فراس الغضبان الحمداني
لا يبالغ من يعتقد بان الديمقراطية ليس وصفة جاهزة تصدر من مرسوم جمهوري وتتحقق بعصا سحرية ، بل هي مواد في الدستور تستمد من قيم إنسانية وقيمة هذه النصوص في التطبيق وفي حجم الوعي والثقافة التي تكرس هذه الحقوق في زمان ومكان معينين .
ولهذا فان التوصيف الدقيق للتجربة العراقية هي أنها في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية ، أي إننا مازلنا في مرحلة تشكيلها وصياغتها وتجربتها على كل المستويات نصا وفعلا ، والذي يعنينا منها حرية التعبير عبر وسائل الإعلام في مختلف أشكالها وفي مقدمتها الصحافة المكتوبة ، وهنا يحق لنا إن نتساءل مع كل أزمة وفي كل مناسبة هل إننا نمتلك إعلاما حرا وإعلاميين أحرار أم إننا ما زلنا في مرحلة انتقالية أو انتقائية .
نقول ذلك ونحن نتأمل الضجة الإعلامية التي رافقت جريمة الزوية ، والغريب إن البعض نجح بتحويل القضية من جريمة قتل وسطو مسلح إلى قضية جانبية وفتح ملف جديد حيث تم تضخيم الأمر بطريقة مسيسة وغير بريئة حتى بما في ذلك خطبة الشيخ جلال الدين الصغير والتي تم استغلالها بطريقة تحريضية تؤكد بان هناك دوافع سياسية لا علاقة لها بحرية التعبير لأننا على يقين بان هذه الحملة التي يسميها البعض تضامنية وتبدوا من حيث الشكل صحيحة ولكن من يدقق بالدوافع سيجدها سياسية وبان هنالك من يؤجج المواقف ويدفع لأسباب انتخابية .
إن الحقيقة الساطعة في هذا الأمر تعد جريمة وتوظيفا سياسيا للإعلام والإعلاميين لتحقيق أهداف سياسية مدفوعة الثمن وخيانة للشعب ، والإعلامي الذي يقدم هكذا خدمة قد يستثمر من حيث يدري أو لا يدري موقفه بالتجارة السياسية التي تشهد يوما بعد آخر ومع اقتراب موعد الانتخابات ، ولعل من الممارسات الغريبة في سوق حرية التعبير ترى شخصا واحدا له أربع مواقف متناقضة في أربع مقالات وان من يدعوا استقلال الإعلام عن السلطة نراه ينبري ويدعو السلطة والمرجعيات الأخرى لاحتضانه وحمايته .
بل إن بعض الذين ادعوا الدفاع عن ثروات البلاد والثار عن ضحايا مصرف الزوية تراجعوا عن اتهاماتهم بل العكس غيروا الاتجاه وأصبحوا مداحين وطبالين والذي يهمنا بالأمر من هذه القضية إن نتساءل ونقول لماذا ضاعت الحقيقة في هذه الضبابية وأين وصلت نتائج التحقيق الجنائي في الجريمة .
ربما يغيب العقل وتختفي الحكمة في ذروة الأزمات وتتغلب العاطفة والانفعالات وتحجب الرؤيا عن حقائق الأمور وربما يقود التهويل إلى قلب الحقائق أو اقل تقدير تضخيم المشهد آلاف المرات متجاوزين بذلك حتى مثلنا الشعبي الذي يوصف المبالغة بتحويل ( الحباية الى كباية ) ولكننا نرى الآن في بعض القضايا بتحويل الحباية والكباية إلى ما يشبه جبال الهملايا .
ونحن نتابع هذا المشهد الإعلامي الغريب عن حرية الإعلام التي تتقاطع فيه المشاهد والمواقع وتتداخل فيه الأوراق لايسعنا إلا إن نردد وعلى لسان بطل المشهد المفترض وهو الصحفي الشريف الذي يظهر في اللقطة الأخيرة من الفلم ساخرا مما يجري إمامه وهو يردد .... وكم من الجرائم ترتكب باسم حرية التعبير ..؟ .
https://telegram.me/buratha