المقالات

هل نبني دولة قابلة للهدم!

836 12:44:00 2009-10-05

قاسم العجرش

كيف تتفكك الدول؟ سؤال لطالما حاول المفكرين السياسيين الإجابة عليه، وتخلص الإجابات الى أن هناك ثلاث مسارات تتفكك بموجب تفاعلاتها الدول، الأول أن تتفكك بفعل خارجي نتيجة لتناقض حاد بالمصالح بين الدولة و(أطراف) خارجية، وتعطينا الحروب الكونية مثالا واضحا على تفكك الدول، والتاريخ حافل بنماذج لدول سادت ثم بادت بفعل تناقضها الحاد مع محيطها الدولي، والمسار الثاني هو تفكك الدول لخطأ في بنيتها الأساسية يجعلها دول معرضة للهدم بفعل العوامل الكامنة في بنيتها، ومنها ما ينشأ خلافا لمنطق التاريخ، ولعل أفضل الأمثلة التاريخية على ذلك، الدول (الإسلامية) العنوان (الشمولية) المضمون، كالدولة العباسية والدولة الأموية والإتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، والمسار الثالث لتفكك الدول هو تفجرها من الداخل بالرغم من أن مقومات بنائها الأولى كانت صحيحة ومستمدة من عوامل البناء المرتبطة بمشتركات قاطنيها وخيارهم للنظام السياسي الذي يقود تلك الدولة، وتبرز ظاهرة تفكيك الدول، بتفجيرها من داخلها، كواحدة من أبرز الظواهر التي يشهدها العالم بصورة أكثر حدّة منذ بداية القرن الحادي والعشرين، ويذكر أنّ دول يقطنها حوالي ثلث سكان الأرض تعرضت وتتعرض اليوم لخطر التفكيك والتقويض، وتعزى قابلية هذه الدول للتفكك، أو الهدم، أو الانهيار إلى أسباب داخلية في المقام الأول وفشل الدولة وعجزها عن أداء وظائفها الداخلية والخارجية. والى تفكك في بنية المجتمع.

ويطرح المفكرون السياسيون فكرة الدولة "الفاشلة" ، وتوصف الدولة بأنها فاشلة إذا أخفقت في تحقيق وظيفتها الإدارية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية،وإذا فشلت بالتعايش الإيجابي مع المحيط الدولي، ويصبح حقها في الوجود موضع اختبار أولا ثم موضع انتقاد الى أن تفقد مبرر بقائها لفقدها القدرة على ممارسة وظائفها التي ذكرن آنفا، و من نتاج فقدها لوظيفتها أنها تصبح خطراً ليس على مجتمعها وحده بل على محيطها والعالم، ويكمن خطر الدولة الفاشلة على مواطنيها بإخفاقها في تنفيذ مفردات العقد الاجتماعي المبرم مع الشعب (الدستور)، ويبدو أن من بين ممهدات الإخفاق هو التصميم السيئ للعقد (الدستور)، و الدولة الفاشلة ونتيجة لشيوع الفقر والجريمة والتطرف والتعصب الديني والعرقي تمهّد الطريق لظهور الحركات المتطرفة والإرهابية التي لا تقف بوجه توجهاتها حدود، و تهدف عادة إلى الانتشار محيطيا وعالميا لنشر مبادئها ومعتقداتها قسرا و من مؤدى ذلك مهاجمة الدول الناجحة، وتبدأ بالأقرب عادة، ولذلك تتوفر إمكانية لتخل الدول (الناجحة) في الدول ( الفاشلة) لحماية وجودها من تفشي عدوى (الفشل) فيها) وتلك أيضا هي المبررات لمحيطها وغيرها من الدول (الناجحة) نفسها الحق في التدخّل السياسي والعسكري، للمحافظة على أمن المجتمع الدولي وسلامته (وبالطبع فإنّ المقصود بالمجتمع الدولي هو مجتمعات الدول الناجحة)!

وفي مثالنا العراقي تبدو الصورة قاتمة بعض الشيء وأن كانت الآمال ليست كذلك، فلقد أنشأنا دولة على أساس افتراض التناقض مع المحيط، وعبيْ مواطنونا بفكرة أن لجيراننا أطماع في أرضنا، وتلك كانت فلسفة بناء الدولة العراقية الحديثة في أوائل القرن الماضي، وكان الآباء المؤسسون للدولة العراقية الحديثة قد صاغوا هذا السيناريو اعتقادا منهم بأن ذلك هو الوسيلة الأنجع (لحشد) الشعب خلف الدولة، على فكرة أن الدولة في (الأمام) والشعب ينبغي أن يسير (خلفها)، وتلك كانت الغلطة التصميمية التي كمنت كنقطة بداية (الهدم)، فقد تناقضت الدولة العراقية مع محيطها الذي بقي طيلة ما يقرب من قرن بأكمله مصدر قلق للمحيط، وعمليا فإن دولتنا كانت على خلاف مع كل دول الجوار وأن اختلفت حدة تلك الخلافات من دولة لأخرى، ولعل السبب الثاني والمرتبط بالسبب الأول بقوة هو أن الدولة العراقية الحديثة أنشأت على افتراض جغرافي غير دقيق، والجغرافية لا تعني التوصيف البلداني والتضاريسي فقط ، بل تعني أيضا الجغرافية السكانية والبشرية، التي لم تكن منسجمة مع مبادئ تشكل الدول وحوت دولتنا مشاكل ديموغرافية وسكانية وبشرية من العيار الثقيل، ولم تتعامل الدولة مع تلك المشاكل بانفتاح يمهد لحلول عملية سليمة، بل لجأت الى حلول خلفت مشاكل أعقد، ولذا لجأت الدولة الى عمليات التهجير والتطهير العرقي والتسفير وحجب الجنسية وإسقاطها على نطاق واسع، وعمليا كان هناك ثلاثة أنواع من المواطنين، وفقد مبدأ المساواة تماما,ذلك كان عامل الهدم الثاني، ولأن الدولة بنيت على عقد اجتماعي مقلوب، فبدلا من أن تكون الدولة أداة بيد الشعب لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن تتصرف على أنها منفذة لآماله بالرقي ووسيلة لأداء دوره بالحضارة الإنسانية، تعاملت الدولة مع الشعب وفقا لثقافة القطيع، فالشعب وفقا لتلك الثقافة أداة بيد الدولة وليس العكس، ونلك كانت هي نقطة التي آذنت بزوال الدولة وهدمها..

اليوم وبعد تهدم الدولة العراقية بفعل العوامل الثلاثة مجتمعة، يبدو بناء الدولة الجديدة محاولة أسطورية لشعب شغل ثلثي التاريخ البشري لبناء (دولة) على أسس جديدة، غير أن بناء الدولة الجديدة مازال يصطدم ببقايا فلسفة الدولة السابقة التي مازالت تلقى رواجا بيننا ـ ليس لصلاحها، بل لأن البديل غير واضح المعالم، وأن ثقافة قرن بأكمله لا يمكن محوها بخمس سنوات منذ زوال الدولة القديمة وتهدمها، ويبدو أنتنا سنشهد حلولا عملية بعمليات قيصرية لمشاكلنا الناجمة عن إخفاق الدولة السابقة وبقاء تأثيراتها بيننا...أننا نمر اليوم بمرحلة نشكل جديدة ليس من المتوقع في نهايتها أن تكون دولتنا هي تلك التي يتصورها الكثيرين، فمعالجة المشاكل الديموغرافية بحكمة تقتضي صبرا وقبولا بتضحيات وآلام يصعب تصورها إذا أردنا التأسيس لدولة صالحة للبقاء، وإذا كنا نريد أن نؤسس لما يستمر علينا إعادة النظر باستمرار بمفردات عقدنا الاجتماعي (الدستور) للوصول الى صيغة صالحة للبقاء والتداول الطويل، علينا أن نحترم إرادات بعضنا البعض ومن بينها كل الحقوق الإنسانية وليس من وسيلة أمامنا إلا بعدم إقسار مكوناتنا على مالا تراه مطمئنا لها، وعلى الدولة أنت تقبل بتوصيف (الأداة بيد الشعب) وليس العكس، ويبدو أن الظروف مازالت بعيدة عن الوصول الى تلك الأهداف حاليا...وتلك هي المعظلة التي لا تريد الفئات الحاكمة الخروج منها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك