حافظ آل بشارة
ثاني جريمة قتل جماعي بعد الاربعاء الدامية التي جرت احداثها في آب الماضي ، عملية نوعية استهدفت وزارة العدل ووزارة البلديات ومجلس محافظة بغداد وقتلت وجرحت مئات العراقيين ودمرت سيارات ومباني ، وضحايا العملية كلهم من المدنيين ، العملية نفذت في مكان يحضى بحماية استثنائية ولايمكن ايصال سيارتين مفخختين الى مكان كهذا الا بمساعدة حتمية من الاجهزة الامنية التي تحمي هذا المكان ، فالاجهزة الامنية مخترقة كما هو معروف ، حيث ان هناك اكثر من 1500 ضابط في وزارة الداخلية تم استثناؤهم من قانون الاجتثاث ، وكذلك 200 ضابط قديم في المخابرات مازالوا يمارسون عملهم ، وهذه هي الارقام المعلنة اما الارقام غير المعلنة فلا نعرف عنها شيئا ، البلد الذي يبتلعه المجرمون المشمولون بالاجتثاث لا يمكن توقع مستقبل وردي ينتظره ، واضافة الى وجود المدبرين والمسهلين لهذه الاعتداءات على شكل شبكة تخترق القوات المسلحة ، اتضح من التحريات الاولية ان الشحنات المتفجرة التي تم تفخيخ السيارتين بها تتكون من مواد معقدة التركيب لايمكن تهيئتها الا باشراف خبراء متفجرات متخصصين وتنتج طاقة تدميرية هائلة ودرجات حرارة عالية جدا تعادل قدرة قنبلة نووية صغيرة ، يتمثل التحدي الاكثر دلالة في هذه العملية بكونها ثاني عملية قتل جماعي تنفذ في هذا المكان خلال اربعين يوما فقط ، وتستهدف اماكن سيادية ذات حماية مكثفة ، العملية الاولى التي كانت كارثة حقيقية استهدفت وزارتي الخارجية والمالية وقتلت وجرحت المئات ، اما الكارثة الجديدة فقد طالت اهدافا حيوية هي الاخرى ، خبراء الارهاب اشاروا الى عدة نقاط عدوها اسبابا منطقية لتكرار مثل هذه الحوادث ، منها : اولا : وقوع الملف الامني في ايدي اعوان النظام السابق بشكل شبه كامل مع اجتثاث العناصر المخلصة من الاجهزة الامنية بحجة تقديم عنصر الكفاءة والخبرة والمهنية ، ثانيا : عدم تنفيذ الاحكام الصادرة من المحكمة الجنائية العليا بحق المجرمين من ازلام نظام صدام حتى الان بل استمرار الجهود العربية من اجل اطلاق سراحهم ، واذا اطلق سراحهم فسوف يطلق معهم آلاف المجرمين ليعاودوا نشاطهم الاجرامي . ثالثا : اطلقت القوات الامريكية الاف المجرمين الخطرين من سجونها خلال الاشهر الاخيرة بدون استشارة الجانب العراقي وبعضهم استأنف نشاطه الاجرامي بعد اطلاق سراحه بيوم واحد وبعضهم اعتقلوا مجددا ، رابعا : لدينا وزير الداخلية قد تحول الى زعيم سياسي له حزبه وله برامجه السياسية والانتخابية مع ان القوانين تنص على ان يكون الوزير مدنيا مستقلا ومهنيا وموضع ثقة جميع الاطراف ولا يتدخل بالسياسة لانه يشغل موقعا قياديا في القوات المسلحة في البلاد والمعروف ان القوات المسلحة فوق الانتماءات ، ولم نسمع ان احدا في الحكومة او مجلس النواب حاول اثارة سؤال صغير حول وضع السيد الوزير وهناك سر من خوف الجميع من اثارة هذا الموضوع . خامسا : قيل ان لجنة تحقيقية تولت التحقيق في المذبحة الاولى في الاربعاء الدامي ، ومع ان الحكومة كشفت معلومات مهمة من التحقيق الا ان اجزاء غامضة منه مازالت تثير الاسئلة كما ان الناس لم يشاهدوا المجرمين المنفذين لهذه العملية معلقين على اعواد المشانق لردع امثالهم. سادسا : الدول الجبانة المنحطة سياسيا واخلاقيا تقاتل العراق بكل صراحة ولا تخاف شيئا والعراق من جانبه يخاف حتى من ذكر اسماء تلك الدول ،
العراق يخاف من القول بأن سورية تتسلم اموالا هائلة من شبكات الارهاب البعثية والتكفيرية وتوفر معسكرات ومناطق عبور لهم وان المخابرات السورية حريصة على اشعال الوضع الامني في العراق لاسباب ابرزها افشال المشروع الامريكي وان ادى ذلك لقتل الملايين ولكسب المزيد من الاموال وللظهور بمظهر اللاعب الخطير في المنطقة القادر على التخريب والايذاء لمنع القوى الدولية من التفكير بازاحة الحاكمين في دمشق ، العراق يخاف القول بأن اغلب الانتحاريين ينطلقون من السعودية باموال سعودية وتدريب سعودي وفتاوى سعودية ليست فقط تستحل دماء واعراض واموال العراقيين بل ترفع قدر من يمارس قتل العراقيين الى مصاف شهداء العقيدة الذين يحشرون مع الصحابة الكرام . فالانتحاري البهيمة باتي مدججا بالاموال السعودية والفتاوى الوهابية والتسهيلات السورية ، العراق يخاف ان يقول ان دولا عربية تؤوي البعثيين الصداميين المطلوبين للقضاء العراقي ، مثل قطر والامارات والاردن ومصر والسودان ، وتنفق ملايين الدولارات لتأهيلهم وتدريبهم وتقديم خدمات اعلامية وسياسية لهم ، ومن تلك الدول يصدر المجرم المطلوب للقضاء العراقي عزة الدوري بياناته المحرضة على القتل الجماعي للعراقيين ، ولا يجرؤ العراق على تقديم شكوى ضد تلك الدول مع انها تمارس عمليا توجيه وتخطيط الجرائم ضد الشعب العراقي ، الحكومة فتحت هذا الملف مع الامم المتحدة وقدمت شكوى دولية لكن الموضوع ايضا دخل مرحلة الغموض ولا نعرف النتائج ، العراق يخاف ان يقول باننا اصبحنا ضحية للصراع الاقليمي في المنطقة ، ومن اجل توسيع النفوذ السعودي وتوسيع الوهابية التكفيرية يجب قتل العراقيين بهذه الطريقة ، وان كانت الاطراف المسؤولة عن هذه المذابح في الداخل والخارج ذات نهج اجرامي وتفتقر للانسانية فان الذين يزيدون الم العراقيين في الداخل هم اسوأ خلقا واخطر اثرا وهم اؤلئك الذين يستغلون الكارثة من اجل توجيه التهم الى منافسيهم السياسيين او توجيه الاتهام الى دول اخرى لا علاقة لها بالموضوع ويبدو ان المتحدثين للاعلام بمثل هذه التصريحات المخالفة للحقيقة هم ليسوا اناسا عاديين بل هم جزء من الجناح الاعلامي للارهاب التكفيري وهدفهم ذر الرماد في العيون وتصفية الحسابات وتبرئة الفاعل الحقيقي وزرع الخلافات والشكوك بين الاطراف الوطنية ، انهم شهداء زور لا يجدون من يردعهم قانونيا او عرفيا ، ان التغلغل الارهابي الصدامي في دوائر الدولة يقطع خطوات واسعة وسط صمت او تهاون او تفرج متعمد من المعنيين بهذا الملف ،
كل هذه الجرائم لم تهز الدوائر المختصة بالامن لتتخذ اجراءات بحق المقصرين والمتهاونين ، في الدول الديمقراطية يستقيل الوزراء والمدراء لاسباب تافهة فهذا تحرش بموظفة ، وآخر استخدم سيارة الدولة في شأن شخصي ، وثالث تهجم على مواطن وسبب له اهانة ، واذا لم يقدم المسؤول استقالته تتم اقالته ويحاسب ، نعم يحاسب على تقصيره الاصلي ويحاسب لانه لم يقدم استقالته فورا ، اما عندنا ونحن بلد ديمقراطي ايضا فلو تحرش المسؤول بكل العراق لم يحاسبه احد ولو سرق كل العراق سيجد من يدافع عنه امام البرلمان باعتباره نزيها رغم انوف الجميع ، كل هذه المذابح لاتكفي لمحاسبة مسؤول ؟ اذن متى يحاسب المسؤول ؟ الاصوات البرلمانية النشطة التي كانت حريصة كل الحرص على مسائلة بعض الوزراء واحراجهم وترتيب مايشبه المحاكمة لهم لماذا لا نجد لديهم الرغبة نفسها والالحاح نفسه في محاسبة المسؤولين الامنيين هل هناك سر؟ هل يوجد وزير مستضعف وآخر مستكبر تحت قبة البرلمان ؟.
هل صحيح مايردده الشارع العراقي هذه الايام من ان الوزراء الامنيين اتصالهم مباشر مع امريكا وهي تدخلت في تعيينهم ولايستطيع حتى رئيس الوزراء نفسه اقالتهم ولا يستطيع البرلمان العراقي مسائلتهم ولا تستطيع الصحف نشر مقال كهذا خوفا منهم ؟ الا بعد حذف هذا المقطع ؟ واذا كان الشعب في سيارات الكية والمقاهي والاسواق ومجالس الفاتحة يتداول هذه المعلومات والتحليلات فهل يمكن حذف الشعب ؟ في مقال سابق توقعنا ان يشهد السباق الانتخابي في العراق فصولا دموية يسعى اصحابها الى اثبات فشل العملية السياسية ، وزرع المزيد من الاحباط في قلوب الناس بالشكل الذي يجعلهم يمتنعون عن التوجه الى الانتخابات ، ولم يكن هذا توقعنا فقط بل جميع العراقيين يتوقعون ذلك ، لماذا لم تتوقع القيادات الامنية ذلك وتحسب له حسابه ؟ واذا كانت تتوقع وهذا واجبها اذن لماذا لم تمنع الجريمة قبل وقوعها ؟ هل ان قواتها المنتشرة في كل مكان هدفها نقل الشهداء والجرحى بعد وقوع المذبحة الجماعية ام منع وقوع المذبحة ؟ هذه اسئلة نتمنى ان يطرحها نائب متحمس على وزير امني او قائد عسكري مختص في مسائلة برلمانية قانونية .
https://telegram.me/buratha