المقالات

كارثة وطنية أسمها مفوضية الأنتخابات!

872 00:27:00 2009-10-09

قاسم العجرش

ماذا تؤشر النسب التي أعلنتها مفوضية الأنتخابات عن حجم المشاركة في الإقتراع على مرشحي مجالس المحافظات؟ سؤال ربما يجرنا الى العديد من الأسئلة الأخرى التي تطل من بين ثناياه، سيما وأن هناك عوامل عديدة لعبت دورا مهما بالوصول بالواقع الإنتخابي الى هذا المستوى، ومع الإقرار بأن إجراء الإنتخابات منجز مهم في حد ذاته، إلا أنه ليس بالمنجز الإعجاز أو المستحيل الإنجاز كما سعت وسائل إعلام كثيرة الى تصوير ذلك، فقد وضعت تحت تصرف المفوضية إمكانات كبيرة بشقيها المادي والبشري، وذللت أمامها الكثير من العقبات، ومن أهم ما تم تذليله هو العقبات القانونية، فقد منحت المفوضية صلاحيات إستثنائية منها قيامها بتشريع ووضع نظام للعقوبات الإنتخابية تصل الى درجة الحبس، وفي ظل غياب قانون للأحزاب ينظم عملها ووجودها ، أعطيت صلاحية إجازة الأحزاب و الكيانات السياسية، بل وأصبحت المفوضية لاعبا أساسيا في الحياة السياسية، يمكنها أن تتخذ إجراءات تقرر مستقبل لعراق كله، كما فعلت في قبولها طلب إنشاء أقليم البصرة المنفرد، وإتخاذها في هذا الصدد إجراءات تنفيذية هناك غيوم كثيرة من الشك والإبهام تغلف مشروعيتها ودستوريها، والمفوضية غير خاضعة لأي جهة كانت، وهي ترتبط فقط بمجلس النواب الذي هو بتركيبته الحالية غير قادر على كبح جماح الإجراءات التي يمكن أن تشط بها المفوضية ناهيك عن غيرها من مؤسسات الدولة،

إذ كان تدخله وتوجيهه عمل المفوضية ضعيف جدا، وعمليا أنتهى هذا التأثير عند حد (تحاصص) مناصب المفوضية ومراكز موظفيها، وتكاد المفوضية أن تقترب من وضع توصف فيه بأنها جهاز سيادي، بدلا من أن تكون جهازا مؤقتا ينتهي عمله بإنتهاء المهمة التي تنجزها، وعمليا ولضمان إمتيازات دائمة أيضا، سعت المفوضية ذاتها وأطراف في مجلس النواب للوصول الى هذا الوضع، وكان عدم تزامن إنتخابات مجلس النواب مع إنتخابات مجالس المحافظات شكلا من أشكال هذا السعي لذلك، وفي كل هذا أصبحت عملية الإنتخابات عملية مكلفة وتشكل عبئا مضافا على الميزانية المالية التي تعاني من مشاكل كبيرة في وقت أحوج ما نكون فيه لترشيد الإنفاق، فكثير من نفقات الإنتخابات يمكن مراجعتها وبالتالي إختزالها، وعلى قدر علمنا، فإن تخصيصات مفوضية المالية تعادل تخصيصات وزارة، ومن جانب اخر نرى ان المفوضية العليا بدورها تصرف ما تشاء من الميزانية التي وفرتها لها الحكومة من اموال ابناء العراق، ونلمس هنا ايضا المبالغة المفرطة في الصرفيات واداء بعض المهام الكمالية، التي هي ليست بالضرورية.

والنتيجة أن المفوضية ، خربت فرحة الشعب العراقي في عرسه الانتخابي. ومقارنة مع المفوضية السابقة،استخدمت اليات عمل غير مناسبة، و عدم وجود اسماء بعض الناخبين في محطات الاقتراع في كل محافظات العراق يعد اخفاقا في الالية المعتمدة لتدوين الناخبين . وقد وردت شكاوى كثيرة من المواطنين اغلبها ينصب في قضية عدم وجود اسماء الناخبين المشمولين في مراكز الاقتراع المخصصه لهم حسب تعليمات المفوضية، وهذا يعد اخفاقا في الآلية المعتمدة لتدوين الاسماء والذي ادى الى حرمان العديد من حق المشاركة في الانتخابات. اضافة الى قيامها بنقل بعض مراكز الاقتراع الى اماكن بعيدة جدا عن مناطق سكنى الناخبين الامر الذي حرم عشرات الاف من التصويت. ناهيك عن و ضع رجال الاحزاب " كما في مركز الجزيرة بتكريت" من الحزب الاسلامي الذي قام بالتزوير وتم ضبطه " مدير المركز الانتخابي رقم 15 في مدرسة المعالي في منطقة الجزيرة لحساب الحزب الإسلامي عندما قام بوضع استمارات الانتخاب بصناديق الاقتراع قبل أن يصل الناخبون إلى مركز الاقتراع." مما اضطر الناخبين للوقوف أمام مركز الانتخاب قبل الساعة الواحدة. أما في خانقين التابعة لمحافظة ديالى، شكا ناخبون كورد من عدم ورود أسمائهم في قوائم الناخبين المعدة في مراكز التسجيل، لأسباب غير معروفة لحد الآن. ويبلغ عدد الناخبين الكورد الذين لم ترد أسماؤهم نحو 16 ألف ناخب هم من سكان بلدتي قورتو وميدان والنواحي المجاورة لخانقين.

كما تم منع اكثر من خمسين الف ناخب مهجر في محافظة ديالى ، ولم يسمح لهم بالتصويت في محافظتهم لعدم ورد اسمائهم في سجل الناخبين، ومن ضمن الخروقات التي سجلت، هي منع العديد من المواطنين من الإدلاء بأصواتهم على الرغم من تحديثهم لسجلهم الانتخابي بذريعة عدم وجود أسمائهم، علما بأنهم ليسوا من المهجرين. هذه الخروقات الخطيرة المصحوبة ببيروقراطية المفوضية المفرطة، هو الذي جعل نسبة المشاركة في الانتخابات تصل الى 50% فقط،

إن أداء المفوضية العليا للانتخابات لم يرتق والمستوى المطلوب، فضلا عن التشكيك بقدرتها وكفاءتها في متابعة واكمال العملية الانتخابية على اتم وجه. والتي منها ضعف الآليات التي اعتمدتها المفوضية في تعريف الناخبين بمراكز اقتراعهم، وعدم ورود العديد من الأسماء في سجل الناخبين ، والذي كان السبب الرئيس وراء تدني نسب المشاركة في الانتخابات المحلية مقارنة بالتجارب الانتخابية السابقة، على الرغم من ارتفاع نسبة الرغبة الجماهيرية الملحة في المشاركة بالتصويت سيما بعد التحسن الأمني الكبير، وقد أصيب المواطنين باحباط كبير في عدم قدرتهم للتعبير عن رغبتها الشرعية والوطنية في انتخاب ممثليهم الحقيقيين في المحافظات. ناهيك عن عدم اعتماد المفوضية السجل الالكتروني، والذي ادى الى اسقاط الكثير من الاسماء سهوا في سجل التحديث. انخفاض نسبة المشاركة الانتخابية هذه المرة بواقع 51% ومقارنتها بالتجارب المثيلة والتي وصلت نسبة المشاركة فيها الى اكثر من 70%، فضلا عن استتباب الوضع الامني حاليا وتدنيه في السابق، يحمل مفوضية الإنتخابات، مسؤولية فقدان اكثر من 30% من حجم الاصوات الاجمالية. وحينما طولب مدراء المراكز الانتخابية الاتصال بالمسؤولين في المفوضية وابلاغهم الخلل والخطأ الشائع في معظم مراكز الاقتراع في البلاد، وايجاد حل سريع لذلك.. فإنهم يجيبون بأن هذا ليس من واجبهم !. وقد كان من مؤدى ذلك فقدان مساحة كبيرة من الاصوات.. حرم العراق من سلطة تشريعية منتخبة من قبل اغلبية الاصوات، فضلا عن تضرر القوائم الكبيرة، واستثمار القوائم الصغيرة من ذلك التدني المقصود في نسبة المشاركة العامة في الانتخابات. ومن المفيد التذكير بأنه أمامنا إستحقاقات إنتخابية قادمة لاتقل اهمية عن انتخابات مجالس المحافظات، كالتصويت على اتفاقية الانسحاب والانتخابات البرلمانية في نهاية العام... واذا بقيت الاخطاء الكارثية والمقصودة من قبل القائمين على مفوضية الانتخابات، فان الكارثة ستحل بالعملية السياسية.

ولعب إصرار المفوضية على إستخدام معلومات البطاقة التموينية كوسيلة لتحديد الناخبين وتحديث معلوماتهم دورا كبيرا في إخفاقات العملية الأنتخابية، لقد لجأت المفوضية إلى أيسر الحلول لكنه بالتأكيد ليس أفضلها ، إن لم يكن أسوأها على الإطلاق، وكانت النتيجة بقاء صدام وهو في قبره يقود البلاد! فلجوء مفوضية الأنتخابات أو الحكومة أو أي جهاز من أجهزة الدولة الى البطاقة التموينية اللعينة كوسيلة يتثبتون بها عراقية العراقي، ويستدلون بها على محل سكنه وتحولها الى أهم وثيقة يمكتلكها العراقي ، يعد كارثة إدارية بكل المقاييس،فهذه البطاقة التي وضعها صدام للسيطرة على العراقيين، وأتخذها وسيلة لإحكام قبضته على رقابهم قبل بطونهم، ومع أننا لا نجهز إلا بثلث موادها،

إلا أنها شيئا فشيئا تحولت الى أهم وثيقة يستوثق بها منا! ومنذ سنة 1977 لغاية اليوم لم يجر تعداد للسكان توضع بموجبه الخطط والسياسات لمستقبل العراق، وكشفت نتائج المشاركة في الإنتخابات التي أعتمدت البطاقة التموينية أساسا لمعلومات الناخبين، أن هذه البطاقة لم تعد صالحة لأداء مثل هكذا وظيفة، وأن أعدادا كبيرة جدا لم تتح لهم فرصة المشاركة في الإنتخابات بسبب أخطاء إعتماد البطاقة التموينية، وإذا كان أمامنا إستحقاق إنتخابي أكبر في نهاية هذا العام لإنتخاب مجلس النواب، فهذا يعني أننا سنواجه كارثة كبرى ستعيق البناء الديمقراطي في الوطن..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك