المقالات

الفيدرالية وشبهة التقسيم

1747 17:30:00 2006-09-27

بقلم: د. حيدر البابلي

لعلَّ من أكثر القضايا التي أثارت جدلاً في الوسط السياسي"قضية الفيدرالية" وما زال الصراع محتدما فيها.ً .طرح في هذهِ القضية موقفانٍِِ على طرفي نقيض.موقف فهم الفدرالية طريقا الى التقسيم,وموقف يفهمها طريقاً الى الخلاص من مظاهر العنف والقتل على الهوية,ويرونها الضمان لإيقاف نزيف الدم.فهل هي-حقاً-دعوة الى التقسيم كما يفهمها بعض الساسة ويروِّج لها أو دعوة حقيقية الى وحدة البلاد؟لابأس أن نستعرض- بنظرة موجزة – شيئاً عن الفدرالية ومفهومها.من الثابت تأريخيا ًفي عراق الأمس أنّه عرف الفدرالية بوصفها نظاماً من أنظمة أدارة البلاد في ظلِّ الدولة العثمانية حيث كان العراق أربع ولايات كبرى هي كركوك,الموصل,بغداد,المنتفق,وكان للبصرة وضع فدرالي خاص بها,ترتبط جميعها بالباب العالي في إسطنبول.فالفدرالية-إذن-ليست مشروعاً غريباً على الوسط العراقي ليحتاج الى أرض تتخصَّب فيها بذرتها.وتعني الفيدرالية:الإتحاد الطوعي بين مكونين أو اكثر لتشكيل كيان أكبر تتركَّز فيه السلطات السيادية,بعبارة اخرى:هي توسيع صلاحيات الأقاليم التي تتنازل عن بعضها السلطة المركزية دون القضايا السيادية,فهي بذلك نظام تعددي مع الحفاظ على مركزية السلطة.ويطرحها باحث آخر بأنها من دواعي تشكيل حكومة قوية,وبذلك تكون مشكلة العودة إلى المركزية ليس خوفاً من حكومة قوية وإنما من حكومة استبدادية تستقوي بأجهزتها القمعية وهو ما شهده الواقع العراقي في العقود المنصرمة,لذا يرى دعاة الفيدرالية أنّ الحلَّ المتوازن لإيجاد حكومة قوية تتمتع بمركزية من غير إفراط فيها ولا ذريعة لاستبدادها أن تمنح الأقاليم بعض الصلاحيات التي تدير بها شؤونها,ً فضلاً عن أنّ مظاهر العنف والقتل على الهوية أوجد ذريعة قوية لدعاة الفيدرالية أن يصروا على إقرارها وتطبيقها.أمّا الرافضون للفيدرالية فلم يعترضوا عليها من حيث هي واقع تأريخي-للتجربة التي مرّ َبها العراق في عهد الدولة العثمانية-ولا هي واقع دستوري سنَّته دساتير العالم ولا هي واقع ميداني لأنّه نظام معمول به في أكثر من أربعين دولة,وإنّما رفضوها من حيث هي واقع سياسي,والواقع السياسي,واقع متغيِّر تختلف ثوابته ينطلق من معيار الخسارة والربح.وعليه ما دوافع أو مبرِّرات تلك المخاوف, أهي دوافع واقعية, أم دوافع شخصية؟شاع عند بعض الساسة أنّ الفيدرالية دعوة الى التقسيم لأسباب منها:1-إنّ الرفض ليس رفضاً لمبدأ الفيدرالية, وإنّما رفض لدعاتها الذي يبغون التقسيم تحت غطاء الفيدرالية.وكان بعضهم أكثر صراحة لمّا اتهم دعاتها بأنّهم ليسوا عراقيين أو أنّهم عراقيون من أصول إيرانية فكان ولاؤهم إيرانيِّاً.2-وزعم آخر أنّهم ليسوا أصحاب مشروع وطني,فالعراق أكبر من حجمهم فآثروا تقسيمه الى ولايات أو إمارات,وهي دعوة واضحة الى التقسيم.3-وآخر استند في فكرة التقسيم إلى وثائق وخرائط يزعم أنّه مشروع التقسيم لمستقبل العراق,وآخر بلغ به السيل الّزّبى فهدّد َبعشيرته أن يقف دون التقسيم,وهم بذلك يترجمون مخاوفهم من خشية تشكيل دولة داخل دولة لها امتداد بإيران,بهذه الذريعة اقنعوا أنفسهم وروَّجوا لها.ولمّا سئلوا عن إقليم كردستان, وما امتيازات إقراره من غير رافض أو منكر له بل مؤيِّد له تمام التأييد آحتجوا بأنّ إقليم كردستان واقع مفروض وله خصوصيِّة اكتسبها من تأريخه النضالي واضطهاد أهله ومصادرة حرياتهم,والسبب القوي عند بعض الساسة أنّ كردستان العراق لا يخشى منه تشكيل دولة داخل دولة-على الرغم من أنّ واقع الأمر والحال يؤكِّد أنّه إقليم في صورة دولة داخل دولة وهم لا يعبئون بأحد أرفض ذلك أم قبل ولو أرادوا التقسيم لفعلوا من غير رادع لهم- فلا تشكِّل فيدراليتهم بل انفصالهم-كما رحَّب بها بعض الرافضين لفيدرالية الوسط والجنوب-خطراً على وحدة البلاد.وهنا أقول الإخوة: ماعاد ليخفى علينا دوافع من رفض إجمالاً وتفصيلاً وإن كان من حقنا الدفاع فأقول:1-كفاكم خدشاً وتشكيكاً بهوية العراقي, وكفانا عراقية أن ننتمي إلى العراق, وللأسف الشديد عندما يظهر لنا أناس يدعون الحرفة في السياسة والاستقلال عن الانتماءات الحزبية والفئوية والولاء لوطنهم ويكون هذا منطقهم منطق الجاهلية الأولى,هذا من أصل إيراني,وذاك له ولاء صفوي.أقولها ببساطة لا تركبوا موجة القومية بدعوى الوطنية فإنّ من كان قبلكم قد ركبها من دعاة الفكر البعثي المقيت فأقنع مريديه وأجبر الناس على قبول أطروحته القومية الفاشلة بأنّ هناك عدواً فارسياّ يريد أن يبتلعكم فأقحم الناس في حرب ضروس وشنّ حرباّ على جيرانه,إذ أوجد لهم عدواً وهمياً ليحكم السيطرة فعزف على الوتر القومي,وممارساته القمعية بحق الشيعة والأكراد أعرف من أن تخفى,أقسم بالله ياأخوة ما كنّا متطرِّفين ورافضين أحدا ًلكنَّ مظلوميتنا قتلت في مهدها,وما أمس الدابر عنا ببعيد إذ عزف الفكر البعثي مرة أحرى على وتر الوحدة الوطنية-مذكِّراً الأخوة-فغزا بلدا ًجاراً اسمه الكويت فصنع ما صنع باسم وحدة العراق وضرورة استعادة جزئها الذي لا يتجزأ منها.وعليه لا حاجة إلى المزايدة على عراقيتنا وعراقية غيرنا لأنه تشكيك ليس في محله ويلزم منه التشكيك بعراقيتكم كذلك-ياإخوة- وهو ما لا ندعو إليه ولا نتهم به أحداً.ولو تنزلنا آخذين بدعواكم أنّ دعاة الفيدرالية يرومون التقسيم لكان مشروعاً فاشلاً لا يجد طريقه الى النور,لأنّ إقرار الفيدرالية-كما لا يخفى عليكم-بعد التصويت عليه من مجلس النواب سيخضع إلى إقرار وإمضاء الشعب عليه عن طريق الاستفتاء,ولا أظنّ أحداً يعترض حينها-وإن كره- على إرادة الشعب أو يشكك بوطنيته.إن قبل بها أو رفض فلنترك كلمة الفصل إذن-ياأخوة- الى الشعب.فإن قلتم إنّ الشعب حديث عهد بالفيدرالية فلا يدرك خطورتها إن كان دعاتها في نيتهم التقسيم.نقول لكم :لا بأس بذلك,ولكن ماقيمة الرفض والإنكار إذا اختار الشعب تقرير مصيره فهو صاحب الشرعية الوحيدة التي لايعترض عليها سواءً أقبل الفيدرالية أم لم يقبلها,وبقطع النظر عن نوايا دعاتها,ومهما يكن من حال فإنّ الشعب يتحمَّل تبعات قراره وبذلك ننهي المشكلة,أمَّا من حرص على وحدة العراق فحذَّر من مغبة التقسيم–كما يزعم- فنقول له:جزيت خيراً على تذكيرك وتحذيرك فالأمر ليس قرارا ًفرديا وإنما قرار شعبي جميعنا سيقبل به.2-على فرض أنّ دعاة الفيدرالية يبتغون التقسيم فإنّ السلطة الدستورية تقف حائلاً دون التقسيم لأنّ الفيدرالية لاتعني الاستقلال التام عن السلطة المركزية,فليس من حق سلطة الإقليم البتَّ في القضايا السيادية مثل ترسيم الحدود ونحو ذلك,فهو من شأن السلطة المركزية لا من شأن سلطة الإقليم.3-لا يمكن أن نرتب واقعاً فرضياً على واقع حقيقي لمخاوف لامبرِّر لها.وكيف لإيران- لو اعلمنا الأخوة بعد ما ذكرت-أن تتحالف مع إقليم الجنوب تحديداً,هل المخاوف من فدرلة الجنوب تؤدي الى نتيجة حتمية للتقسيم وهل مخاوف التقسيم التفت اليها الإخوة في إقليم دون إقليم ,وفي إقليم لدولة من بين أكثر من أربعين دولة تعمل بنظام الفيدرالية؟وأذكِّركم بإقليم كردستان إذ لم نسمع صوتاً اعترض على فيدراليتهم بل منحوه الثقة والحق كل الحق في تقرير مصيره وكما ذكرت فإنّ من دعاة الرفض من صرَّح بعدم ممانعته من انفصال الأكراد ومع ذلك يتوجسون من خشية التقسيم فماذا يفعلون لو أنّ أهل الجنوب طالبوا بتشكيل حكومة على غرار حكومة كردستان.فضلاً عمَّا ذكرت فإنَّ أنصار الفيدرالية سيعترضون على دعاة رفضها بأنَّ لديهم كذلك مخاوف من فيدرالية كردستان,وعليه إمّا أن تكون المخاوف –من دعاة الرفض- على الطرفين وإمَّا أن ترفع عنهم شبهة التقسيم ويبرأون منها كما برأوا إقليم كردستان منها,ولن يقبلوا أي مبرِّر أو سبب آخركلمة أخيرة أقولها: ما تقرر من حقًّ للأكراد في إقامة إقليمهم فإن لأهل الوسط والجنوب-إذا أدوا-الحق نفسه في إقامة إقليمهم من غير تدخل لأحد,وما ذكروه من الامتياز التأريخي والنضالي للأكراد هو الامتياز نفسه يتقرر- ولاسيما -لأهل الجنوب فإنّ ما لا قوه من أشدِّ الظلم وأعتى الاضطهاد ما زاد على إخوانهم الأكراد,فكفى بخسا ًوتجاهلا ًلحقِّ المظلوم,ولنبسط أيدِ المحبة ونوثِّق عرى الأخوَّة,ولا تذهب بكم –يا أخوة- مذاهب الشك وسوء الظن.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك