اتخذت الحكومة العراقية قراراً بتأجيل العمل بالتعرفة الجمركية الجديدة إلى حين استكمال جاهزية المنافذ الحدودية لتطبيقها، ما أثار ردود فعل من القطاع الخاص الذي كان يأمل بأن تساهم التعرفة في إعادة الحياة إلى المعامل والمؤسسات الإنتاجية، وبالتالي إنعاش المنتج المحلي.
وأشار خبراء اقتصاد إلى أن تأجيل تنفيذ التعرفة الجديدة سببه مطالبة جهات معيّنة بذلك، في ظل تعارض مصالحها مع مضمون القرار. ولفتت هذه الجهات إلى أن القيمة النقدية المفروضة على التعرفة الجمركية أدت إلى تدهور النشاط الاقتصادي ووقف إنتاجية الصناعات المحلية، وبالتالي هجرة عدد كبير من الخبرات وذوي المهارات، إضافة إلى انعكاسات وقف العمل بالتعرفة الجمركية على زيادة الموارد المالية للدولة.
وكان تطبيق التعرفة الجديدة تعثّر مراراً بسبب مطالبة بعض الدول والتجار بتفعيل قانون التعرفة الجمركية، بعد إلغاء القانون القديم الذي وضعه الحاكم المدني الأميركي للعراق بعد عام 2003 بول بريمر، والذي يقضي بدفع نسبة 5 في المئة ضرائب على كل السلع المستوردة.
وقال المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح: “لا جدوى من قانون التعرفة الجمركية إذا لم يُطبّق في كل المنافذ الحدودية”، موضحاً أن “القانون ينطوي على فوائد جمة، بينها تعزيز موارد الدولة وحماية المنتج المحلي”. وحذّر من عدم تطبيق القانون في شكل جيد، لأن ذلك يخلق تحدياً لوحدة السيادة الجمركية، لا سيما أنها معتمدة في معظم الدول.
وقال الأكاديمي مظفر حسيني: “أصبحت السلطات الجمركية تتقاضى 5 في المئة من قيمة السلع المستوردة لضريبة إعادة إعمار العراق مع وجود إعفاءات واسعة، وازداد الأمر تعقيداً بعد تشريع قانون عام 2011، إلا أن الحكومة عجزت عن تطبيقه لأسباب اقتصادية واجتماعية وإدارية وسياسية”.
وأمام تعدّد الآراء، هناك من يرى أن الاقتصاد العراقي لا يتحمل مشكلات إضافية سيجلبها قانون التعرفة، إذ سترتفع الأسعار ويتراجع النشاط الاقتصادي التجاري، وسيقع العبء الأكبر على المستهلكين والفقراء تحديداً. ويرى بعضهم أن القانون سيفتح أبواباً جديدة للفساد والمفسدين، فيما يشير آخرون إلى أن العراق لا يحتاج مصادر إضافية للإيرادات في حال تحسّنت إيراداته النفطية.
وتقترح جهات أن يكون هدف التعرفة الحد الأدنى وفقاً لمتطلبات الوضع الاقتصادي، كأن تكون لزيادة الإيرادات العامة أو حماية منتجات محلية أو تسهيل انسياب التجارة الخارجية، وكذلك يمكن تحديد التعرفة وفقاً للقانون الجديد بنسبة 10 في المئة، ما يبسّط إجراءات تحصيل التعرفة ويحدّ من فرص التحايل والتزوير وغيرها من الأساليب التي يلجأ إليها بعض التجار لزيادة أرباحهم في ظل غياب الرقابة الحكومية.
وكان المدير العام لهيئة الجمارك العراقية حكيم جاسم، صرّح بأن قانون التعرفة الجمركية طُبّق على ثلاث مراحل، شملت الأولى أنواعاً محدّدة من السلع، والثانية سلعاً أكثر، والثالثة كل السلع الداخلة إلى العراق. وقال: “هيئة الجمارك وفّرت المستلزمات الضرورية لتطبيق القانون في المراكز الحدودية”، لافتاً إلى أن “القانون سيتيح للعراق الانضمام الى عضوية منظمة التجارة العالمية”. وأشار إلى أن “هيئة الجمارك وقعت مع الجهات المعنية في إقليم كردستان اتفاقاً يلزمه بتنفيذ القانون وتوحيد العمل الجمركي والتسعيرة”.
وأثار وقف العمل بالتعرفة الجمركية مخاوف بعض الجهات التي رأت أن حماية السوق تتحقق عبر تطبيق القوانين المشرعة والنافذة لحماية المنتج المحلي وضمان سوق حرة في البلد، مثل قوانين التعرفة الجمركية وحماية المنتج الوطني والمستهلك والتنافسية والقرارات واللوائح المتعلقة بأهداف السوق الاقتصادية. وأشارت إلى دور القطاع الخاص الذي يعدّ الذراع القادرة على قيادة السوق وتحقيق المشاريع التنموية التي تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد، إذ من المقرّر وفقاً لدراسات أن تكون نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي عام 2030 أكثر من 50 في المئة.