المقالات

إنتخاباتنا: ترحال سياسي وإستقطاب لصعاليك المرحلة

840 15:54:00 2010-02-23

قاسم العجرش

العبث أصبح من السمات المميزة للعمل السياسي في العراق بسبب ما تراكم منذ عدة سنوات من عمليات سياسية خارج نطاق المألوف، ورغم التغيير الحاصل في الخطابات الرسمية خلال السنوات الأخيرة، فإن العاهات التي أصيب بها المجتمع السياسي أصبحت مزمنة ومستعصية على العلاج.وكلما حلت مواعيد الانتخابات تبرز بشكل أكثر وضوحا مظاهر العبث السياسي ،حيث يطغى الهدف الكمي على الأحزاب السياسية، وتكاد تتفق كلها في هاجس الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد، دون الاحتكام إلى معايير الاستقامة والكفاءة والفعالية؛ وما دام أن التجربة تؤكد بأن الذين يستطيعون «الفوز» في أغلب الحالات هم الأسماء اللامعة وأصحاب الشهادات حتى لو كانت مزورة أو في فكر القائد الضرورة، ومعهم أصحاب النفوذ والمال الوفير، الحلال منه والحرام، فإن الأحزاب السياسية عوض أن تتنافس في وضع برامج واقعية، وتجتهد في ابتكار الحلول الناجعة للمشاكل المطروحة، فإن جهودها أصبحت تتجه أكثر للتسابق على استقطاب أكبر عدد ممكن ممن ذكرنا لترشيحهم باسمها،وتحقيق نتائج «مشرفة» والتمكن بالتالي من احتلال المراتب المتقدمة داخل المؤسسات. ومع وجود الهاجس المشار إليه لدى الأحزاب فإن أصحاب النفوذ يتمتعون بحظوة خاصة، فالجميع يطلب ودهم، وحينما يتم استقطاب عناصر من هذه الفئة يتم منحها المكانة التي «تستحقها» داخل الحزب الذي وفدت إليه، ليس في الترشيح للانتخابات فحسب، وإنما كذلك في المؤسسات القيادية للحزب الذي استقطبها، وذلك على حساب الممنتسبين الحقيقيين للأحزاب المعنية، بقطع النظر عن رصيد هؤلاء أو كفاءتهم، أو تجربتهم، لأن المطلوب هو المقاعد التي يسهل الحصول عليها بالمال والجاه وهو ما لا يتوفر إلا لفئة يمكن تسميتها بـ (الكائنات الانتخابية) التي تمارس الترحال السياسي ويمكنها أن «تفوز» بأي لون سياسي مرورا باليمين والوسط واليسار دون أي حرج أو خجل.وفي ظل هذا الوضع الذي يميز المشهد السياسي يحصد العراق الكثير من العاهات والأعطاب التي تؤثر سلبا على مساره السياي، وتؤدي إلى المزيد من تفاقم مشاكله الاقتصادية والاجتماعية؛ ومن النتائج السلبية للممارسات السياسية المنوه عنها يمكن أن نشير على الخصوص لما يلي:1) استمرار تمييع التعددية الحزبية بشكل عبثي لا يعكس تعدد الطروحات الفكرية، والاجتهادات السياسية، وتنوع البرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإنما يعكس تزايد الطموحات الانتهازية لدى الفئات التي تراهن على العمل السياسي لخدمة الأغراض الذاتية والمصالح الخاصة.2) تكريس وترسيخ العبث السياسي الذي تختلط فيه جميع الأوراق مما يؤدي إلى صعوبة التمييز واختيار الأصلح والأجدر بتولي المسؤوليات التمثيلية.3) تراجع النخب المنتجة للأفكار داخل الأحزاب، ومن تجليات ذلك ضعف الخيال السياسي لدى معظم الذين يتصدرون المشهد الحزبي، وعدم التجديد في الأدبيات السياسية، وضعف أو انعدام المبادرات الناجعة في مواجهة إكراهات الحاضر وتحديات المستقبل، وتكريس ظاهرة استنساخ البرامج، وغياب عنصر التميز لدى كل حزب، وتكرار الخطابات الفارغة، والوعود المجانية، والطقوس المملة.4) بروز بعض القيادات والزعامات من أشباه الأميين والصعاليك والفاسدين والمفسدين، وما ينتج عن ذلك من انحطاط في الخطابات ورداءة في الممارسة السياسية، وطغيان الأنانية والوصولية، والدفاع عن المصالح الضيقة، وهدم القيم الأخلاقية والوطنية.5) التفاقم المقلق لظاهرة الترحال السياسي بين الأحزاب التي يتمرس عليها الانتهازيون وتزكيها الأحزاب التي تستقبل هذه الكائنات الانتخابية لرفع نسبة حضورها العددي في المؤسسات المنتخبة دون تقيد بأي التزام إيديولوجي أو سياسي فأحرى أخلاقي.6) عدم التجاوب مع رغبات المواطنين والتنصل من الوعود التي تقدم في الحملات الانتخابية، وعدم احترام معظم المنتخبين لمسؤولياتهم داخل المؤسسات التي يحصلون على عضويتها.وفي المجتمع الذي تستفحل فيه مثل هذه العاهات السياسية لا يمكن استغراب تزايد نفور الشباب ومختلف الشرائح من العمل السياسي والعزوف عن المشاركة في الانتخابات، وفقدان الثقة في المؤسسات، وخطورة الحالة التي وصلنا إليها لا تنحصر في رفض العمل السياسي المشروع، وإنما تكمن في الدفع بعدة طاقات للتطرف بتغطيات إيديولوجية متباينة يجمع بينها اليأس من العمل في إطار المؤسسات المشروعة مما يهدد الاستقرار ويجعل المستقبل مفتوحا على كل الاحتمالات التي لا تُحمد عقباها، خاصة وأن البلاد تعاني من انتشار الفقر والبطالة والأمية والتفاوت العميق بين فئة قليلة موسرة وفئات عريضة محرومة من وسائل العيش الكريم، فضلا عن التفاوت بين الجهات، وما تعرفه بعض المناطق من تهميش وحرمان من التجهيزات الأساسية والخدمات الاجتماعية، وترجيح المقاربة الأمنية في مواجهة الحركات الاحتجاجية على الحوار، والتضييق على الحريات، وغير ذلك من الظواهر والحالات المثيرة للتذمر والاستياء في الأوساط الشعبية.ولذلك فإن الحاجة الملحة للإصلاح لابد وأن تنطلق من معالجة الأمراض التي يعانيها المشهد السياسي، ولا يمكن وضع حد للفساد الذي أصبح يلمسه الجميع إلا باتخاذ تدابير سياسية وتشريعية وزجرية ملموسة في هذا الاتجاه، وخلق الظروف الملائمة لعقلنة الممارسة الحزبية، وضمان الفرص المتكافئة أمام التنافس المشروع، مما يساعد على إفراز نخب جديدة، ويعطي الأمل في الخروج من دوامة العبث، ويفسح المجال لقيام مؤسسات تتميز بالمصداقية، ويفتح الآفاق أمام الأجيال الصاعدة للمشاركة في بناء الغد الأفضل.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك