حميد الشاكر
عندما أكتب عادةً عن جدل فكري أو صراع ثقافي ....الخ داخل الاطار الاسلامي ، وحتى عندما أشاهد ان اعدادا كبيرة تحولوا من مذهب اسلامي الى آخر ( من حنبلي الى معتزلي من شيعي الى سني من شافعي الى صوفي .......الخ ) فلا اعلم لماذا لااشعر بأن هناك جديدا طرأ على الاسلام كنواة تتسع الى كل هذه التلاوين المذهبية داخل الاسلام ، كما انني بالفعل لااشعر ان هناك تمايزا عملاقا بين ان يكون الانسان مسلما سنّيا او مسلما شيعيا او غير ذالك ، وانما اشعر بالكارثية عندما ارى هذه المذاهب وهي داخل اطار ورحمة الاسلام تتناقض فيما بينهما بل وتتضارب في بعض الاحيان وتحرّض بالاقصاء احداهما على الاخرى !!. عندئذ اشعر بالفعل ان هناك خللا بالمعادلة الاسلامية ، وإن هناك مكروبا قاتلا دخل الى الجسم الاسلامي ليدّمر جسد الاسلام من الداخل وينشر به جرثومة السرطان القاتلة التي تبدأ بنقطة من الجسد معينة لتنتشر فيما بعد لتأكل الاسلام من اخمس القدم الى اعلى الرأس، ولتحرق كل عضو فيه !!.
نعم عاش الاسلام اربعة عشر قرنا الى يومنا هذا وهو يحمل في داخله مذاهب وتيارات فكرية واختلافات نوعية متعددة من شيعة لال البيت عليهم السلام الى شيعة للخليفة والسلطان وفيما بعد معتزلة وحنابلة وشافعية وصوفية واحناف ...الخ وستبقى هذه التيارات الى ان تنتهي الحياة ويأذن الله سبحانه بزوال العالم ، ولم يكن في الحقيقة هناك مايثير الغرابة والاستغراب بين هؤلاء الساكنين في البيت الاسلامي الكبير ، بل وليس غريبا كان ولم يزل ان نقرأ عن اخوين او اكثر في عائلة واحدة كانت في التاريخ تعيش في بغداد الاول شيعيا والثاني حنيفيا او حنبليا او الاول معتزليا والاخر حنبليا .... وكل هذا لم يكن مستغربا ولم يزل غير مستغرب من منطلق ان من مميزات الاسلام كأطار دين خاتم للبشرية جمعاء ان به وبتركيبته مرونة فكرية تستوعب جميع تلاوين البشر الفكرية واختلاف انماط امزجتهم الروحية والنفسية ، ولهذاصلح الاسلام ان يكون دينا خاتما لجميع البشرية ، وإلا لوكان الاسلام محددا لفئة محددة من الناس او لبيئة او لامزجة او لتوجهات بعينهالكان دينا يصلح لقرية او لمدينة لكنه لن يصلح دينا خاتما لجميع بني البشر ، ولمختلف ازمانهم الاتية والمتجددة والمتطورة من زمان لآخر !!.
نعم من فلسفة الاسلام الواضحة انه دين أُسس كيكون مستوعبا جميع البشر بمختلف توجهاتهم ومشاربهم الروحية والثقافية فالصوفي يرى في الاسلام مرجعيته وكذا المعتزلي وهكذا المفكر الشيعي وصاحبه في الفقه الشافعي ... والى غير ذالك ، بل بالامكان ان نقول اكثر بإن الاسلام دين رُكّب على ان يستوعب ليس فقط جميع تلاوين مذهبيته الاسلامية فحسب بل انه بُني على ان يكون مستوعبا ايضا لجميع الاديان البشرية التي تتحرك بالامس واليوم في العالم البشري ، فالمسيحي ايضا يجد نفسه وتصوراته ومقدساته في الاسلام ، وهكذا اليهودي والصابئي ... وحتى مجموعة (أم خلقوا من غير شيئ ام هم الخالقون ) ، فإن الاسلام كفكر ومنهج لم يهمل ساحتهم في الذكر والجدل معهم ومناظرتهم ..... من منطلق ان الاسلام جاء لكل الناس لأنقاذهم لرعايتهم لاحتضانهم وليؤمنوا به جميعا وخاتم الرسالات ولابد له ان يكون مستوعبا لجميع توجهات البشر وتلاوين انماط تفكيرهم وميولهم النفسية والروحية ، وأما غير ذالك بأن يعتقد احدا من المسلمين ان الاسلام جاء لدينه لاغير او لطائفته فقط او لمذهبه او لقبيلته ، او ان الاسلام جاء للسنة دون الشيعة او للشيعة دون اهل الحديث ، او انه مختص فقط بالمسلمين دون باقي الاديان في الارض ، او ان الاسلام يختص به فقط المؤمنين بالله دون الملحدين ...الخ ، من اعتقد هذا الاعتقاد فقد قزّم عملاقا وحجم كبيرا للعالمين ليجعله صغيرا للطائفيين ، او قيّد مطلقا لاخر الزمان ليجعله حبيسا لزمن السلف الصالح لاغير من المفكرين في فهمه ووعيه وخطابه وانتاجه وحلوله وتعامله مع جميع الازمنة والامكنه للناس كآفة !!.
والحقيقة ان الاسلام بقيَ متحركا وحيّا منذ بزوغ فجره الى يومنا هذا ليس بسبب ان المؤمنين به اشدّ الناس تقوى وكرامة وشجاعة ، وليس لان هناك سرّا ما في طول لحية المؤمن وقصر سراويله هي التي حافظت على هذا الاسلام من الاندثار ، وليس لاي سبب خارج عن الاسلام نفسه ، بل بسبب ان تركيبة الاسلام الخاتمة هي بنفسها قادرة على استقطاب واستيعاب جميع البشر للايمان بها واعتبار انها الاطار الذي يهب للانسان سعادته واطمئنانه في هذه الدنيا ومن ثم بعدها الاخرة في يوم الدين ، وهذا هو سرّ الاسلام الذي بدأ بثلاثة ( محمدٌ وخديجةٌ وعليٌّ )عزيزا قويا صلبا لايقاوم آنذاك بسبب كونهم فهموا الاسلام بوسعه وعالميته وتنوعه واستيعابه لجميع البشر ، وانتهى بمليار ونصف مسلم كغثاء السيل اليوم ليس لهم اي صولة ولاجولة في العالم ولاانتاج ولابناء للحضارة ، فكل هذا ليؤكد لنا التاريخ ان قوّة الاسلام في نفسه وفي وعيه كما هو في الاساس وليس كما نريده نحن المنتمين كأقطاعية لهذه الطائفة او ذالك المذهب او الحركة كما ليؤكد لنا التاريخ ان عزّة الاسلام في اصالته التي اسست لأستيعاب جميع البشر وليس بكثرة المنتمين المعتنقين والمؤمنين بمبادئه بلا وعي منهم لماهية هذه المبادئ وكيفية ادراكها على الحقيقة !!.
https://telegram.me/buratha