بقلم محمد أبو النواعير
النجف لمن عرفها فقد عرفها ولمن لم يعرفها أقول أن النجف كانت ولا تزال تمارس نوعا من الحكم الذاتي سواء في المجال الاداري أم في المجال الاجتماعي , حيث أن النجف شكلت خليطا أجتماعيا متنوعا ومن مختلف البلدان , بحكم وجود الحاضرة العلمية التي تسمى ( بالحوزة العلمية ) والتي كانت منارا للاشعاع العلمي ومنذ مئات السنين فيما كان العراق يسبح في ظلمات الجهل , و تسيطر عليه العادات والتقاليد العشائرية البالية التي داب الاسلام ومن خلال شخوصه من النبي وأئمة اهل البيت نزولا الى الصحابة والتابعين في محاربة السيء منها , وعلى الرغم من تأصل الوعي الجاهلي العشائري في عقلية العموم الاغلب من الشعب العراقي , الا أن مدينة النجف الاشرف كانت منسلخة من ظلماوية العادات والتقاليد العشائرية العراقية , بحكم تواجد مدرسة اهل البيت فيها , وأتباع معظم أهلها لرأي مراجع الدين فيها لحل معظم مشاكلهم التي تصادف حياتهم , أضافة الى دور المنابر الحسينية التي كانت تشكل مجالس هداية وارشاد للناس لسلوك الطريق الالهي القويم , هذه المنابر التي كانت النجف هي المؤسس الحقيقي لها ومن مئات السنين , قد خلقت في المجتمع النجفي حالة اشبه ما تكون بالعقل الجمعي المتفاني في خدمة قضية معينة او مبدا معين أو أرض معينة , فعلى الرغم من تعدد ألاصول العرقية لمعظم القاطنين في مدينة النجف ( قبل أن يمارس نظام البعث الكافر معهم التصفية العرقية والتغيير الديموغرافي المتعمد ) , ألا أن الذي يزور النجف , في تلكم الايام , يلمس وبوضوح الولاء المطلق لمدينة النجف لدى أهلها , وبحكم العوامل التي ذكرت أعلاه كان الشخص النجفي يتميز بتعنصر وولاء وحب لمدينة أمير المؤمنين وحب لعاداتها وتقاليدها الاسلامية الولائية الخالصه وبشكل يميزه عن بقية محافظات العراق حتى وان كان منحدرا من أصول غير عراقيه أوغير عربية او كان عراقيا قاطنا لمحافظة وأستقر بعدها في النجف , لذى فأن مسألة التحزب للعشيرة أو للقبيلة , وكذلك قضية القبول التام بما تمليه التقاليد ( والسنن ) العشائرية , لم تكن لها أي أصداء في مدينة النجف وأهلها , فالنجفييون عموما كانوا يرون أن أغلب العادات والتقاليد العشائرية انما هي من صنع العقل البشري الغير كامل , ولايمكن أن تكون بديلا عن الشرع أو القوانين الالهية , وبالاخص بما يتعلق بحل الخصومات والنزاعات , والتي تستوجب الرجوع الى الحكم الله والشرع فيها , وبهذ الطريقة وبمرور مئات السنين خلقت في مدينة النجف الاشرف تركيبة مجتمعية خاصة ترى فيها الاختلاف التام والكبير عن بقية مكونات الشعب العراقي من حيث احترام السنن الالهية ومن حيث العادات والتقاليد الاجتماعية, وحتى على الصعيد الوطني والسياسي كان لمدينة النجف وأهلها حسا ونباهة سياسية وأستشعار للخطر قد يسبقون به بقية فصائل المجتمع العراقي , كما حصل عندما استلم حزب البعث الحكم في العراق مطلع الستينات , ففيما كانت الكثير من محافظات العراق تنشد الاهازيج فرحا بزيارة البكر أو صدام كان النجفييون يقدومون خيرة رجالهم وعلمائهم قرابين مضحين من اجل ان