجة العراق المائية أو التنسيق مع الحكومات العراقية المتعاقبة.
في أواخر الثمانينات من القرن الماضي وقعت سوريا وتركيا وبدون العراق بروتوكولاً مائيا تعهدت تركيا بموجبه بأطلاق 500 مترا مكعبا بالثانية من المياة في نهر الفرات عند نقطة الحدود السوريه -التركيه دون الأشارة لنوعية هذه المياة أو درجة ملوحتها. أي أن بئامكان تركيا وبموجب هذا الأتفاق أن تحول مياه رديئة النوعيه الى سوريا والعراق. وبعد سنتين تقريباً من توقيع هذا البروتوكول تم توقيع بروتكولاً بين سوريا والعراق وزعت بموجبه هذه ال500 متر مكعب بنسبه %60 للعراق و %40 لسوريا دون الاشارة الى نوعية المياة أيضاً. وللعلم أن هذه الكميه من المياه لا تلبي ثلث الأحتياجات المائية العراقية على نهر الفرات. إما بالنسبه لنوعية المياة التي تطلقها تركيا فقد أثبتت الأحداث أن معضمها يأتي من ما يسمى بالراجع الاروائي أو بتعبير أدق من مياة البزل الزراعي.
لا أريد أن أستبق الاحداث ولكن الوقائع تشير الى أن النقص في التصاريف المائية الداخله الى العراق في نهر الفرات ادى الى تدهور نوعية مياة النهر بشكل خطير وخصوصاً في أقسامه الجنوبية. فمياة النهر وأبتداءاً من شمال مدينة السماوه رديئة النوعية( عالية الملوحه) وغير صالحة للشرب أو الزراعة. وأن جزء كبير من تصاريف النهر الداخلة الى محافظتي السماوه والناصرية وثم شط العرب هي مياة بزل زراعي. بالرغم من أن السبب الرئيسي لتدهور نوعية مياة نهر الفرات الداخلة للمحافظات الجنوبية هو نقص الواردات المائية الداخلة الى العراق الا أن تلكؤ وزارة الموارد المائية في تنفيذ مبزل الفرات االشرقي أدى الى تفاقم المشكله لان تنفيذ هذا المبزل وربطه بالمصب العام سيحول مياة البزل التي تصب في نهر الفرات حالياً الى المصب العام الأمر الذي سيؤدي الى الحد من مشكلة الملوحه في نهر الفرات ولو بشكل جزئي.
أما نهر دجله فأن مياهه ملوثه من الناحية الفعليه مؤخر سدة الكوت. أن مستوى ملوحة مياه دجله في مدينة العماره أعلى من المستوى المسموح به للأستهلاك المنزلي ( وهو 1000 جزء بالمليون حسب المواصفه العراقية) في معظم أوقات السنه. وهذا يعني أن سكان محافظة ميسان أبتداءاً من شيخ سعد وحتى القرنه لاتتوفر لهم المياه الصالحه للشرب حسب المواصفه العراقية (المذكوره أعلاه) لهذه المياه وهي أعلى من المواصفه العالميه (المواصفه العالميه حددت ملوحة المياه الصالحه للشرب ب 500 جزء بلمليون أو أقل).
بناءا على ما تقدم (وهو مختصر لواقع الموارد المائية) فأن أيجاد أو تخصيص حصة مائية لأعادة الاهوار وأدامتها يعتبر ضربا من الخيال. أن الاهتمام يجب أن ينصب أولاًعلى تحسين نوعية مياه نهر الفرات في الجنوب ليتمكن أهالي ثلاث محافظات عراقية هي السماوه والناصريه والبصره من أستغلال النهر للشرب والزراعة. حيث أن حرمان هذه المحافظات من المياه العذبة أمر غير مقبول ويعتبر تقصير من جانب الحكومة العراقية. أن الحكومة العراقية مدعوة لأتباع كل الوسائل السلميه وحشد المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة للضغط على تركيا وأجبارها على أطلاق ما يكفي من المياه ذات النوعبة الجيدة لتلبية أحتياجات العراق المائيه خصوصا في الجنوب وكذلك تلبية متطلبات المحافظه على بيئة نهر الفرات. وفي هذا الصدد فأن الدراسات تشير الى الحاجة الى أطلاق ما يقارب ال180 متر مكعب في الثانية في النهر للمحافظه على أيكولوجية النهر. أن هذه الكميه من المياه تعتبر حصة النهر ولا يسمح لأي مستفيد أن يستخدمها بل تذهب الى الخليج لتساهم أيظاً في تحسين نوعية مياه شط العرب. وهذا ما يطلق عليه علمياً الجريان البيئي. أن تركيا وسوريا والعراق ملزمين وحسب القوانيين الدولية بالمحافظه على بيئة صحية لنهر الفرات.
أما الموضوع الثاني الذي يجب التركيز عليه فهو تنفيذ المشاريع الاروائية والتي لها حصه مائية ضمن الموازنه المائية العراقية كمشروعي شرق وغرب الغراف في الناصرية ومشروع شنافية-ناصرية والذي يمتد من الديوانية الى الناصرية ومشوع كوت-بتيرة والذي يمتد من الكوت وحتى العمارة ومشروعي العمارة وشط العرب اللذيان يغطيان المناطق الزراعية بين العمارة والبصره. أن هذه المشاريع ذات أهميه بيئية وأقتصادية قصوى بالنسبه للجنوب وتشكل لبنة البنية التحتية للمنطقة. هذه هي التنمية الحقيقية التي يجب أن تركز عليها الحكومة العراقية بدلا من هدر الأموال في ما يسمى أعادة الأهوار. وأن نركز على رفع المستوى المعيشي والصحي لسكان الأهوار الذين هجرهم وشردهم نظام صدام حسين بأن تدفع لهم تعويضات مادية مناسبه عن الأضرار التي لحقت بهم. والتوقف عن صرف الملايين في فنادق عمان وتركيا ودول أخرى لمناقشة موضوع أعادة ألأهوار. لو كان الماء موجودآ فلنقدمه الى أهل البصره والفاو والناصريه والسماوه وباقي مدن الجنوب المحروم ليرووا عطشهم. وأخيرآ نصيحتي الى مجلس محافظة ذي قار بأيقاف العمل بمشروع تحويل مياه المصب العام الى هور الحمار لأن هذا العمل سيقضي والى الأبد على ما تبقى من بيئة الهور.
خيون العكيلي
مدرس الهيدرولوجي الجامعة المستنصريه
مجاز دراسيا في الوقت الحاضر
https://telegram.me/buratha