( بقلم : المهندسة بغداد )
في فترة أعيشها بعيدا عن جو العمل لظروف بغداد القسرية فعملية القسر لم تطل فقط من يهجرون من الديار فهناك من يهجرون من العمل أما بسبب خطورة التنقل أو الهجرة من المصائب التي يطلعون عليها يوميا بما يعرف بالفساد الإداري الذي تجاوز بخطورته الإرهاب . وبينما أنا على هذه الحالة تراني أتذكر المواقف الحلوة وما اقلها أيام العمل مقارنة بمرارة التعامل مع وحوش كاسرة مهمتها بالحياة أن تلوث أنفسها وتلوثك فتقضي يومك هاربا من شخص يطاردك بفرشة سوداء لصبغ صفحتك لكي يبرهنوا لأنفسهم المريضة أن الجميع مثلهم والكل ملوث والعياذ بالله. ولا أرنو أن أتطرق الى السلبيات لتطرقي المسبق لها من جانب ولنيتي نقل صورة جميلة استحضرتها ذاكرتي لهذا اليوم.
فمن ضمن المحاولات اليائسة لمدير عام دائرتنا التي نخرها الفساد الادراي حتى أني استغرب أن البناية ما زالت واقفة لحد ألان !!! محاولته استرضاء أصحاب الشهادات العليا من مهندسين وغيرها وامتصاص غضبهم اللامتناهي من جراء اهمال حقوقهم وللغضب الجامح للمهندسين بسبب عدم ارسالهم أي دورة او ايفاد يخص عملهم واقتصار الدورات الهندسية على الإداريين فقط !!! فلقد الهمه عقله المبدع جدا في التشجيع على إقامة دورات تقوية للغة الانكليزية كما فعلت الكثير من دوائر الدولة وربما كانت دائرتنا من الأواخر في هذا المضمار خاصة في فترة ركود وفي محاولة لرفع المستوى العلمي قبل ان يجف عقل المهندس من محتواه بفضل المدراء العاميين . وفعلا عقدت الدورة بعد معارك دامية للدخول فيها فترى المدراء هم من يتزاحمون عليها رغم ان الدورة للشباب وخاصة للمهندسين ولن أطيل عليكم وبعد نزاعات وجلوس المدراء معنا بحيث لا نستطيع ان نتنفس بما تحتويه قلوبنا من محبة لهم ! فلقد حلت لنا الأيام هذه العسرة بان ضجر المدراء الدورة واستخفوا بها بعد حرمان العديد من المهندسين منها .
وفعلا استمرت الدورة واستفدنا منها كثيرا ونحن نتكلم عن واقع العراق المؤلم بلغة أخرى كنوع من التغيير ف <problems > العراق لا تنتهي والجميل في الأمر ان الأستاذ شخصية راقية جدا شاب طموحه كبير جدا في خضم واقع مؤلم وبائس والمسكين إنهم اخبروه بأنه سيلتقي بشباب وطلب منه برنامج علمي عديم الدسم وما إن التقى بنا حتى أدرك إن الحضور هم شيوخ بوجوه شابة فأمالهم ضاعت بعد تعينهم في هذه الدائرة المنكوبة بالإضافة الى الوضع التعس الذي يعكس على ملامحنا التجهم فما كان منه إلا أن يضرب شروطهم عرض الحائط وان يجعل لنا منهج من اختياره واختيارنا والمنهج عبارة عن توسيع الثقافة العامة ونقاش وحوارات في كل شيء وباللغة الانكليزية وكسر هذا الرجل بابتسامته حاجز الضجر وكان السبب الحقيقي لإيماني به شخصيا انه فعل ما يعتقده صحيحا ونحن معه ضربنا رأي المدير العام عرض الحائط مع بعض التنازلات عندما كان يهددنا <بفركشة> الدورة .
وفي يوم من الأيام جاء الأستاذ وكعادته ضامر لنا مفاجئة كانت غالبا ما تسعدنا ففي هذا اليوم تنحى عن المنصة وجلس أخر القاعة خلفنا قاتلا أريد أن تعينوا 3 حكام من بينكم ولم نعرف شيئا فقلت له هل سترشحنا لمحاكمة صدام فتبسم وفعلا اختار زملائي 3 وأكمل الأستاذ كلامه قائلا إليكم مني 15 ألف دولار والمطلوب من كل شخص أن يحدد مشروع لصرف المبلغ والمشاريع تقدم للحكام في غضون نصف ساعة وبعدها مهمة الحكام اختيار أفضل مشروع وأعطاه المبلغ كجائزة والمبلغ وهمي طبعا
وبينما أنا أتصفح وجوه زملائي الحائرة بين من يكتب وبين من وضع يده على خده تأملا وإذا بالنصف ساعة قد انتهت وبدء الحكام سؤال زملائي عن مشاريعهم فكل طالب يعرض مشروعه بإيجاز واليكم أكثر المشاريع تميزا الداخلة ضمن الترشيح النهائي
1- الزميل ا كان مشروعه شراء مولدة كهربائية ضخمة تغطي قرابة شارع من الاحتياج الكهربي وبذلك فانه سيسعد عدد كبير من الناس وبمبلغ بسيط 2- المهندس ب اقترح أن يصمم بالمبلغ ريبورت يكشف السيارات المفخخة ليزرع الفرحة في قلوب الناس وينقذ الأبرياء 3- المهندسة ج اقترحت أن تشتري مكتبة كاملة وتجعل الجميع يستعيرون منها للاستفادة العلمية في احد الكليات 4- المهندس د اقترح ان يشتري بالمبلغ شتلات جميلة ويزرع الساحات الجرداء بها 5- الزميلة هــ اقترحت شراء جهاز مهم لفحص الدم يحتاجه المرضى وهو غير متوفر وسعره يقترب من الجائزة 6- المهندسة و اقترحت أن نذهب للمستشفى ونختار حالة حرجة من ضمن الحالات ونرسلها للعلاج في الخارج باستخدام المبلغ
وجاءت لحظة الاختيار للجنة الحكم وبدئنا نتناقش بإسقاط مشروع تلو الأخر لاحقيه وأهمية بعض المشاريع عن الأخر فاعتبرنا مشروع المهندس د و ج هو مشروع جميل لكنه كمالي فاقتنعوا واعتبرنا مشروع المهندس ب رائع إلا انه سيكشف سيارة مفخخة واحدة وينفجر معها وكنت أتمنى أن يفوز الزميل ا صاحب فكرة المولد الكهربائي إلا أن المشاريع الإنسانية دائما هي الأقرب للأهمية وبهذا فازت الزميلة هـــ في مشروعها لشراء جهاز طبي لمستشفى ليستفاد منه اكبر عدد من الناس. صفقنا بحرارة جميعنا لفوز الزميلة هــ بالجائزة الوهمية وباركنا لها وكان الأمر حقيقة وصفقنا لبعضنا أيضا فلم نكن نظن إن أفكارنا متقاربة لهذا الحد فرحت كثيرا لان جميع المشاريع المراد بها خدمة البلد والشعب ولم تكن للأحلام الخاصة مكان في تفكير الشباب الذين لو أمعنت النظر لوضعهم لأدركت كم هم بحاجة للمال في وقت لا قيمة للشهادة في الرواتب وحجم العبء المنسوب لهم المتناسب عكسيا مع رواتبهم المتواضعة وأحلامهم الكبيرة
اليوم أناشد حكومتنا التي وضعنا فيها أمالنا بان ترى شبابا كالإزهار كيف يفكرون وأقول لها ادريكيهم وأنصفيهم قبل أن يشيبوا على هموم هذا البلد مشكلتك يا حكومتي العزيزة في انكي قادرة ولا شك في قدراتك إلا انكي تجلسين في قاعة مجلس النواب وأنتي تعلمين جيدا إن هنالك عقارب بشرية تتربص بكي وبذلك فان فكركي يا حكومتي مشتت ومشغول ولا استطيع ان اطلب منك ان تتخلصي منهم وتنتفضي لانهم قد زرعوا زرعا اسودا في مجلسكم الموقر للاسف حقيقة لا اعلم ما يدور في أركان هذه القاعة لكني أتحسسها فلا يمكن ان يتهاون الموالون رافعي راية علي ابن أبي طالب مع الخونة والظالمين الا إذا كان في هذا الصالح وقد قرئت قبل هنيئة قولا للسيد محسن الجابري يشبه الأمر بصلح الإمام الحسن ع مع معاوية وفعلا أظن ان التشبيهه في محله فلا أجد إلا أن أدعو لكي يا حكومتي بان يوفقكي الله وان يخلصك من العقارب لكي تلتفتي لابناءك وترسمي الفرحة في عيونهم ونشكر خطوة الحكومة في أن تصلح سلم الرواتب المجحف الذي أصدره بريمر ليزرع مزيد من الحقد والألم بان تصلحه لصالح ذوي الدخل المحدود وهذه بداية جيدة ونتمنى ان تنسق مسائلة الايفادات والدورات وان يحقق بها جيدا منعا للتلاعب وأسال الله أن أجد هذه الأحلام واقعا يوم من الأيام فمن الظلم أن يفكر المثقف في أحلام هي واقع منذ عشرات السنيين لدول أخرى ولعن الله من تسبب في هذا من البعثيين والمرتزقة والله يوفق الجميع ببركة الدعاء في هذا الشهر الفضيل
اختكم المهندسة بغداد
https://telegram.me/buratha
