اسعد البغدادي
تأسس حزب الدعوة الأسلامية الذي يرأسه رئيس الوزراء العراقي حاليا, على يد الشهيد محمد باقر الصدر في أواسط القرن الماضي. وكان هدفه من تأسيسه هو أسلمة المجتمع العراقي والوقوف بوجه الأفكار والتيارات العلمانية التي كانت سائدة أنذاك وعلى رأسها الفكر الماركسي الذي وجد له شعبية في ذلك الوقت بين الطبقات المسحوقة وخاصة طبقة الفلاحين التي عانت كثيرا من تسلط الأقطاعيين المدعومين من المؤسسة الدينية حينها.
إلا أنه لم يكد يمضي وقت طويل عقيب ولادة الحزب حتى أعلن مؤسسه الخالد عن إنسحابه من الحزب وتحريم إنتماء طلبة الحوزة الدينية إليه. وهنا لابد من الوقوف عند موقف الشهيد الصدر هذا الذي طرأ بعد تأسيسه للحزب. فهل يعقل أن يؤسس رجل دين بثقل السيد المرجع محمد باقر الصدر حزبا كحزب الدعوة ثم يحرم على طبقة رجال الدين الأنخراط فيه؟أم إن الشهيد الصدر قد أدرك بعد التأسيس بأن قيادة الحزب لها أهداف أخرى تروم تحقيقها غير أسلمة المجتمع؟
ولم يستطع أحد أن يعطي تفسيرا مقنعا لموقف الصدر ذاك الذي أوقع قيادة الدعوة حينها في حرج شديد وكل ماقدموه من تبرير هو رغبة الصدر بالحفاظ على الحوزة العلمية من بطش النظام السابق ونأيها عن العمل الحزبي السياسي. ولم يكن هذا التبرير بالمقنع إذ لا يعقل أن يسعى الشهيد الصدر للحفاظ على طلبة العلوم الدينية فيما يعرض أرواح أعضاء الحزب الأخرين من أطباء ومهندسين ومن مختلف الشرائح الأجتماعية للخطر .
ولم تكن سوى الأيام بالكفيلة لمعرفة الأسباب التي دعت الصدر المؤسس لأصدار فتواه تلك. فبعد ان أدخلت قيادة الدعوة الحزب في مواجهة غير متكافئة مع النظام السابق ,هربت تلك القيادة مع عوائلها الى بلدان الجوار كسوريا والكويت وإيران لتعيش مع عوائلها في بحبوحة من العيش تاركة أعضاء الحزب فرائس بأيدي الأجهزة الأمنية العراقية حينها أو عرضة للمجهول لمن نجا منهم بحياته مهاجرا خارج الوطن ليبدأ مسلسل من الغدر لم ينتهي الى اليوم.
فلقد كان غدر الحزب الأول بمؤسسه الذي تركته القيادة لوحده في مواجهة النظام الصدامي الذي إستفرد به وأعدمه وفي نفسه حسرة وخيبة أمل من الحزب الذي أسسه ومن قيادته الغير وفية له. وقد صرح عن ذلك لرفيق دربه الشيخ محمد رضا النعماني الذي كشف عما أسر به الشهيد الصدر له من خيبة امل من قيادة الدعوة التي غدرت به وتركته وحيدا فيما وقف بجانبه أصحاب الغيرة من العراقيين ممن لا إلتزام ديني لديهم.
ثم غدرت تلك القيادة بأعضاء الحزب وكوادره بعد أن تركتهم وحيدين في الساحة ليعتلوا أعواد المشانق كي تتاجر بدمائهم تلك القيادة المرفهة سواء في أيام المعارضة أو بعد السقوط . وبعد أن سيطرت تلك القيادة على دفة الحكم في العراق بعد أن جائها كرسي الحكم على طبق أمريكي من ذهب , غدرت تلك القيادة بكل المناضلين القدامى فيما كرمت كل الجبناء من أعضاء الحزب ممن لاناقة لهم ولا جمل في مقارعة النظام السابق. ثم غدرت كذلك بعوائل الشهداء الذين تركتهم عرضة لشظف الحياة بعد السقوط.
واما سيرتها ومنذ دخولها في العملية السياسية فلم يكن سوى غدر في غدر. فلقد دخل حزب الدعوة بشكل فاعل في العملية السياسية عبر بوابة الأئتلاف العراقي الموحد وتحت عباءة المرجع الديني السيد علي السيستاني والتي لولاها لم ينجح الأئتلاف في الأنتخابات. ثم إنتهت معركة الصراع على منصب رئيس الوزراء بين مكونات الأئتلاف لصالح الأمين العام السابق لحزب الدعوة الدكتور إبراهيم الجعفري بعد أن أعطت الكتلة الصدرية أصواتها له ورجحته على مرشح المجلس الأعلى حينها. إلا أن المعارضة الداخية والخارجية دفعت الدكتور الجعفري بسبب حرصه على المصلحة الوطنية الى الأعتذار عن تولي المنصب ليقدمه على طبق من ذهب لرفيق دربه في الحزب نوري المالكي.
فماذا كان جزاء الجعفري وماذا كان جزاء التيار الصدري؟ فأما الأول فقد تم الغدر به في مؤتمر الحزب وتمت تنحيته عن الأمانة العامة وتسقيطه ليجبر فيما بعد على ترك الحزب وتأسيس تياره الخاص به.وأما جزاء التيار الصدر الذي أوصل المالكي وأتباعه الى السلطة فكان تقتيلا وتشريدا وسجنا وحصارا وقطع أرزاق وكأنهم قتلة الحسين بن علي! فهل هناك غدر أكبر من هذا الغدر؟
ولم ينتهي مسلسل الغدر عند ذاك بل إستمر ليطال كل من حالف حزب الدعوةوأوصله الى سدة الحكم. فبعد أن تم الأعلان عن ولادة التحالف الرباعي الذي جمع حزب الدعوة بالحزبيين الكرديين والمجلس الأعلى , تمكن حزب الدعوة وبفضل هذا التحالف من إحكام قبضته على السلطة فماذا كان جزاء حلفاء المالكي الأخرين؟ فأما الكرد فلقد غدر بهم المالكي ولم يلبي أيا من مطالبهم ولدوافع إنتخابية. واما المجلس الأعلى فهو كذلك لم يكن بمنأى عن غدر المالكي وحزبه الذي سعى لتسقيطه وتسقيط رموزه وعلى رأسهم نائب رئيس الجمهورية الدكتور عادل عبدالمهدي.
ثم غدر المالكي وحزبه ونقضوا كافة العهود والمواثيق التي جرى على أساسها تشكيل المجلس السياسي للأمن الوطني. حيث جرى تجاهل المجلس من قبل المالكي وإستفراده بالقرارات المصيرية التي تهم العراق الأمر الذي شكل غدرا للعراق عبر إدخاله في أزمات مع دول الجوار هو في غنى عنها في المرحلة الراهنة.
وأخيرا وليس أخرا غدر المالكي وحزبه بالشعب العراقي عبر دفاعه وحمايته للمفسدين وعلى رأسهم وزير التجارة السابق سارق قوت الشعب وجميع المفسدين الأخرين الذين يمنع المالكي إستجوابهم ومحاكمتهم. وأما غدره بشهداء الحزب وللدين الأسلامي فهو الغدر الأكبر فلقد دفع الحزب هؤلاء للأستشهاد من أجل هدف مقدس ألا وهو إقامة حكم إسلامي, وإذا بهدف الحزب الحقيقي لم يكن سوى إستغلال الدين ودماء الشهداء للوصول الى السلطة ولم يكن احدا مدركا نوايا الحزب هذه التي إنكشفت اليوم سوى مؤسسه الشهيد الصدر ولكن بعد فوات الأوان.
وبعد كل ذلك أفلا ينبغي لقيادة الحزب أن تغير إسمه من حزب الدعوة الى منظمة غدر بلا حدود؟
https://telegram.me/buratha