الدكتور مصعب الجوراني
ثبت في تاريخ العراق الحديث أن الفترة التي سبقت تأسيس ما يسمى بالحكم الوطني في العراق قبل عام 1921 كانت فيها المدن العراقية تحكم بالنظام العشائري والدليل أن للعشائر دور في مقارعة الاحتلال البريطاني وتأسيس نظام الحكم السياسي - وكان هناك تنافس عشائري رأي يؤيد تنصيب الملك فيصل وأخر يؤيد تنصيب الشيخ خزعل أمير المحمرة ملكا للعراق- ونظرا لأهمية العراق الاقتصادية وسيطرة بريطانيا والدول الكبرى على السياسة العامة في الشرق الأوسط والدول الإقليمية المجاورة له جعلها تتدخل في شؤونه داخلية بشكل مباشر أو غير مباشر، فأسست بريطانيا (نظرية الحزب الواحد) رغم معارضة الفكرة بشدة من قبل المرجعية الدينية في العراق وأيدت لندن فيصل ملكا على عرش العراق بسبب قبول اسم العائلة لدى العشائر وولاء العائلة لبريطانيا- وبرز دوره في تسفير علماء الدين المعارضين للوجود البريطاني- ولكن بعد ترسيخ الحكم في العراق ظهر على الساحة السياسية الصراع الحزبي وقد أسهمت بريطانيا باستبدال هيمنة العشائر بهيمنة الأحزاب التي تشكلت وتعددت شكليا وفكريا ألا أن بريطانيا حاولت أن تجد لها ممثلا واحد في العراق يدير شؤونها ، فكان البداية فرضها (للعائلة المالكة) على عرش العراق ثم استبدلتها بجماعة (الضباط الأحرار) بقيادة عبد الكريم قاسم - رغم وجود عدد من الأحزاب الأممية والقومية واللبرالية
ألا أن توجهات هذه الأحزاب لم تتوافق مع توجهات لندن- لذا هيئت بريطانيا الفرصة للانقلابيين للإطاحة بحليفتها العائلة المالكة الذي انتهى دورها السياسي ليأخذ عبد الكريم قاسم دور (الزعيم الأوحد) رغم وجود ما يسمى( بمجلس الرئاسة) ولكن تخبطه بين القوميين والشيوعيين والإسلاميين وعدم أخذه لدوره الأحادي المرسوم له بشكل صحيح جعل بريطانيا تفقد الثقة به وتسحب البساط من تحت قدميه لتهيئ الأجواء لحليفه(عبد السلام عارف) والذي لعب معه (الدور الماكر) حتى حصل على ثقة بريطانيا ليعلن الحرب على كل من يعارض سياستها ألا أن القدر الذي احرق(عبد السلام عارف) في الجو والإتيان بأخيه الضعيف عبد الرحمن عارف لدفة الحكم بدعم من العسكريين الموالين لبريطانيا جعلها تبحث عن بديل من البعثيين على أن يكون مواليا لها فوقع الاختيار على (جماعة احمد حسن البكر) الذين استبعدهم عبد السلام عارف وفعلا نجحت هذه الجماعة بتوطيد أقدام الدول الكبرى في العراق والمنطقة وبعدما اكتشفت بريطانيا أن جماعة البكر أخذت تنقسم فيما بينها والضعف بدئ على البكر نفسه فكرت باستخدام (صدام حسين) الشخص الأحادي التفكير والذي هيئته طيلة العشرة السنوات (1968 - 1979) لإدارة شؤونها في العراق وفرض سيطرتها على المنطقة الإقليمية وأيضا لمواجهة انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وفعلا اخذ دوره حتى انتهى أمره عام 1991
ألا أن عدم وجود البديل عنه ومساهمة الدول الكبرى مع العراقيين في التغيير عام 2003ومع ما رافق هذا التغيير من دور للعراقيين فيه وظهور تيارات سياسية لاسيما الائتلاف العراقي الوطني المدعوم من المرجعية الدينية في النجف الاشرف ذات أكثرية التأثير في الشارع العراقي والذي يحاول تأسيس نظام تحكمه (معادلة التعددية) ويرفض (معادلة الأحادية) واستنتجت أمريكا - البديل عن بريطانيا في القوى الكبرى- أن تجربة بريطانيا طيلة الفترة الماضية يجب أن تعاد من جديد بإيجاد بديل مقبول ظاهريا - على انه حزب أسلامي ولكنه يدار من قبل أتباع أمريكا داخليا والذين تربوا في أحضانها كما تربى صدام وغيره بأحضان بريطانيا-
وفعلا نجحت بالسيطرة على حزب الدعوة والذي تحاول تغييره إلى (ائتلاف دولة القانون) لتستفيد من نجاحات الائتلاف العراقي والتي سخرها الإعلام المدعوم من أمريكا وإتباعها في المنطقة على أنها نجاحات محسوبة لشخص المالكي الذي رمى نفسه من اجل المصالح الشخصية في أحضان أتباع أمريكا في حزب الدعوة وهم (سامي العسكري وصادق الركابي وحيدر العبادي) وبذلك ساهمت هذه الجماعة بتشتيت الصف الشيعي (البيت الشيعي) في محاولة لإبعاد المرجعية العليا عن دائرة التأثير على الشارع العراقي لان أمريكا وجدت في جناح المالكي عدم انصياعه لمتبنيات المرجعية الدينية خاصة بعد رفض الإمام السيستاني مقابلة وفد المالكي الذي حاول كسب موافقة المرجع الأعلى لتشكيل ائتلاف جديد وعليه فان الإستراتيجية التي عملت عليها الدول الكبرى في طريقها للنجاح خاصة بعد إعلان المالكي قائمته الانتخابية والذي يأمل أن تساهم كافة الوسائل الداعمة الإعلامية والسياسية لصالحه كما فعلتها هذه الجهات في الانتخابات المحلية الماضية وفي النتيجة يكون المالكي أو حزبه تطبيقا لنظرية (دولة الحزب الواحد).
https://telegram.me/buratha