عامر هادي العيساوي
إن هناك سياقين مختلفين ومتناقضين تماما للعمل السياسي في العراق يعتمد الأول منهما على العمل الحزبي في الأوساط الشعبية من خلال التبشير لعقيدة سياسية ومنهج فكري وبرنامج عملي من اجل انتقاء العناصر المناسبة القادرة على النهوض بتلك المهمة وفق شروط وضوابط متفق عليها أملا في انجاز عملية التغيير او الثورة, وغالبا ما كان هذا النمط من العمل السياسي سريا وفي ظروف صعبة للغاية.أما النمط الآخر فهو اعتماد مجموعة من السياسيين الذين نجحوا بالوصول الى السلطة في غفلة من الزمن او عن طريق الانقلابات العسكرية إلى السلطة نفسها وما توفره لهم من امتيازات ومكاسب في تجييش المؤيدين والمطبلين والمزمرين ليس بهدف النهوض بالبلاد والعباد وإنما بهدف الحفاظ على السلطة والاستمرار بها.لقد لجا غير المأسوف على رحيله المقبور صدام حسين كما يعلم الجميع إلى هذا السياق حيث راح يجيش الملايين من العراقيين مستخدما أموالهم ومستغلا انفراده المطلق بالسلطة الى الحد الذي اعتبر فيه جميع العراقيين (بعثيون وان لم ينتموا) والى الحد الذي بايعه فيه العراقيون بنسبة 99%.ان ما يميز الولاء للحاكم بهذه الطريقة هو الكذب والنفاق والخداع والاستعداد للانقلاب عليه في الوقت المناسب وهذا ما حدث فعلا حين ارتد المنافقون ضعاف النفوس عن صاحبهم عندما دارت عليه الدوائر وهم الذين طالما سهلوا وزينوا له ارتكاب ابشع الجرائم من قتل وتعذيب ومقابر جماعية.ولم يكن استخدام السلطة لتجييش المنافقين من بنات أفكار صدام حسين وإنما هو عمل مارسه الكثيرون قبله ولكنه بالغ في استخدامه كثيرا.ونتيجة لهذا المرض العراقي بالسياسة تكون بمرور الزمن في العراق جيش من ضعاف النفوس من الوصوليين والانتهازيين والمتسولين الواقفين دائما على أبواب الحاكمين أملا في الحصول على الساقط من فتات موائدهم مقابل مسح الأكتاف والتهليل والتطبيل حتى إذا شعروا بضعف صاحبهم وقرب مغادرته السلطة انقلبوا عليه ولعنوه وراحوا يراقبون الحاكم الجديد حتى اذا استتبت له الأمور هرعوا نحوه كالجراد وتسابقوا الى بابه كي يهتفوا له بالحياة وبالموت لمن سبقه. ونتيجة لهذا المرض العراقي أيضا أصبح التغيير في العراق لا يطال إلا هرم السلطة او الحاكم الأول وزبانيته اما المتنفذون فهم باقون أنفسهم منذ العهد الملكي ولحد الآن بعد قيامهم بتبديل أديانهم ومعتقداتهم وفقا لمقتضيات مصالحهم واديان ومعتقدات حكامهم.ونتيجة لهذا المرض العراقي وللمرة الثالثة غابت الروح الوطنية وغاب الإخلاص وغابت إرادة البناء والتغيير لان الهدف لم يعد خدمة المجتمع وإنما البقاء في السلطة بغض النظر عن الوسائل وهذا ما يفسر الفساد الإداري والمالي المتفشي في جميع مفاصل الدولة العراقية.وفي التاسع من نيسان عام 2003 سقطت الى الأبد عهود التخلف وتحطمت والى الأبد الكثير من المعادلات الجائرة وتعددت مراكز القوى وظهرت مئات الأحزاب وأصبح أمر الانفراد بالسلطة في العراق أمرا مستحيلا ولم يعد أمام القوى السياسية العاملة في الساحة العراقية لكي تنال ثقة الشعب سوى تقديم أفضل البرامج من اجل بناء العراق الجديد.ولكننا مع الأسف الشديد فوجئنا من قبل حزب الدعوة الإسلامية ذلك الحزب العريق الذي ارتبط اسمه بالام وآمال وتضحيات العراقيين لعقود طويلة فما من عائلة عراقية إلا وقدمت واحدا او أكثر من أبنائها على مذبح الحرية متهما بالانتماء الى حزب الدعوة (العميل)كما كان يسمى ليحارب بعد ذلك كافة أبناء تلك العائلة حتى الدرجة الرابعة, أقول لقد فوجئنا بان يفتح هذا الحزب العريق بابه على مصراعيه لاستقبال جيش باعة الولاء الزائف والمؤقت من المستعدين لبيع العراق بما فيه من مقدسات وقيم ومبادئ بثمن بخس دراهم معدودات وفي نفس الوقت استبعاد كافة العناصر المضحية والصابرة لأنها ببساطة ليست مستعدة للتسكع أمام أبواب الحاكمين سواء أكانوا طغاة كصدام حسين او دعاة كالسيد نوري المالكي.اننا في الوقت الذي نبارك فيه انبثاق قائمة دولة القانون لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة إلا أننا واثقون تماما من ان الكثير ممن يتظاهرون اليوم بالولاء التام والمطلق لحزب الدعوة الإسلامية والذين يتواجدون الآن على مقربة من السيد المالكي وفي الحلقات القريبة جدا منه إنما هم من رجال العهد القديم بل هم من رجال كافة العهود القديمة ولو شئنا لذكرنا أسماء الكثير منهم ممن هم مطلوبون للشعب العراقي وممن هم يستغلون اليوم مناصبهم ليس فقط من اجل تقويض حزب الدعوة الإسلامية وإنما التجربة العراقية من جذورها ,إننا مطلعون على مجالسهم الخاصة ونعرف كيف يفكرون.ان هذه الإشكال التي تتسلل اليوم الى قائمة دولة القانون ستنقلب على تلك الدولة حال وصولها الى غاياتها وسوف تعض اليد التي انعمت عليها لان تركيبتها هكذا وسيكون الخاسر الأكبر مع الأسف الشديد هو الشعب العراقي.ألا إن موعدنا الصبح , أليس الصبح بقريب؟وأخيرا وقبل فوات الأوان نناشد السيد رئيس الوزراء أن ينش الذباب المتجمع بالقرب من مكتبه وفي مقرات حزب الدعوة الإسلامية
https://telegram.me/buratha