بغداد:عادل الجبوري
مرات قليلة ونادرة جدا بادرت فيها المرجعية الدينية في مدينة النجف الاشرف الى التدخل في تفاصيل وجزئيات الحراك السياسيي في العراق، وفي تلك المرات القليلة والنادرة كانت تقدر على ضوء قراءة دقيقة وعميقة للواقع انه ينبغي لها ان تفصح عن موقف واضح وصريح لايحتمل تأويلات وتفسيرات عديدة.ومن بين اهم القضايا التي كان للمرجعية الدينية في النجف موقفا واضحا وصريحا جدا ، هي قضية كتابة الدستور الدائم قبل خمسة اعوام، واجراء الانتخابات، وكان اصرار المرجعية الدينية في حينه على ضرورة ان يكتب الدستور من قبل هيئة منتخبة من قبل الشعب قد مثل واحدا من ابرز معالم الدور المحوري لها في اطار توجيه العملية السياسية بالاتجاه الصحيح.وقبل بضعة ايام صرح الدكتور حامد الخفاف المتحدث الرسمي بأسم مكتب المرجع الديني الاعلى اية الله العظمى السيد علي السيستاني "ان المرجعية الدينية العليا تؤكد على أعضاء مجلس النواب ان يكونوا في مستوى المسؤولية الكبيرة التي أنيطت بهم ويستجيبوا لرغبة معظم أبناء الشعب العراقي في اعتماد نظام القائمة المفتوحة في الإنتخابات النيابية القادمة. وتحذر من ان اعتماد نظام القائمة المغلقة سيحدّ بشدة من رغبة المواطنين في المشاركة في الإنتخابات و سيكون له تأثير سلبي بالغ على سير العملية الديمقراطية في العراق".وهذا التصريح ربما يكون قد وضع حدا لسجال سياسي حاد حيال قضية حساسة وخطيرة للغاية، الا وهي الانتخابات البرلمانية.وبعد ايام قلائل نقل سياسيون كبار زاروا النجف الاشرف والتقوا كبار المراجع، من بينهم نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، ورئيس الوزراء الاسبق ورئيس القائمة العراقية في مجلس النواب اياد علاوي، تأكيدات المرجعيات الدينية على اجراء الانتخابات المقبلة وفق نظام القوائم المفتوحة.وفي خطب صلاة الجمعة الاخيرة، تناول عدد كبيير من ائمة الجمعة،ومن بينهم معتمد المرجعية الدينية في محافظة كربلاء الشيخ عبد المهدي الكربلائي قضية الانتخابات، وشددوا بوضوح على خيار القائمة المفتوحة بأعتباره الاكثر تعبيرا من الناحية العملية والواقعية عن اراء وقناعات الجمهور، وكان من بين ما قاله الشيخ الكربلائي "ان اجراء الانتخابات والتداول السلمي للسلطة وحفظ حقوق جميع مكونات الشعب العراقي سيؤدي الى تحقيق الامن والاستقرار لهذا البلد، ونحن بحاجة سنة بعد سنة الى ترسيخ هذه الالية وتعزيز ثقة المواطن بها من اجل ان نوفر له المزيد من الرغبة فيها.. ومنهنا جاءت دعوة المرجعية الدينية العليا لاعتماد القائمة المفتوحة في الانتخابات بصورة عامة بأعتبار ان الناخب يتمكن من خلالها من اختيار من يراه مؤهلا لتمثيله في مجلس النواب وان القائمة المغلقة ليست من ارادته واختياره وهي لاتؤدي الى ايصال الاشخاص المناسبين الى مجلس النواب".وفي داخل اروقة مجلس النواب العراقي بدأت تتبلور رؤية موحدة تقريبا حيال قانون الانتخابات فيما يتعلق بطبيعة النظام الانتخابي، مع بقاء جملة من النقاط الخلافية التي قد تحول دون اقرار القانون خلال وقت قصير.ولكن -مثلما يرى الكثيرون-ان اتفاق الكتل والكيانات السياسية المختلفة على الية اجراء الانتخابات وفق نظام القوائم المفتوحة او بغيره، يعني قطع الجزء الاكبر من الطريق نحو اقرار قانون الانتخابات.فمكونات قائمة الائتلاف الوطني العراقي، المتمثلة اساسا بالمجلس الاعلى الاسلامي العراقي والتيار الصدري وتيار الاصلاح الوطني وحزب الدعوة الاسلامية -تنظيم العراق، والمستقلون، وحزب الوسط الذي انظم فيما بعد الى الائتلاف الوطني، وكذلك ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، وقوى سياسية اخرى، اعلنت موقفها بوضوح بتبني خيار القائمة المفتوحة في الانتخابات المقبلة، واكثر من ذلك،فأن كيانات سياسية هددت بمقاطعة الانتخابات في حال تم اقرار القائمة المغلقة.وفي خضم هذا السجال والجدل يذهب البعض الى ان هناك قوى سياسية تعلن تأييدها لنظام القوائم المفتوحة، بيد انها من الناحية الواقعية والعملية تعمل بالاتجاه المعاكس تماما، أي انها تعلن عن موقف، وتتبنى في واقع الامر موقفا اخر مغاير لموقفها المعلن.من هنا راحت بعض الاوساط تدعو الى ان يكون التصويت على قانون الانتخابات الجديد، او على أي تعديل للقانون القديم، من قبل مجلس النواب علنيا وليس سريا. والانتقادات التي وجهت الى رئيس مجلس النواب اياد السامرائي بسبب ماقيل من انه دعا الى ان يكون التصويت على قانون الانتخابات سريا جاءت في هذا السياق، وهو ما دفع السامرائي الى ان ينفي ما نقل عنه ويؤكد انه سيتم اتباع الية الاقتراع الالكتروني العلني على قانون الانتخابات.ولاشك ان تشديد المرجعية الدينية على الاخذ بنظام القوائم المفتوحة، واجماع معظم القوى والتيارات السياسية عليها، والتوجه الشعبي العام لها. ينطلق من جملة امور من بينها:-ان تجربة الانتخابات السابقة التي اجريت عبر نظام القوائم المغلقة، ادت الى وصول اشخاص بعضهم غير كفوئين وبعضهم غير نزيهين الى مجلس النواب، وهذا كان احد عوامل واسباب ضعف المجلس وعدم اضطلاعه بوظائفه التشريعية والرقابية بالوجه الصحيح.-طغيان النزعات والتصنيفات الطائفية الى حد كبير، لان القوائم المغلقة افرزت واقعا سياسيا في داخل مجلس النواب وخارجه كان فيه الكثير من التشنج والاحتقان الطائفي والمذهبي والقومي.-وهذا الواقع السياسي الذي افرزه نظام القوائم المغلقة في الانتخابات السابقة حال دون فتح الملفات الحساسة والخطيرة المرتبطة بالفساد الاداري والمالي والارهاب وغيرها، وطغيان ظاهرة المساوات والصفقات السياسية التي دفع المواطن العادي استحقاقاتها وتبعاتها السلبية.ويعتقد الكثير من السياسيين والمراقبين والمعنيين بقضايا الانتخابات ان تجربة انتخابات مجالس المحافظات التي جرت مطلع العام الجاري كانت رغم مارافقها من سلبيات واخطاء وهفوات وتجاوزات غير قليلة الا انها تبقى افضل من تجربة الانتخابات البرلمانية قبل نهاية عام 2005. ولكن ماينبغي الاشارة اليه هنا هو انه اذا كان هناك توافق في الاطار العام(ديني وسياسي وشعبي) على نظام القوائم المفتوحة، فأن مساحة الخلافات والاختلافات حول جملة من القضايا وتفصيلاتها وجزئياتها من قبيل قضية كركوك، واشراك عراقيي المهجر في الانتخابات، وعدد مقاعد البرلمان، ونسبة المقاعد التعويضية، وكوتا الاقليات، تلقي بظلالها على المباحثات والنقاشات الدائرة في داخل اروقة مجلس النواب، وفي اروقة سياسية اخرى بشأن قانون الانتخابات، ومثل تلك الخلافات والاختلافات تحتاج في نهاية المطاف الى توافقات سياسية،وليس الى اغلبية عددية، كما هو الحال مع قضايا عديدة سابقة.
https://telegram.me/buratha