لا يقوم في العراق حكم للبعث , ومن أجل ايصال الصورة الحقيقة للعراقيين عن حقيقة البعث ومشروعه وأستمر هذا التوجه لديهم في الستينات وكامل حقبة السبعينات والثمانينات وحتى سقوط الطاغية في عام 2003, ومع الحرب التسقيطية الكبيرة التي شنها النظام البعثي ضد النجف وأهلها متهما اياهم بتبعيتهم لدول أخرى وبعدم الوطنية ( ومع الاسف فأن الكثير من العراقيين السذج صدقوا ما كان يطرحه النظام الصدامي وبشكل أعمى ) ,
ألا أن الحقيقة التي يجب أن تذكر أن النجفيين الاصيلين وبمجرد سكناهم في النجف كانوا يذوبون وبشكل كامل في ولائهم لهذه المدينة العظيمة , على العكس من الكثير من الشرائح المجتمعية المختلفة التي استقطبها صدام وعمل على تثبيتها وتاصيلها في مدينة النجف بعد ان هجر معظم اهلها منها وصادر أموالهم وبيوتهم , فأن معظم هذه الفصائل المجتمعية الجديدة وبحكم امتنانها للقائد ( صدام ) الذي ميزهم في العطاء من قطع اراضي سكنية الى سلف الى وظائف مرموقة , فأنها كانت ولاتزال تعاني من أزمة هوية حادة , فنرى أنها كانت بعيدة كل البعد عن الاحداث التي تلم بالمرجعية الدينية أو بمدينة النجف واهلها , وظلوا الى الان محتفظين بلهجاتهم وعاداتهم وتقاليدهم العشائرية , غير متاثرين بالكثير من منابر التنوير الايمانية الموجودة في المدينة , بل وفي أغلب الاحيان كانوا الاداة الطيعة والذراع المنفذة لجرائم النظام الصدامي في المدينة وخاصة أبان فترة السبعينات و الثمانينات من القرن المنصرم , وأن كانت هذه الفصائل تلتحف في معظم الاحيان بالرداء القومي العروبي متنكرة لثوابتها الدينية والتي هي في الاساس لم تكن محترمه عندها في تشكيلتها الاديولوجية , والسبب الرئيسي هو طغيان البديل عن الشريعة الاسلامية وهي السانية العشائرية أو ( السنة ) , فالسانية العشائرية كانت تاتي ضمن أولويات التقديس لديهم بالدرجة الاولى وقد تكون سنة النبي محمد واهل بيته تاتي بالمرحلة الثالثة أو الرابعة وفي أحيان ومواقف كثيرة لم تكن لسنة النبي الاعظم أي تقدير لديهم فضلا عن التقديس .
لا أنكر أن الدور الذي قام به المرجع الديني السيد محسن الحكيم وكذلك المرجع الديني الشهيد محمد محمد صادق الصدروكذلك دور مراجع الدين العظام في الحوزة العلمية النجفية وعلى مر التاريخ من ارسال المبلغيين في محاولة جذب هذه القطاعات الكبيرة الى حظيرة الايمان كانت قد شكلت نقطة تحول لدى البعض منهم وأؤكد البعض منهم على ترك الجلباب العشائري واستحصال الهوية العبودية لله وللدين , ألا أن هذه المحاولات لم ترقى الى ان تصل الى مستوى التغيير المجتمعي والاديولوجي , فلا تزال العقيدة العشائرية القبلية هي المسيطرة على معظم مواقفهم واصول تفكيرهم ومنهجيتهم في الحياة .ملاحظة ... لم أقصد في كلامي أن كل أهل النجف الاصليين هم ملائكة , ولم اقصد ان الغير نجفيين كلهم شرور ومواقف مخزية , فلكل محافظة من محافظات العراق تاريخهاورجالها المخلصين ومواقفها المشرفة , ولكني تناولت الموضوع من جهة تاريخية دينية وبتوصيف الاعم الاغلب .
محمد أبو النواعير ...
https://telegram.me/buratha