محمود الربيعي
أحوال الناس آخر الزمان 5المجتمع الإنساني عصر الظهور في تصور الرسول والإمامسلوك الناس آخر الزمان وفق رؤية إسلاميةالحلقة الخامسة
المقدمةالقرون المتعاقبة للتاريخ جاءت بتغييرات واسعة في عالمي الثقافة والإجتماع، وعلى أثرذلك برزت مظاهر جديدة مهمة في طبيعة تفكير الإنسان وصور تعامله مع محيطه الإنساني. فقد أحدثت تلك المظاهر تدنياً ملحوظاً في المعارف الإلهية والإلتزامات الدينية في الوقت الذي نمت فيه الدوافع المادية بحيث شكل كل من المال والجنس والمنصب جانباً كبيراً من إهتمامات الناس، وشهدت البنى الإجتماعية تغيراً ملحوظاً في تفكيرها وسلوكها إذ لم يبق للعلاقات بين الأبناء والآباء إلاّ الصور الشكلية بعد أن لعبت الثقافات الحديثة دوراً كبيراً في الحد من سلطة الآباء، وشجع على ذلك طغيان قيم الحضارات المادية التي تتخذ موقفاً من الدين، كم شهدت القلوب والعواطف الإنسانية ضعفاً ملحوظاً، إذ حلت العلاقات الجنسية الطارئة محل الحب المتبادل والإلتزامات الأدبي فيما بين الجنسينة، في الوقت الذي أتسعت فيه مساحة العلاقات الجنسية المحرمة والشاذة وحلّت محل العلاقات الزوجية، بالإضافة الى أختفاء مظاهر الرجولة والأنوثة في معضم الدول، وأصبح الرجال يتشبهون بالنساء، والنساء يتشبهن بالرجال.
المقدمات التأريخيةجزء المقدمة التأريخية ( 10 )وفي غيبة الطوسيوفي الدمعة عن تفسير علي بن إبراهيم عن عبد الله بن عباس قال: حججنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الكعبة ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ وكان أدنى الناس يومئذ منه سلمان قال: بلى يا رسول الله فقال: إن من أشراط الساعةإضاعة الصلاة واتباع الشهوات والميل مع الأهواء وتعظيم المال وبيع الدين بالدنيا.
رؤية وتحليلأولاً: إضاعة الصلاة: وذلك عندما يغرق الناس في أحضان الحياة المادية وينسون موتهم، وآخرتهم، وعلة وجودهم.ثانياً: وإتباع الشهوات، والميل مع الأهواء: ومن علامات آخر الزمان إرتكاب المعاصي، والدخول في المحرمات، وقضاء ألأوقات في الفسق والفساد، وإتباع المفسدين دون أن يردعهم رادع من أنفسهم.ثالثاً: وتعظيم المال وبيع الدين بالدنيا: وفي آخر الزمان يعظم الناس المال ويجعلونه هدفهم الأكبر فترخص دونه الأشياء وتستحل الوسائل لتحصيله على حساب القيم والمبادئ وحتى على حساب الأنفس والأعراض.
جزء المقدمة التأريخية ( 11 )فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره، قال سلمان (رضي الله عنه): إن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إي والذي نفسي بيده، يا سلمان إن عندها، يليهم أمراء جورة ووزراء فسقة وعرفاء ظلمة وأمناء خونة، فقال سلمان: إن هذا لكائن يا رسول الله؟ومن العلامات الأخرى أيضاً
رؤية وتحليلأولاً: تولية أمراء الجور: وفي جملة العلامات التي تعم المجتمعات آخر الزمان تولي أمراء الجور مقاليد السلطة والحكم، وهو أمر خطير يهدد الحقوق الإجتماعية والفردية للناس، ويفقدهم حرياتهم الشخصية في التعبير عن آرائهم ومطالبهم المشروعة.ثانياً: ووزراء فسقة: وفي مجتمعات يكون حكامها جورة لابد أن يكون وزرائهم على شاكلتهم لايرعون إلاّ ولاذمة، ولايخافون الله، يخوضون في الباطل كما يخوض الحكام في باطلهم.ثالثاً: وعرفاء ظلمة: ومن لسان العرب.. وعَرِيفُ القوم: سيّدهم. والعَريفُ: القيّم والسيد لمعرفته بسياسة القوم،والعَريفُ: النَّقِيب وهو دون الرئيس، والجمع عُرَفاء، قال ابن الأَثير: العُرفاء جمع عريف وهو القَيِّم بأُمور القبيلة أَو الجماعة من الناس يَلي أُمورهم ويتعرَّف الأَميرُ منه أَحوالَهُم، وقوله العرفاء في النار تحذير من التعرُّض للرِّياسة لما ذلك من الفتنة، فإنه إذا لم يقم بحقه أَثمَ واستحق العقوبة، ومنه حديث طاووس: أنه سأَل ابن عباس، رضي اللّه عنهما: ما معنى قول الناس: أَهْلُ القرآن عُرفاء أَهل الجنة؟ فقال: رُؤساء أَهل الجنة.رابعاً: وأمناء خونة: وإذا كان الحكام ظلمة كان أعوانهم ووزرائهم وأمنائهم خونة مثلهم لأنهم من جنس ثقافتهم الإجتماعية والأخلاقية.
جزء المقدمة التأريخية ( 12 )غيبة الطوسيقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إي والذي نفسي بيده يا سلمان، إن عندها يؤتى بشيء من المشرق ويؤتى بشيء من المغرب يلون أمتي فالويل لضعفاء أمتي والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيرا ولا يوقرون كبيرا ولا يتجاوزون عن مسيء، خيارهم حثا وقلوبهم قلوب الشياطين، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): إي والذي نفسي بيده يا سلمان.
رؤية وتحليلمن علامات آخر الزمانأولاً: إن عندها يؤتى بشيء من المشرق ويؤتى بشيء من المغرب يلون أمتي: وبسبب ضعف بلاد المسلمين وعدم وحدتهم تتولاهم شعوب أخرى تأتيهم من أطراف الأرض لتحكمهم بعد أن كانوا هم الحاكمين. ثانياً: فالويل لضعفاء أمتي والويل لهم من الله: وهنا يشير الرسول الأكرم محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الى ماسيلقى ضعفاء أمته من جور الجائرين، والويل للجائرين من عذاب الله. ثالثاً: لا يرحمون صغيرا ولا يوقرون كبيرا ولا يتجاوزون عن مسيء: ومن صفة أهل البغي والعدوان أنهم لايراعون حرمة لأحد فقد نزعت من قلوبهم الرحمة حيث لايميزون بين صغير ولاكبير، فالكل عندهم سواء والكل يتعرض للأذى دون أن تراعى أية ظروف للعباد.رابعاً: خيارهم حثا وقلوبهم قلوب الشياطين: ومن لسان العرب ورجل حَثيثٌ ومَحْثُوثٌ: حادٌّ سَريعٌ في أَمره كأَنَّ نَفْسَه تَحُثُّه. والحِثاثَةُ، بالكسر: الحَرُّ والخُشُونة يَجدُها الإِنسانُ في عَيْنَيْه. قال راويةُ أَمالي ثَعْلَب: لم يَعْرِفها أَبو العباس. والحُثُّ: الرَّمْلُ الغَلِيظُ اليابِسُ الخَشِنُ.ويتبين من العلامة التي يشير إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدى خشونة طباع الناس وغلظتهم، فمثلهم مثل الشياطين وهو أصدق وصفاً من أي شئ آخر.
جزء المقدمة التأريخية ( 13 )ومن علامات آخر الزمان أيضاًوعندها تكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها ويشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ويركبن ذوات الفروج السروج من أمتي فعليهن من أمتي لعنة الله، قال سلمان: وإن هذا لكائن يا رسول الله؟
رؤية وتحليلأولاً: تكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها: والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث في عصر النبوة عن زمان غير الزمان الذي يعيشه الناس آنذاك، فهو يبين مدى ماستؤول إليه حياتهم في آخر الزمان ويذكرهم بماحدث للأقوام السابقة من الإنحرافات عن الفطرة الإنسانية مثل قوم لوط وبقية الأقوام.ثانياً: ويشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ويركبن ذوات الفروج السروج من أمتي فعليهن من أمتي لعنة الله: إن الفطرة السليمة تدعو الى أن يحتفظ كل جنس بمميزاته لكي تستقيم الحياة بالشكل الذي رسمه الله لها من قيم للرجولة عند الرجال، وقيم للأنوثة عند الإناث وفي ذلك حفظ للنوع البشري ومكوناته الأسرية، وأما مخالفة تلك الفطرة فإنها ستؤدي إلى إهتزاز قيم المجتمع وعندها لايمكن السيطرة على مستقبل الحياة الإجتماعية وفي ذلك غضب الرحمن ونزول العذاب.
خاتمةإننا نرى بأن المبادرة الى عملية الإصلاح الإجتماعي لابد أن تستمر حتى لو إمتلئت الأرض ظلماً وجوراً وذلك لأن المسؤولية الدينية والأخلاقية تبقى في ذمة القادة الإجتماعيين والروحانيين، وعليهم واجب التثقيف وبث الوعي وبذل الجهد في سبيل الحد من الظواهر السلبية، وإن الواحد من هؤلاء القادة وفي مثل هذه الظروف يكون مؤهلاً لأن يكون جندياً من جنود الإمام المهدي عليه السلام، وسيكون في تلك الفترة رائداً من الرواد الذين يقودون بقية الأحرار في العالم.
https://telegram.me/buratha