عامر هادي العيساوي
لقد مر العراق في المائة عام الأخيرة بمراحل تاريخية مختلفة ومتناقضة ولا بد ان تتأثر العشيرة العراقية بتلك التغيرات سلبا أو ايجابا,ولعل أهم ما يلاحظه الدارس أن سلطة شيوخ العشائر ومكانتهم تكون كبيرة ومطلقة على أبناء عشائرهم كلما ضعفت الدولة العراقية وغيبت القوانين وسادت المحسوبية والمنسوبية وساد القوي وانسحق الضعيف. إن أبناء العشائر في مثل هذه الظروف حيث يسيطر عليهم الخوف من المجهول والقلق من ان يذهبوا ضحية لمنازعة ما ا وان يقعوا في قبضة السلطات المتعسفة يجدون أنفسهم مضطرين لطاعة شيوخهم والالتفاف حولهم مهما كانوا قساة وهمجا ومتوحشين.واذا علمنا ان الموروث من ثقافة رؤساء العشائر يعتمد على أمرين أساسين في عملية بناء أمجادهم وهما (الصحن والسيف) أي الولائم والقوة وهما أمران ميسران لهم لأنهم يحسنون ابتزاز الأموال بسهولة فقد نجح هؤلاء في بناء عناوين ذاع صيتها في مجتمع بسيط ومغلوب على أمره في كل الاحيان. ولعل الفترة الوحيدة التي اضمحل فيها دور رؤساء العشائر هي تلك التي أقدم فيها المرحوم عبد الكريم قاسم على تأميم الأرض وتوزيعها على الفلاحين وهو يحاول لأول مرة بناء دولة مدنية يسودها القانون ويكون فيها الجميع سواسية إمامه كأسنان المشط كما كان يردد,لقد شعر الفقراء انهم لم يعودوا بحاجة الى حماية الشيوخ او غيرهم لان هذه الدولة دولتهم وهذا الزعيم زعيمهم والقانون يحمي الجميع ولكن ذلك لم يدم طويلا.لم يتغير حال رؤساء العشائر كثيرا بعد سقوط العهد ألقاسمي فقد استمر وضعهم يعاني من التشرذم والانحسار حتى جاءت الانتفاضة الشعبانية في أوائل التسعينات حيث قام صدام حسين بنشر الرعب والخوف في كل مكان من خلال القتل والتقتيل والمقابر الجماعية وفي نفس الوقت فتح نافذة محسوبة بدقة على رؤساء العشائر فأطلق أيديهم وألسنتهم مما اجبر جميع العراقيين على تقديم فروض الطاعة إليهم أملا في الحصول على الأمن والأمان.وفي تلك الفترة انتشرت الولائم الفخمة وما زالت ذاكرة العراقيين تعج بمناظرها وهم يقيمونها لأعضاء القيادة والفروع في الوقت الذي كان فيه الشعب يبحث عن رغيف الخبز في ركام المزابل,وما زالوا أيضا يتذكرون أهازيجهم التي أوصلوه فيها الى مصاف الأنبياء فضلا عن عهودهم الموقعة بالدماء. لقد ظهرت في هذه الفترة زعامات عشائرية كبيرة أقامت مجدها بأموال صدام حسين وعلى حساب دماء العراقيين, لقد ظهرت زعامات واختفت زعامات تبعا لقربها او بعدها من( القائد الضرورة).ثم سقط الصنم وتخلى اصطحابنا عن صاحبهم في طرفة عين, وفي يوم سقوط المدينة التي أعيش فيها عام 2003 وفي حوالي الساعة العاشرة صباحا التقيت احد الشيوخ وحين سألته عن وجهته قال بأنه ذاهب لتقديم البيعة الى الشعبة الحزبية وبعد بضع ساعات انتهى امر الشعبة الحزبية وعقد اجتماع موسع لأهالي المدينة في إحدى المدارس وقد كان هذا الشيخ موجودا فصرخ بأعلى صوته وقد كانت صورة صدام ما تزال معلقة على الحائط( أما تستحون لماذا تركتم هذه الصورة معلقة حتى ألان).علما ان هذا الشيخ يعمل ألان رئيسا لأحد مجالس الاسناد.بهذه الروح دخل الشيوخ مع صدام حسين وبهذه الروح خرجوا منه وبهذه الروح دخلوا العهد الجديد وبهذه الروح هبوا على مكاتب الأحزاب شرقا وغربا حتى أصبح بعضهم يتندر بأنه بات يمتلك أكثر من عشرين هوية , لم يتركوا بابا إلا طرقوه ولم يتركوا دينا إلا اعتنقوه ولكن جهودهم باءت بالفشل وأصبحوا مثارا لسخرية الكثير من العراقيين خاصة بعد أن رفع السيد رئيس الوزراء شعار دولة القانون وبدا الناس يطمئنون لدولتهم الجديدة ولحكامهم الجدد باعتبارهم منهم واليهم تماما كما حصل ايام المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم وعلى هذا الأساس هرع الناس لانتخاب دولة القانون في مجالس المحافظات.وبدل أن يتوجه السيد رئيس الوزراء لتنظيم العلاقة بينه وبين الجماهير الشعبية التي انتخبته توجه الى رؤساء العشائر المعتادين على الخذلان الذين يمتلكون مشروعا مختلفا ومتناقضا تماما مع مشروع دولة القانون ومصالح الشعب العراقي وشكل منهم مجالس للاسناد وخصص لهم المليارات بناء على نصائح بعض مستشاريه الذين صوروا له الفوز على انه من بركات الشيوخ والحقيقة انه لولا هذا التوجه لكانت النتائج أفضل بكثير.لقد استغل بعض القائمين على مجالس الإسناد المكلفين من قبل السيد رئيس الوزراء مناصبهم لتحويل هذا الأمر الى مشروع شخصي لتحقيق مصالح شخصية بإنشاء زعامات مجانية لهم على حساب مصالح البلاد والعباد ولو فتح تحقيق شفاف ونزيه لاكتشفنا ان مئات الملايين من الدنانير قد صرفت بالضد من مصالح الحكومة العراقية وشخص رئيس الوزراء والمصالح العامة.واذا أردت أن أكون أمينا في نقل نبض الشارع العراقي فان قائمة دولة القانون بدا ينحسر تأييدها في الأوساط الشعبية بسبب هذا التوجه الغريب. واذا علمنا ان أهم اولويات رؤساء العشائر إقامة الولائم الكبرى للحاكمين والمسؤولين والمتنفذين فإنهم سيكونون دائما بحاجة الى مصادر سهلة للتمويل وحين تنقطع بهم السبل بعد أن يتم تصنيعهم كعناوين مهمة ستشرئب اعناقهم الى خارج الحدود ومن يدري فقد تنجح جهة ما في آخر المطاف في إشعال فتنة ما في مكان ما بواسطة شيخ ما.اللهم لا تسلط علينا أناسا لا يستقيم مجدهم وجبروتهم الا من خلال خوف وتخلف وجهل وجوع وحرمان أبناء الشعب العراقي
https://telegram.me/buratha