ميثم المبرقع
طرح السيد الشهيد محمد باقر الصدر سؤالاً في نهاية السبعينيات وفي محاضرة موسومة (حب الدنيا) امام طلبة العلوم الدينية قائلاً "هل طرحت علينا دنيا هارون حتى لم نصنع مع صنعه هارون مع موسى الكاظم؟"منذ اكثر من ثلاثة عقود من الزمن استشرف السيد الشهيد الصدر هذا الافق وهذا المخاض العسير وكان دقيقاً في مثاله وسؤاله.ربما كنا نستغرب كثيراً كيف تجتمع امة لمحاربة ابن بنت نبيها في رمضاء كربلاء وكيف يتجرؤ مقربون الى رسول الله (ص) الى حرق بيت فاطمة بنت رسول الله لاخراج علي بن ابي طالب (ع) على البيعة.كنا نستغرب كثيراً ونتعجب ولم نجرب تلك اللحظة العصيبة والاختبار الصعب ونتساءل مراراً لماذا يقدمون على خذلان مسلم بن عقيل سفير الامام الحسين للكوفة وكنا نردد مع الخطباء تحت المنبر الحسيني " يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً" ولا ندري هل فعلاً اننا مهيئون لتلك اللحظة لنصرة الحسين (ع).لا احد منا كان يتمنى ان يمر بالامتحان الصعب الذي مر به اصحاب الامام الحسين (ع) وربما لو يرحمنا الله برحمته افضل من ان يبتلينا بمثل هذه المواقف فتزل قدم بعد ثبوتها. لدينا تجربة معاصرة لحسين العصر السيد الشهيد محمد باقر الصدر واخته العلوية بنت الهدى فقد وقفنا متحيرين في نصرته بين متخاذل ومستسلم ومناصر ومتفرج بحجة الوقوف على التل اسلم او كن في الفتنة كأبن لبون لا ضرع فيحلب ولا ظهر فيركب ولا وبر ويسلب بل بعضنا تحول يبرر جبنه وتخاذله للشهيد الصدر باسلوب قرأني مخطوء موظفاً قوله تعالى باتجاه اخر لم يكن هو المقصود فكان يردد ليخذلنا " ولا تلقوا بأيديكم للتهلكة".
ولم يقف مع السيد الشهيد الصدر الا قلة من انصاره ومحبيه وتحدوا وحشية وقمع السلطة البعثية وتحمل الضريبة الكبرى فصعد الكثير من طلائع الحركة الاسلامية على مشانق الاعدام وتحمل اخرون زنزنات تتلوى على ظهورهم سياط الجلادين.ولبى غير هؤلاء نداء الشهيد الصدر وفتواه الشهيرة في مواجهة نظام صدام فشكلوا خلايا جهادية تحولت تدريجياً الى فيلق بدر وساروا على النهج الذي اسسه الشهيد الصدر وسار عليه ورسخه شهيد المحراب.
ويبدو ان اختبار السلطة ومغرياتها اصعب من امتحان المحنة ومأساتها فقد كنا في السجون صابرين محتسبين وانقطعت عنا كل اغراءات الدنيا والشيطان فقد يصبر الانسان ويثاب رغم انفه فليس هناك سوى القضبان والسجان ولم تعرض علينا مغريات الدنيا والهوى ولكننا ابتلينا في احدى الاوقات بالتبرع بالدم او التطوع لجبهات الحرب لكي نثبت حسن سلوكنا وسيرتنا للطاغية صدام لعله يصدر بحقنا عفواً ولكن اغلب شبابنا رفضوا هذه التحديات والتهديدات ووقفوا وقفة مشرفة فلم يتبرع بعضنا بالدم لجرحى ضباط الجيش العراقي ولم نتطوع ولو شكلياً للجبهات ولكن ما يمكن الاشارة اليه ان بعض الاخوة من الشخصيات التي كانت تتميز بالتنظير اضطرت للتبرع والتطوع ولو شئنا لكشف اسمائهم لولا هتك الحرمات فهم مقربون من نوري المالكي فقال احدهم اني استخرت الله واستفتحت بالقران الكريم فجاءتني الاية الكريمة " فمن تطوع خيراً فهو خير له" وقال اخر اني تبرعت بالدم بنية وعنوان (الحجامة) بينما صمد غيرهم من الفتيان والشباب ولم يتبرعوا ولم يتطوعوا.وكان من هذه الشخصيات التي وقفت بشجاعة وصمود ورفضت عروض السلطات كثيرون نذكر منهم على وجه الشهادة لا للحصر هو الدكتور جمال عبد الرضا البصري وهو مازال حياً كان يعمل في المستشفى التعليمي قبل اعتقاله ومازال.هؤلاء الصابرون المحتسبون قد غيبوا من المعادلة الجديدة لاسباب تتعلق المحاصصة الحزبية بينما اختير في بعض مواقع وزارة الصحة كوكلاء من كانوا ضمن صفوف حزب البعث حتى عام 1986 عندما نعاني في سجون النظام وان تحولوا فيها بعد الى حزب الدعوة كعامر الخزاعي وغيره.
يبدو ان بعض الاحزاب تخشى السجناء وتقرب المتزلفين والخانعين والانتهازيين لشعور هذه الاحزاب ان الذي يواجه صدام بكل وحشيته واجرامه قد يستطيع مواجهة اخطاء هذه الاحزاب بشجاعة كما ان بعض الاحزاب تبحث عن المطيعين طاعة عمياء لا يناقش ولا يعترض على الاخطاء ولا يمتلك رصيداً تضحوياً او جهادياً فيبقى مديناً لاولياء نعمته بينما هؤلاء السجناء يختلفون في مواقفهم وبصيرتهم ومواجهتهم للاخطاء والاخفاقات.نساله تعالى الا يبتلينا بما ابتلى غيرنا بحطام الدنيا ومواقع السلطة واطماع الموقع وامتيازات المسؤولية فان في ذلك بلاءً واختباراً عسيراً.
https://telegram.me/buratha