قاسم العجرش
(تواطن) الناس على أمر بمعنى قبلوه وأشتركوا به، و لغة (تواطن) تعني كما يقول اللغويين: المطاوعة، وبذا فإن مفهومها الدلالي يتعدى الى القواسم المشتركة بين عناصر شعب أو أمة تقطن رقعة جغرافية محددة، وبذا أيضا فأنها تعني العوامل التي تضمن التعايش بين الوحدات الأجتماعية التي أساسها الفرد الذي يعتبر الوحدة الأجتماعية الأولى في سلسلة التكوين الأجتماعي، والمواطنة كمفهوم متكامل هي منظومة متكاملة من حقوق وواجبات، وهي ليست رغبة أختيارية، مثلما هي ليست مظهرا قسريا، وليس بيد الأنسان أن يرفض أن يكون مواطنا، مثلما ليس بالأمكان أجباره على أن يكون مواطنا، وهذه ليست أحجية أو لغز، فالمواطنة شعور عميق، قبل أن تكون عنوان رسمي، وعلى الأرض تتحول المواطنة من مشاعر الى وثائق، أنها عقد أنساني بين الفرد والوطن، عقد يشبه في الكثير من أوجهه تلك العلاقة التي يصعب تفسيرها بين الأم وطفلها، الوطن أم والطفل مواطن...
وللمواطن حقوق على الوطن، مثلما عليه تجاه الوطن التزامات، غير أن المشكل كان في كيفية إبرام هذه العلاقة التبادلية، في البدء كانت العلاقة بين المواطن والوطن علاقة مبهمة، لأن معنى الوطن كان مبهما، مثلما لم تكن للوطن حدود واضحة، وبعد نشوء الأنظمة السياسية وبناء أنظمة حكم، كان لابد من ترتيب العلاقة بين المواطن والوطن.والى عصر قريب أختصر الوطن بالنظام، وصار معنى الولاء للوطن ينحصر بالولاء للنظام، وأختلت بذلك العلاقة الحميمة بين الأنسان والأرض، وتحولت الى علاقة بين الأنسان المحكوم والأنسان الحاكم، وبالحقيقة فأن الحاكم صار هو الوطن، أما تتذكرون الشعار الذي رفع في عصر صدام(الله ـ الوطن ـ القائد)؟ فلم يكتف الحاكم أن يقرن نفسه بالوطن، بل تجاوز ذلك الى أن يقرن نفسه بالخالق جل في علاه، وهو إقتران جبروتي أفرغ المواطنة من محتواها تماما وحول الشعب الى عبيد..المواطنة علاقة تبادلية قوامها عطاء متبادل، المواطن يعطي (كل) ما بوسعه للوطن وبضمن ذلك دمه عند الإحتياج، والوطن يعطي للمواطن (كل) ما يستحقه ومايمكنه من أن يعيش عيشة كريمة...
وفي مفهوم الرعوية علينا ان نخرج من علاقة الأمومة آنفة الذكر الى علاقة الأبوة، ففي مفهوم الرعوية يصلح توصيف الوطن بأنه أشبه بالأب، وان المواطنين هم أبناؤه،ولم نقل أن الوطن أم، ترى هل هو غمط للأمومة حقها العظيم؟ أم أن الوصف لا ينطبق فعلا؟ ، الحق اقول أن لا غمط للأمومة فالوطن أب لأنه يرعى، والأم أم لأنها تربي، والرعاية شأن يختلف عن التربية، والرعاية مستلزماتها واداواتها غير مستلزمات وأدوات التربية، والمواطنين يوصفون دوما بأنهم رعايا الوطن الذي يتخذونه مقطنا، والرعوية بعض من حقوق المواطنة، هي الهوية التي يحملها المواطن فتميزه عن غيره من بني البشر، فنقول فلان عراقي مثلآ لأنه إبن العراق وآخر من بوركينا فاسو لأنهه من ذاك الوطن، والرعوية لا تعني أن الوطن مرعى فتسرح (قطعان) البشر ترتع في خيراته كما يحاول بعض من سياسيينا الإيحاء به، بل الرعوية رابط تعاهدي بين المواطن وموطنه الذي يغني له نشيد موطني سالما منعما !...
إن اختلاف الأطروحة وعدم العمل من قبل التيارات السياسية باتجاه تغليب المصالح الوطنية العليا على المصالح، الحزبية كانت أو الفئوية أو الشخصية حتى، وعدم البحث عن مشتركات عملية وفكرية كان عاملا مهما يكمن دوما تحت السطح ليخرجه الراغبون بتازيم الوضع لتحقيق مآربهم على اختلاف مشاربهم، وخلافا لما يفترض أن يكون، فان عامل الزمن عمل يعمل بالاتجاه السلبي إذا لم يكون الوطن أولا هو السائد كشعار وكفعل، إذ بدلا من ان يعمل الزمن على تفكيك عوامل الخلاف ساهم بتكثيفها لان الذين يعملون بالشأن السياسي ومن كل المكونات، وان كان ذلك بدرجة متفاوتة لم يولوا الموضوع العناية المستحقة بل أنهم تجاهلوا ضرورة قبول اختلاف الأطروحة أساسا كمقدمة لقبول الآخر وتفهم رايه، ومن البديهي فان تجاهل الاختلافات يحولها بمرور الزمن إلى خلافات تحتاج عظيم جهد حتى يمكن تجاوزها.
https://telegram.me/buratha