المقالات

الوطنية المسلوبة

866 18:42:00 2009-10-05

علاء الموسوي

سألت شابا عراقيا قبل كتابتي لهذا المقال عن معنى الوطنية لديه، وهل يحس بها ويتلمسها بين ثنايا حياته اليومية، وهو يغص بالمتناقضات السياسية والشعارات المكثفة والمتنوعة بتنوع رجالاتها، فأجابني ذلك الشاب الأريحي وبنكهة عراقية خالصة ، مختصرا بكلمة هي : ( عن أي وطنية تتكلم، وأنا لست بمواطن !).فعلا نحن لسنا بمواطنين، ولا يمكن لنا ان ندرك معنى الوطنية كونها مغيبة أصلا من قاموسنا الحياتي.. كيف يمكن لتلك الأحزاب المتصارعة ان ترفع شعار الوطنية من دون ان يشعر بها المخاطبون بتلك المفردة الكبيرة في معانيها وتطبيقاتها العملية.. كيف يمكن ان يشعر الإنسان بوطنيته وهو لا يملك مقومات تلك المواطنة الكفيلة باستقرار حالة الشعور والالتزام بمعايير تلك الوطنية المقدسة ؟.صحيح ان الوطنية هي الانتماء، ومن دونها سيكون الإنسان بلا انتماء هامشي في ساحة الاعتزاز والفخر بالهوية المذهبية والقومية والخصوصية التي تمنحها الوطنية لا غير. ولكن كيف يمكن لهذا الشعور ان يستمر ويتفاعل مع معطيات الأحداث والتقلبات التي تواجه الإنسان، فالوطنية غير المعتقد فكرا، فهي ممارسة يومية يطل عليها الإنسان من خلال تسميته الشعورية بـ(المواطنة) ، وإحساسه الحقيقي بمكتسبات تلك التسمية والشعور بها.الإنسان الذي لا يملك دارا يأوي عائلته، ومصدرا معيشيا يدر عليه خبزا لأطفاله، وحقوقا يراها معطاة له بعزة وكرامة من قبل الممثل الحقيقي لتلك المواطنة، كي يعيش حقا كمواطن له حقوق وواجبات، حتى يفي هو الآخر بحقوق وواجبات ذلك الوطن المنتمي إليه شعورا لا شعارا فقط.المواطنة ليست منحة او هوية تعطى لتؤخذ او تسلب من احد، بقدر ارتباطها بمنظومة حقوق المواطن والإصرار عليها والثبات على مكتسباتها. إذ ان الوطن لا يؤطر تلك الوطنية بمكان معين فقط، بل المتعين الأساس في الانتماء الوطني هو تحقيق صون وكرامة الإنسان نفسه، وهو ما ينطبق على كلام الإمام علي ( عليه السلام) في قوله : ( لا وطن مع فقر، ولا غربة مع غنى). إذ ان الوطن ينتفي وجوده أصلا بمجرد أن يتحول الإنسان إلى مخلوق مستباح عديم القيمة مسلوب الحقوق، وتكون الشعارات الدينية والقومية مقياسا لكل شيء دون الإنسان.اليوم كثرت التسميات الوطنية، وباتت تلك (الوطنية) المدخل السياسي الملائم لخوض اغلب الأحزاب إلى باحة الانتخابات البرلمانية المقبلة، وأصبحت الوطنية شعارا ملازما لبرامج تلك الأحزاب ، من دون ان تمارس هي نفسها عملية بناء دولة المواطنة التي من خلالها تضمن نجاح برنامجها المعلن سلفا.من الجميل ان يصبح الجميع وطنيين. ولكن من المعيب ان لا يشارك الجميع في بناء الوطن وتحقيق مقومات الإحساس بالمواطنة. فالشاب الكردي لا يحس بانتمائه للوطن الكل بقدر إحساسه بإقليمه الخاص ولغته الخاصة، والشاب الجنوبي فقد حاسته الوطنية لأنه لم يعرف بعد ما حقوق وطن لم يحقق له أدنى مقومات الحياة المدنية. وكذلك الحال مع الشاب في المنطقة الغربية، وهو مازال يشعر بأنه مهمش عن التغيير السياسي الحاصل في العراق الجديد.كل ذلك والعملية السياسية في العراق الجديد لم تستطع بعد ان ترسخ المواطنة بالشكل الصحيح في ذهنية الإنسان العراقي، وتشعره بواجبه الحقيقي تجاه الوطن. ولعل ما تعانيه الأحزاب اليوم من إقناع ذلك الإنسان البسيط من الإقبال على صناديق الاقتراع بعد ما أدرك أنها لم تجلب له إلا مزيدا من المعاناة، هو بسبب تلك الوطنية المسلوبة لدى عقلية الناخب، والذي أفسدت المهاترات السياسية غير المجدية رئته الوطنية ، وأعدمت لديه الإحساس بحقوق الوطن تجاهه.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك