المقالات

العـــــــــــــراق مــــن أيــــن وإلــــى أيــــــن ؟ هـــــل الأمــــريكيـــون حقــــا فـــي ورطـــــة ؟

2052 00:38:00 2006-10-21

( بقلم محمد ضياء عيسى العقابي )

لا أتفق بتاتا مع قول البعض بأن الأمريكيين في ورطة في العراق ولا يعرفون كيف يتخلصون منها. يستدل البعض على وجود هكذا ورطة من تناقض وتضارب تصريحات المسئولين الأمريكيين مدنيين وعسكريين، وبالأخص العسكريين منهم. أرى أن بعض التضارب ناجم عن جهل حقيقي بمشاريع إدارة الرئيس بوش والمحافظين الجدد، وبعض التناقضات مقصود للتمويه ويجري على طول الخط في كافة العمليات. أما البعض الآخر، وهو الأهم في موضوع العراق بالذات، فيتعلق بخصوصية المشروع برمته. بتقديري، لم يستوعب العسكريون ما يدور حولهم، عدا عدد قليل جدا في القيادة والتخطيط. لقد رأى العسكري إهمالا أو خروجا على بعض أسس العلم العسكري. مثلا، حساب القوة اللازمة لإحتلال العراق وحفظ الأمن فيه، حيث كان عدد الجنود متواضعا بأقل من ثلث العدد المطلوب حسب الخبراء، هذا أولا. وثانيا إناطة مهمة تسيير شئونه اليومية بالكامل بيد جنود غير متخصصين ولا مدربين لغير القتال الميداني أي حتى أنهم غير مدربين على القتال داخل المدن ناهيك عن تسيير الأمور اليومية وبهذه القوة الضئيلة عدديا. هذا ناجم، بتقديري، عن عدم الرغبة في إطلاع القادة، عسكريين ومدنيين، دون مستوى معين، بأن صراعا خفيا تخوضه أمريكا ضد أوربا ("القديمة"، كما أسماها رامسفيلد) على أرض العراق هدفه الاقتراب من منابع البترول لإستخدامه، أي البترول، كسلاح سياسي لانتزاع موافقة أوربا على سياسة القطب الواحد في العالم. ولم يخبروهم أيضا بأن معركة أخرى تجري مع القوى الساسية العراقية المختلفة. فعلى أمريكا أن تضمن انسجام العراق مع سياستها بعد أن يستقر الوضع فيه وتنتفي الحاجة لوجود أمريكا. لذا فكان على امريكا أن تطيل بقائها لبعض الوقت في العراق كي تسعى لتأجيج الطائفية الكامنة منذ تأسيس الدولة العراقية وتقسيم المجتمع إلى ثلاثة فصائل متناحرة افتعالا لتصبح أمريكا مرجعيتها السياسية وهي بعيدة عنها. وهذا بدوره يتطلب دعم الركيزة الثالثة أي الطغمويين، وهم ضعفاء شعبيا، بمد نغوذهم إلى داخل المؤسسات العسكرية والأمنية. وهذا، بدوره أيضا، يتطلب وجود حزب في السلطة راغب في إعادة قادة عسكريين ومدنيين بعثيين إلى المواقع الحساسة في الدولة. وهذا يتطلب أيضا، تفتيت قوة الإئتلاف العراقي الموحد لأنه قوة شعبية قادرة على شن العصيان المدني السلمي فيحرج الإدارة الأمريكية أيما إحراج أمام شعبها وأوربا المتخاصمة معها، فيما لو أرادت أمريكا الإمعان في آليات تفتيت الإئتلاف . الترجمة العملية اليومية لهذه الأهداف تضع العسكري الأمريكي في حيرة حقيقية وأزمة نفسية ووجدانية. مثلا، قيل له أنه هنا لتحرير الشعب العراقي من الحكم القمعي الدكتاتوري، وإذا به يلمس أنه ينتصر للظالم وينكل بالمظلوم؛ فهو لا يعلم أن حكومته تريد الطغموي الظالم أن ينشط وينظم صفوفه ومن ثم يقوم بتأجيج الطائفية والعنصرية وهذا بدوره سيعطي مبررا لبقاء القوات الأمريكية في العراق، وهكذا إلى آخر المسلسل.

عدم اتفاقي مع الرأي بأن أمريكا في ورطة في العراق، يزداد وثوقا عندما تنسب ورطة الأمريكيين المفترضة إلى "المقاومة" أي الإرهاب. كيف يقعون في ورطة من أفعال جهة خلقوها بانفسهم ومازالوا يتحكمون بها؟ لقد بينت في حلقات سابقة القرائن التي تثبت هذه الحقيقة. قد يقول البعض: كيف هذا وقد قتل من الأمريكيين ثلاثة آلاف جندي وجرح أضعافهم؟ أقول:

1- هناك جزء من الإرهاب يقع خارج السيطرة الأمريكية لكنه جزء صغير وقد يكون شرسا لإرتباطه بفكر ديني سوداوي كتنظيم القاعدة. وهذا يفسر لنا حصول معظم المعارك التي تجري في المنطقة الغربية من العراق.2- هذا هو ثمن خلق "المقاومة" ذات الحجم والمواصفات المقننة.3- كيف سيبرر الأمريكيون تدخلهم في شئون العراق وقد أخفقوا في العثور على اسلحة الدمار الشامل التي، بتقديري، كانوا على علم مسبق بعدم وجودها لأنها دمرت قبل فترة؟ تقديم الضحايا اسلوب من أساليب التبرير. طرحه وزير خارجية بريطانيا، السيد جاك سترو، عند حضوره إلى العراق بمعية الوزيرة كونداليزا رايس أثناء فترة توجيه الضغوط والإبتزاز لتشكيل الحكومة الحالية وتمرير صيغة "مجلس الأمن الوطني" أي صيغة "أهل الحل والعقد" بديلا عن الديمقراطية. قال "لنا الحق في أن تكون لنا كلمة في تشكيل الحكومة وقد قدمنا التضحيات لتحرير الشعب العراقي". يبدو أن هذه الحجة مقبولة في دنيا السياسة. لقد طرحها السفير السوفييتي في وارشو في أواخر سني الإشتراكية إذ قال إن الإتحاد السوفييتي قدم ضحايا كثيرين، يقدرون بمئات الألوف، لتحرير بولونيا من الفاشية، فلا يمكنها أن تقع بأيدي المعادين له. لقد كان على حق. غير أن الأمريكيين والبريطانيين ليسوا على حق. لماذا؟ لأن النظام الطغموي العراقي كان صنيعتهم أساسا من يومه الأول أي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في مطلع عشرينات القرن الماضي. أما النظام الطغموي البعثي الأخير فكان بلا أدنى شك من صناعتهم، أو على الأقل من نتاج تشجيعهم له. خذ مثلا في بداية ثمانينات القرن الماضي. حصلت ضجة إعلامية كبيرة في بريطانيا إثر نشر وثائق رسمية تحمل مخططا رسمه مبعوث خاص من رأس النظام الطغموي صدام والملحق العسكري في السفارة العراقية بلندن وآخرون، قضى باغتيال عدد من قادة "جمعية الطلبة العراقيين في المملكة المتحدة"، ذات التأريخ النضالي الديمقراطي المشرف الذي بدأ منذ بداية خمسينات القرن الماضي،( والتي كان لي شرف العمل بين صفوفها وفي لجنتها التنفيذية خلال السنوات العشرة الأولى لتأسيسها). أثير الموضوع في مجلس العموم البريطاني، وإذا برئيسة الوزراء، المرأة الحديدية، السيدة مارغريت ثاتشر، تدلي بأغرب تصريح مناف لكل القيم الديمقراطية البريطانية. قالت السيدة ثاتشر في مجلس العموم، حسبما نقلت صحيفة الكارديان في حينه، (لدينا علاقات ومصالح تجارية في العراق ولا نريد إفساد العلاقة من أجل بضعة طلاب). أما دعم حكومة الرئيس رونالد ريغان للنظام العراقي فمعروف للجميع منذ أن زار السيد رامسفيلد (وزير الدفاع الحالي) بغداد في مستهل ثمانينات القرن الماضي ورفع تقريرا إلى الرئيس يعلمه "بإمكانية العمل مع صدام حسين". وبناء على ذلك جرى ما جرى من دعم للنظام، كان من بين أخطرها الوسائل التقنية الخاصة بإلقاء القنابل الكيميائية من الجو. وهي الوسائل التي استخدمت لضرب مدينة حلبجة العراقية الكردستانية، حسب شهادة خبراء عالميين.4- الراسمالية لا تبكي على الأرواح التي تزهق سواء كانت أمريكية أو عراقية أو من اية جنسية أخرى مازال الأمر يصب في مصلحتها. أما متى تقلق وتذرف الدموع ففي مرحلتين: اثناء سير المعارك وسقوط الضحايا فعليها إظهار الإحترام والقلق الزائف لطمأنة أهالي الجنود و "الأخذ من خاطرهم"، هذا أولا. وثانيا، عندما يزداد عدد الضحايا الأمريكيين لدرجة أن تتولد القناعة لدى الشعب الأمريكي بأن حجم الخسائر لا يوازي النفع المرتقب. فيبدأ الضغط والاحتجاج الصاخب الذي يزداد مفعوله عند اقتراب موعد الانتخابات، ولا ينفع معه الإعلام الموالي. وهذا ما حصل في الحرب الفيتنامية عندما بلغ عدد الضحايا 54 ألف مقاتل أمريكي. الوضع مازال مريحا للأمريكيين في العراق، وبالتالي لإدارة الرئيس بوش الجمهورية. ولو كان الأمر غير ذلك لقفز الديمقراطيون إلى الواجهة مطالبين بالإنسحاب من العراق. لكنهم لم يفعلوا ذلك. قالت افتتاحية صحيفة النيويورك تايمز، التي نقلتها صحيفة "صوت العراق" الإلكترونية بتاريخ 14/10/2006، حول موقف الحزب الديمقراطي ما يلي: " ...أما الديمقراطيون فإن قلة قليلة منهم فقط مستعدة للمناداة باي راي يمكن أن يقود في النهاية إلى تحويل المسئولية عن هذه الورطة الكبيرة إلى أكتافهم". إنهم جميعا يعرفون ما هو مخبأ عن الناس العاديين. ويتحدث السياسيون عنه، سواء في أوريا أو أمريكا، بالإشارات، مستخدمين قدر الإمكان القيم الأخلاقية والمبدئية والسلام، وهو الأسلوب المألوف للتخاطب بين هؤلاء السياسيين على جانبي الأطلسي، عندما يبحثون ويتصارعون فيما بينهم، كي لا يفهم الناس أبعاد القضية ويفهمون بالنتيجة أنها كلها مصالح رأسمالية تسير على جثث الأبرياء من شعوبهم والشعوب المستضعفة. فالديمقراطيون، وهم ممثلو الرأسمالية الأقل شراسة، لا يريدون أن يورطوا أنفسهم في معركة مع الراسمالية الإحتكارية، رأسمالية البترول، التي يمثلها الحزب الجمهوري، حول فرض نمط القطب الأوحد في إدارة عالم ما بعد الحرب الباردة وعالم العولمة، واستخدام البترول كرمح ذي حدين أحدهما للضغط السياسي المباشر والآخر لكسب مزيد من الأرباح التي تنتج بالنهاية مزيدا من الضغوط السياسية على المقابلين لهم سواء كانوا حلفاء أو مناوئين. أعتقد أن الورطة الحقيقية مرتبطة بأمرين:أولا: عدم مقدرة أمريكا على تفتيت وحدة الإئتلاف العراقي الموحد لتصل إلى هدفها التكتيكي القاضي بحكم العراق عن بعد (بالريموت كونترول) عن طريق جعل العراق يجلس على ثلاثة ركائز "متناحرة " بافتعال لتصبح أمريكا هي المرجعية السياسية للحكومات العراقية القادمة؛ الركائز هي (شيعة – كرد – طغمويين) (يحلو للأمريكيين أن يسموا الطغمويين بالسنة وهو أمر غير صحيح). تجلت ورطة الأمريكيين في أمرين 1- ظهور قوة غير متوقعة من جانب الأمريكيين وهي الولاء الذي أظهرته الجماهير للمرجعيات الدينية، وبالأخص للمرجع الكبير آية الله العظمى السيد علي السيستاني. ولهذا الأمر مبرراته كان على الأمريكيين أن يفقهوه سلفا غير أنهم حكموا على الأمور سطحيا وأغفلوا طبيعة الشعب العراقي وأسلوبه في مقارعة النظم الجائرة، ذلك الأسلوب الذي شكّله وصقله النضال المتواصل منذ قرون وقرون. ظن الأمريكيون أن النظام البعثي الطغموي قد أدى واجبه على أفضل وجه فلم يعد هناك عراقيون قادرون على النظر بوجه أزلام السلطة أي أن الجميع قد خضعوا وأذلوا. هذا انطباع غير العارف بطبيعة العراقيين واسلوب مقارعة الطغاة وغدرهم. 2- ظهور شعب لم يستطيعوا الضحك عليه عندما تعامل مع صناديق الإقتراع لمرتين. ظنوا أن الإعلام، باهض التكلفة، المحلي والإقليمي وبعض العالمي سيجعل العراقيين يتجهون نحو مرشح الأمريكيين خاصة وأنه جالس في كرسي رئاسة الوزارة باختيار الأمم المتحدة نفسها فأصبح كالملك، والناس،كما يقول المثل، على دين ملوكهم.ثانيا: لاشك عندي أن أمريكا قدأصابتها الدهشة لمقدار الحقد الذي يختزنه الطغمويون للديمقراطية الذي ينطوي على احتقار الآخرين من أبناء شعبهم. فبعد جميع المآسي التي لم يشهد تأريخ الإرهاب مثيلا لها، يطلع علينا الشيخ حارث الضاري، رئيس هيئة علماء المسلمين، ليصرح لصحيفة الوطن السعودية بتاريخ 17/10/2006 بأن "الخروج من الأزمة الراهنة في العراق يكون بإنهاء العملية السياسية الحالية وتغيير الوجوه الحالية..." . وبتأريخ 12/10/2006 نشرت صحيفة "صوت العراق" الإلكترونية تقريرا نقلته عن صحيفة الشرق الأوسط حول "وثيقة مؤتمر الصلح بين السنة والشيعة في العراق". نقل التقرير عن الشيخ عبد السلام الكبيسي، المتحدث الرسمي بإسم هيئة علماء المسلمين ، قوله "لا يمكن الإنتقال إلى منهج تعميري في ظل منهج تخريبي ناجم عن الإحتلال الذي فرض صيغة المحاصصة الطائفية ومنطق الأقلية والأغلبية". فالشيخان منزعجان من "العملية السياسية" و "الوجوه الحالية" و "منطق الأقلية والأغلبية". أي إنهما ضد الديمقراطية جملة وتفصيلا، ونحن في القرن الواحد والعشرين. كل الذي تنازل الشيخ حارث الضاري عنه من "تحفيات" نظام الإبادة والمقابر الجماعية والتطهير العرقي والطائفي هو "صدام" وكفى. لقد قال في المقابلة الصحفية المنوه عنها أعلاه: "إن الخروج من الأزمة الراهنة في العراق لا يكون بالدعوة إلى الإفراج عن الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي أصبح من الماضي...". من ناحية أخرى، لا أعرف مالذي منع الشيخ الكبيسي وهيئته من قطع الطريق على "المحاصصة الطائفية التي فرضها المحتل" باتخاذ الموقف النبيل الديمقراطي التالي: يا أحبتنا الفائزين في الانتخابات، إحكموا الآن بموجب ما اسفرت عنه صناديق الإقتراع والله معكم، وسنراقبكم وننتقدكم نقدا بناء في مجلس النواب ووسائل الإعلام. فلا محاصصة ولا طائفية وليخسأ المحتل الذي يريد تأجيجهما، وسوف نحتكم ثانية إلى صناديق الإقتراع في ميعادها أو قبله حسب الدستور الذي صوت عليه الشعب ونحترمه. لابد وأن الأمريكيين قد اصابهم شعور مختلط من الإشمئزاز والسخرية والغبطة في آن واحد:فالإشمئزاز : سببه ممانعة الطغموي من أن يقف على قدم المساواة مع أخيه المواطن الإنسان أمام صندوق الإقتراع، وهو يدعي الجهاد ضد الأجنبي؛ وهدف الجهاد صيانة كرامة الوطن، وكرامة الوطن مستمدة من كرامة أبناءه الذين يحتقرهم . فأية كرامة يدافع عنها الطغموي وهو يحتقر أبناء بلده؟ وهو يدعي إلتزامه بالإسلام. والإسلام يحرم التمييز بين الناس والإضطهاد والإقصاء والقتل. فأين هذه القيم التي يرددونها على مسامعنا ألف مرة في اليوم؟والسخرية: مبعثها سؤال النفس بعد التأمل: مالذي أنجزه هذا الطغموي لصالح العراق حتى ينظر لنفسه هذه النظرة المتعالية على أبناء جلدته؟ هل أنجز ما أنجزه المسيحيون في لبنان، مثلا، من إنجازات حضارية في مجال العلوم والفنون والأدب والسياسة وحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية والتواصل مع الحضارة العالمية؟ هل تعدت إنجازات الطغموي الخضوع للأجنبي الذي مثله خطاب السيد عبد الرحمن النقيب الموجه إلى المس بيل، وفرض الدكتاتورية وسلب السلطة من أبناء شعبه وكبت الحريات وإقصاء الآخر ووضع الناس في المعتقلات والسجون وقتلهم تحت التعذيب، وأخيرا إنحط إلى مستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي وزرع الأرض العراقية بالمقابر الجماعية؟ وبعد كل هذا يشرّف نفسه بنفسه، فينسب جميع إجرامه وموبقاته إلى الطائفة السنية المحترمة ويدعي الدفاع عنها للتخفي وراءها، ولمحاولة الخروج من الحالة الطغموية المعزولة إلى الحالة الطائفية الرحيبة. الطائفة السنية لم تطلب دفاعه عنها لأن جماهيرها لم تقترف ذنبا وهي غير متهمة، بل هي نفسها أصابها الأذى من ذلك النظام الطغموي. وأخيرا ما هي إنجازات الطغموي، رغم تمتعه بميزات السلطة التي كانت بين يديه، مقابل إنجازات الديمقراطيين في جميع مناحي الحياة، وهم خارج السلطة ومطاردون؟ أما الغبطة: فيستدرك المسئول الأمريكي ويفيق من تأملاته ويعود للواقع المر ويتذكر واجباته وأوامر قيادته له بتأجيج الفتنة بين العراقيين، فيغتبط لأن المسرح معد جيدا دون عناء ولا حتى تأنيب ضمير، لأنه سوف لا يفعل شيئا سوى عدم إجهاد النفس وأحيانا بغض النظر، وسينساب الطغموي، دون دفع منه، إلى الحشود في الأسواق والجوامع والكنائس والحسينيات والمدارس لتتطاير الأشلاء وينشأ الحقد والكراهية وتتأجج الطائفية. وتبقى مهمة السيد السفير والرهط الذي معه وخلفه والراقصين أمامه أن يوزعوا المسئولية، بعدالة الراسمالية المعروفة بحسن تكتكتها، على الجميع وسوف يدعمه الإعلام العربي.هنا وقع المخطط الأمريكي في حيرة حقيقية: فالديمقراطيون لا يتنازلون عن المبدأ الديمقراطي الذي أخذت به دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. لقد رفضوا صيغة "مجلس الأمن الوطني " أي صيغة "أهل الحل والعقد". حجتهم أن العراق صاحب أول حضارة وبرلمان في العالم. والطغمويون يمقتون الديمقراطية، لأنهم يريدون استرجاع السلطة المفقودة، أو بالأقل، الحكم بصيغة "أهل الحل والعقد". والأمريكيون، لا يريدون أن يتركوا الطغمويين وشأنهم ويطفئوا "مقاومتهم"، لأنهم بحاجة إليهم لتشكيل نمط الحكم المرتكز على ثلاث أعمدة، وتفعيل وتمرير قوانين السيد بريمر الإقتصادية. وفوق هذا وذاك، تضاف ضغوط النظام الرسمي العربي الكاره للديمقراطية، والضغط الأوربي والروسي وجميع الذين انتفعوا من "وليمة لنفط العراق".جرب المخطط الأمريكي حظه في سلوك طريق تفتيت الإئتلاف العراقي الموحد ولم يفلح لحد هذا اليوم. لا يستطيع المخطط رفع وتيرة ضغطه على الإئتلاف، لأنه قد يواجه بعصيان مدني سلمي يقضي على مشروعه العراقي والشرق أوسطي والعالمي. لذا فالمخطط في حالة لا يحسد عليها. تشير المؤشرات إلى أنه يسير على محورين متوازيين: الإلحاح على ضرب الميليشيات الشيعية لتتوفر الفرصة لإختراق العمق الشيعي وتفجير أحد المراقد أو قتل المراجع لينفلت الأمن تماما وقد تنشب حرب أهلية محدودة فتصرف الحكومة المنتخبة وتشكل حكومة طوارئ أو إنقاذ وطني ليتبع السيناريو الذي تم شرحه مرارا في الحلقات السابقة. بنفس الوقت هناك بعض الهمة في ملاحقة الإرهابيين هذه الأيام. ولكن من غير الواضح إن كانت الملاحقة جادة أو لذر الرماد في العيون انتظارا لنضوج ظروف الخطة الأولى. ليس تحبيذ الأمريكيين لمرشح القائمة العراقية ناجما عن كون قائمته "علمانية" مقابل قائمة الإئتلاف العراقي الموحد "الدينية". إنه إفتعال أمريكي لتخويف الناس من الحكم الديني الإيراني المتشدد، وصيغة "ولاية الفقيه". يعلم الجميع بأن الحكم الديني وولاية الفقيه غير واردتين في منهاج الإئتلاف، اللاعب الرئيسي في صياغة الدستور الذي جاء خاليا من هتين القيمتين وأكتفى باحترام الدين الإسلامي. وقد أوردت إلتزامات قادة فصائل الإئتلاف في حلقات سابقة وآخرها قول الدكتور علي الأديب، القيادي البارز في حزب الدعوة، في المقابلة الصحفية التي أجرتها معه صحيفة الأهالي ونقلتها صحيفة "صوت العراق" الإلكترونية بتاريخ 12/10/2006، "التجربة الإيرانية لا مكان لها في العراق".تحبيذ أمريكا للقائمة العراقية ينبع من ضعفها وعدم جماهيريتها وهشاشة حركة الوفاق المعبئة بالبعثيين غير المؤمنين بالديمقراطية، والذين قد تكشف أمريكا عن وثائق بعثية سابقة عن بعضهم تؤلب الناس عليهم في أي وقت يقفون به ضد أمريكا. وهذا هو طريق كسب العملاء. لقد ظهر أن بعض قياديي الحركة كانوا يتخابرون مع النظام الطغموي البعثي وهم في صفوف المعارضة بلندن. كما أفصح السيد إبراهيم الجنابي المتحدث بإسم "مرام"، والذي هدد بسفك الدماء حتى "الرجاب" (وفعلها)، لراديو البي بي سي العربي، عن تمسكه ب "الديمقراطية" عندما قال هاتفيا : (قلنا لهم نريد مجلسا متوازنا وإلا...) فسألته المذيعة الشابة، علياء شرباتي على ما أذكر، سؤالا لم يخل من التهكم "ومن الذي يقرر توازن المجلس، يا سيد إبراهيم، أنت أم صناديق الإقتراع؟".لو لم تكن لدى أمريكا أهداف ستراتيجية غير مشروعة، بتقديري، لم ولا يقرها الديمقراطيون العراقيون، مثل القوانين التي أصدرها السيد بول بريمر قبيل مغادرته منصبه وخاصة القانون رقم 39 الذي يضع الاقتصاد العراقي ونفطه في أيدي الشركات الأجنبية بشهادة صحيفة التايمز اللندنية نفسها وهي صحيفة راسمالية محافظة، لما أضطرت أمريكا إلى إنتهاج التكتيكات المبينة فيما سلف ولاختطت لنفسها طريقا أسهل وأسلس منطلقة من الثقة المتبادلة بين الجانبين الأمريكي والديمقراطي العراقي. لو خلصت نية الأمريكيين بالركون إلى هذا الأساس لكان بالإمكان إحداث التغيير من النظام الطغموي إلى النظام الديمقراطي وفق نموذج مناسب ومدروس يأخذ بالإعتبار ظروف العراق والشعب العراقي من جميع الجوانب. أدرج أدناه أحد النماذج الذي أسميه "طريق الثقة المتبادلة" والذي كان بالإمكان تطبيقه للوصول إلى الهدف المنشود. أدرجه هنا ليتبين للقارئ توفر السبل العملية السلسة لو خلصت نية الأمريكيين: طريق الثقة المتبادلة:أي طريق حسن النية حيث تولى الثقة لحكومة عراقية ائتلافية كاملة السيادة وتشكل منها ومن الأمريكيين لجنة استشارية بمستوى وزاري لمتابعة المواضيع الرئيسية وهي توطيد الأمن وإعادة تأسيس جيش عراقي وقوة شرطة وأمن وحرس الحدود وإعادة الاعمار والبناء الديمقراطي. أعتقد أنه كان من الأوفق وأكثر عملية لو جرى الأخذ بالمبدأين الستراتيجيين التاليين في بناء الدولة الديمقراطية في العراق على أيدي العراقيين ومساندة أمريكية نشطة للتعويض عن نقص الخبرة العملية، التكتيكية والستراتيجية، التي يفتقر إليها العراقيون في مجال التعامل والبناء الديمقراطي:1- ضبط الأمن بالطريقة التقليدية التي اعتاد عليها العراقيون أي باستخدام الحزم والشدة مع تحاشي الإساءات اللاقانونية واللامبررة؛ ومن ثم الانفتاح باتجاه الانفراج والحرية والديمقراطية بقدر النجاح المتدرج في السيطرة على الموقف الأمني. العراق ليس ألمانيا أو اليابان الدولتين اللتين هزمت فيهما الفاشية، وكانتا دولتين صناعيتين أصلا أمكن تنظيم المجتمع الجديد عبر الإنشداد للصناعة والأعمال الخدمية جنبا إلى جنب مع إعادة تشكيل الكيان السياسي وهيكل الدولة على أسس جديدة ديمقراطية. أما العراق فبلد نام خرج من بيئة فاشية، وهي آخر مراحل النظام الطغموي منذ تأسيس الدولة العراقية، فيه طبقة واسعة من الطفيليين المسلحين والمدربين تدريبا عسكريا جيدا ومعبئين بروح حاقدة على الشعب؛ ونسبة عالية من البطالة المقنعة فأصبح لا يمكن ضبط الأمن فيه إلا عن الطريق التقليدي الذي تعود عليه الناس ولكن لفترة وجيزة ريثما تتلمس الجماهير، التواقة للحرية والديمقراطية، طريقها إليهما بمساعدة الأحزاب الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني التي يلزم تشجعها، هي ذاتها، على النهوض والقيام بدورها دون عوائق. ومن جهة أخرى ستتوفر الفرصة المناسبة، التي لا تخلو من توتر وخوف وهما ضروريان لبدء عملية تنقية الذات، للطغمويين لمراجعة أنفسهم ومحاولة إعادة تأهيل أفكارهم لتنسجم مع القيم الديمقراطية ونبذ العقلية الطائفية والعنصرية والإستئثارية والإقصائية؛ أو على الأقل تنقية النفس من الكراهية وروح الاستعلاء الفارغ لجعل الفكر جاهزا لهذا النبذ وذاك الإحلال.2- تنشيط الاقتصاد العراقي وفق هياكله القائمة بجميع فروعه ومن ثم الانتقال بتخطيط علمي إلى الخصخصة. أعتقد أن الأمريكيين كانوا يتخوفون من هذه الخطوة لئلا تعزز القطاع العام وتصعّب الانتقال إلى الخصخصة. بينما كان ملحوظا بوضوح في حقبة السبعينات أثناء فترة "الخطة الانفجارية" ميل كثير من المواطنين وخاصة الفنيين من مهندسين وحرفيين إلى العمل في القطاع الخاص وإنشاء ورش وكيانات إنتاجية خاصة بهم رغم ملاحقة الدولة لهم.ربما كان سيحصل السيناريو التالي لو أخذ بالخيار التوافقي الذي نحن بصدده:1- توسيع حكومة المنفى التي تكون قد شكلت قبل مدة مناسبة قبل التحرير (في حالة التعامل بمبدأ الثقة المتبادلة ) لضم عراقيين من الداخل، والاستعانة بالعناصر الديمقراطية من داخل وخارج العراق في جميع مفاصل الدولة الجديدة،2- تسوية الوضع مع الأمم المتحدة واعتبار قوات التحالف بمثابة قوات متعددة الجنسيات بإشراف الأمم المتحدة، ويكون تواجدها بطلب من الحكومة العراقية ريثما تجرى الانتخابات،3- دخول قوات التحرير إلى المدن الغربية أيضا كما دخلت المدن الأخرى. (إن عدم دخولها الفعلي كان مقصودا لأسباب شرحتها في حلقات سابقة)،4- تشكيل قيادات عسكرية مشتركة عراقية تحالفية لقيادة قوات التحرير،5- حل كافة التشكيلات المسلحة عدا الجيش النظامي والشرطة بأنواعها وحرس الحدود بعد تطهيرها من العتاصر السيئة، على أن يصار إلى حل الجيش في مراحل لاحقة بعد تأمين وسائل العيش الكريم لضباطه ومراتبه وجنوده،6- إلقاء القبض على كافة ضباط التشكيلات المسلحة خارج الجيش وضباط القوى الأمنية المنحلة وقيادات حزب البعث من مستوى عضو فرقة فما فوق، وجميع غير العراقيين العاملين في الأجهزة القمعية للنظام وذلك من باب احترازي أساسا يرمي إلى إحباط أية محاولة لتنظيم عمل إرهابي مضاد،7- إلقاء القبض على المجرمين الذين أطلق النظام المخلوع سراحهم،8- تشكيل هيئات تحقيقية نظامية للمباشرة بالتحقيق وإطلاق سراح من لا توجه تهمة إليه، ونقل القياديين ممن لا تثبت تهمة عليهم إلى وظائف غير قيادية،9- فصل القضاء عن السلطة التنفيذية وتأهيل المحاكم للمباشرة بأعمالها،10- تباشر المحاكم بالنظر بدعاوى العقارات والأملاك المصادرة والعائدة للمهجرين،11- إعادة المفصولين السياسيين إلى أعمالهم،12- سحب القوات المتحالفة إلى خارج المدن وتولي ميليشيات الأحزاب المؤتلفة والشرطة وربما الجيش العراقي ضبط الأمن داخل المدن،13- يتم مزيد من تطهير الشرطة وحرس الحدود من العناصر السيئة،وتطعيمهما بعناصر ديمقراطية،14- إطلاق حرية الصحافة والأحزاب والنقابات والجمعيات وإطلاق الحريات العامة الأخرى،15- مزاولة جميع الوزارات ودوائر الدولة والجامعات والكليات والمدارس أعمالها بكيفية اعتيادية، ويتم إعادة المفصولين إلى وظائفهم كما يتم تطهير تلك المؤسسات من العناصر المفسدة بموجب لجان تحقيقية نظامية ومساهمة العاملين،16- تشكيل لجنة عليا ولجان اختصاص لتشخيص أسس وخطوات البناء الديمقراطي والاستعانة بخبرة وإشراف الأمم المتحدة والخبرة الأمريكية وغيرها في هذا المجال، ويشمل ذلك وضع الأسس السليمة للتوظيف وفق مبادئ: مبدأ تكافؤ الفرص ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب ووصف العمل وتقييم العمل،17- تشكيل هيئة عليا مختصة للإعداد للانتخابات العامة بإشراف الأمم المتحدة والهيئات الدولية المعنية على أن تجرى الانتخابات لمجلس تأسيسي خلال سنة،18- يصار إلى عقد مؤتمر للدول الدائنة والمانحة للعراق،19- يباشر بإعادة الإعمار، وإعطاء أولوية للخدمات العامة والإسكان لتمكين المهجرين والمهاجرين من العودة السريعة والمساهمة في بناء المجتمع الجديد،20- تشكيل لجان مشتركة مع الطرف الأمريكي، الممول، للإشراف على/ومتابعة المشاريع،21- يصار إلى تعديل وإصلاح القوانين المتنوعة وخاصة في المجالات الاقتصادية والمالية والتجارية والمصرفية بهدف الإسراع بأعمال الاعمار وجلب الاستثمارات الأجنبية وفتح مجالات العمل أمام القطاع الخاص،22- توضع الخطط اللازمة للاستغناء عن أية عمالة فائضة في القطاع العام عن طريق رفع كفائته وامتصاص تلك العمالة في مشاريع القطاع الخاص وتشجيع الموظفين على إنشاء شركات خاصة بهم أو شراء شركات القطاع العام بموجب خطة خصخصة مدروسة متوازنة لا تسبب إختناقات ولا ضررا بالاقتصاد العراقي، ولا أذى للمواطنين الذين يجب أن تتفوق مصالحهم العامة على جميع المصالح الأخرى.وإلى حلقة قادمة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك