عامر هادي العيساوي
على الرغم من المآخذ الكثيرة التي يأخذها البعض على الشعب العراقي إلا أن هناك الكثير مما يحسب لهذا الشعب مما هو غير موجود لدى الشعوب الأخرى القريبة والبعيدة.ولست الآن بصد د ما يحسب له وإنما بصدد ما يحسب عليه.ان الشعب العراقي بمجمله شعب مسيس واهم ما يميزه في هذا الباب انه ينظر دائما بشك وريبة وخشية وخوف وعدم اطمئنان الى الحكومات التي تعاقبت عليه منذ أقدم العصور ومن إحدى أهم وسائله للدفاع عن نفسه امام تلك الحكومات التظاهر بالولاء لها ومن ثم الانقلاب عليها حين تكون الظروف مناسبة وحينذاك يتعامل معها بقسوة ووحشية قل نظيرها.أما الفترات التي يمنح العراقيون الثقة والولاء الصادق للحاكم فهي محدودة جدا في التاريخ وقد تميزت بتفانيهم الشديد من اجل حماية ذلك الحاكم والدفاع عنه حينما يتهدد ولكن خطا استراتيجيا كان يتكرر دائما فيحول دون النجاح في تامين تلك الحماية او ذلك الدفاع وهو فشل الحاكم في تنظيم محبيه وترتيب العلاقة بهم مما يسهل الانقضاض عليه من قبل خصومه المتربصين به.
وهنا يبرز السؤال التالي كيف يستطيع الحاكم أن يجعل ولاء العراقيين له صادقا وحقيقيا؟إن هناك طريقا واحدا ولا طريق سواه لتحقيق هذا الهدف وهو أن ينجح الحاكم في إشعار العراقيين بان هناك قانونا وان الجميع سواسية أمامه كأسنان المشط وأنهم متساوون في الحقوق والواجبات ولا سطوة لأحد على احد أيا كان وان هذه الدولة دولتهم وهذه الحكومة منهم واليهم, وهذا ما كاد يحصل فعلا حين رفع السيد نوري المالكي شعار دولة القانون قبيل انتخابات مجالس المحافظات فهب العراقيون للالتفاف حول قائمة دولة القانون وانتخبوا( المالكي) كما كانوا يقولون رغم عدم اقتناعهم بالأشخاص الموجودين في القوائم فقد كان اغلبهم ممن يحسنون اقتناص الفرص والانبطاح من اجل التسلق والعبور الى المناصب ومن ثم الانقلاب على أولياء نعمتهم وها هي الأحداث تثبت صحة وجهة نظرنا حيث انقلب الكثير من الفائزين الى عفاريت صغار يملاها الغرور وتتصرف بالضد من الجهة التي أوصلتهم والشعب الذي يعتقدون انه انتخبهم والحقيقة انه لم ينتخب أي احد منهم.
ولعل أهم ما رافق تلك التجربة من ممارسات يصعب تفسيرها ذلك التوجه الغريب باتجاه رؤساء العشائر الذين يمتلكون مشروعا يتناقض تماما مع القانون ودولته لان دورهم يكبر ويتنامى عندما يغيب القانون وتسود شريعة الأقوياء.إن من الأخطاء الشائعة اليوم لدى اغلب السياسيين اعتقادهم أن لشيوخ العشائر تأثيرا كبيرا في الشارع العراقي استنادا لما يرون من قدرتهم على تنظيم الولائم والمؤتمرات الاستعراضية ومن أعداد الملتفين حولهم والسائرين في ركابهم وقد نسوا أن كل ما يرونه عبارة عن مظاهر كاذبة وولاءات كاذبة سببها الأمل بالحصول على بعض المكاسب وقد أثبتت التجربة صحة ما نقول فقد خاض بعضهم الانتخابات ولم يحصلوا إلا على بعض أصوات غوائلهم.
ولو اطلع السيد نوري المالكي على أداء المكلفين بالملف العشائري ومجالس الإسناد والأموال المخصصة لها وكيفية تحويلها الى أداة لتحقيق المصالح الشخصية والزعامات الفردية المتناقضة تماما مع القانون ودولته والمصالح العامة لأعاد النظر بالكثير من المنطلقات. إننا بحاجة إلى دولة عصرية يسودها القانون ولسنا بحاجة الى مشايخ وإمارات كارتونية لا تحسن غير النفخ والطبخ.واليوم حيث يتجه العراق باتجاه أهم مفصل من مفاصل الوجود أو اللا وجود وهو الانتخابات البرلمانية القادمة وحيث تتكرر التجربة نفسها فان على جميع السياسيين مراجعة كافة أوراقهم احتراما للشعب العراقي الذي مما بحسب له وليس عليه انه شعب ذكي جدا.
https://telegram.me/buratha