يتظاهر العشرات من المواطنين بشكل مستمر في العاصمة بغداد لمطالبة البنك المركزي بالتدخل لاستعادة ودائعهم من بعض المصارف الخاصة التي تواجه أزمة سيولة خانقة.
ويعزو خبراء ومصرفيون أسباب الأزمة الراهنة التي تمر بها بعض البنوك الأهلية الى الأزمة المالية التي تمر بها البلاد جراء انخفاض اسعار النفط، والانهيار الامني الذي اعقب سقوط الموصل في 2014.
وارتفع عدد المصارف الأهلية بعد 2003 ليصل الى 50 مصرفاً، بعد ان كان 17 مصرفاً قبل هذا التاريخ.
ورغم تنامى القطاع المصرفي الخاص في العراق بعد عام 2003، إلا ان ذلك لم يعزز من ثقة المواطن بهذا القطاع. فبحسب الاحصاءات، لا يملك سوى 12% من العراقيين حسابات مصرفية، في وقت ظلت 70% من الكتلة النقدية بعيدة عن الدورة المصرفية.
ويقول محمد الربيعي، أحد المتظاهرين الذين أودعوا أموالهم في مصرف دار السلام للاستثمار، لـ(المدى) "منذ أكثر من عام نتظاهر بهدف تدخل البنك المركزي ومؤسسات الدولة لاسترجاع أموالنا التي ترفض ادارة مصرف دار السلام للاستثمار اعادتها لنا"، مبيناً أن "المصرف يرفض إرجاع أموالنا بحجة عدم امتلاكه أموالا في خزائنه بينما يستطيع البنك المركزي منحنا أموالنا بعد إطلاق الاحتياطي القانوني الذي يمتلكه للمصرف".
وأضاف الربيعي ان "إفلاس المصارف أضرنا كثيرا لأنه أوقف العديد من مشاريعي التجارية لعدم قدرتي على استعادة أموالي أو تحويلها إلى الخارج عبر المصارف الخاصة لعدم ثقتي بهم".
من جانبه، ذكر الخبير المالي علي الصيهود السوداني لـ"المدى" إن "عدم ثقة المواطنين بالمصارف الخاصة ليست جديدة وإنما هي كانت موجودة في زمن النظام السابق وتعززت خلال الفترة الحالية بعد إعلان بعض المصارف إفلاسها"، مؤكداً أن "المصارف الخاصة العاملة في البلد حاليا هدفها تحقيق الربح عبر الحصول على الأموال من مزاد العملة وليس دعم الاقتصاد الوطني".
وبين السوداني أن "امتناع البنك المركزي عن بيع العملة سيؤدي إلى انهيار العديد من المصارف لأن بعضها لا يمتلك حتى فروعا وهدفها المشاركة في مزاد العملة". وتحدث عن أن "الأموال العراقية بدأت تغادر إلى الدول المجاورة لأن مصارفها تمنح فوائد مالية على الادخار أكثر من المصارف العراقية بالإضافة إلى ضمان الحصول على أموالهم".
ويعتقد الخبير المالي ان "سبب ضعف أداء المصارف العراقية يعود لانعدام الرقابة من قبل البنك المركزي"، مؤكدا أن "أغلب المصارف الخاصة ليست شركات مساهمة وإنما شركات عائلية وبعضها تابع للأحزاب السياسية النافذة وترفض اليوم القيام بواجباتها من خلال منح القروض للمواطنين وغيرها".
بدوره، يوضح الخبير المصرفي وليد عيدي التحديات التي تواجه المصارف الاهلية. ويقول عيدي لـ"المدى" إن "المشاكل التي تتعلق بالجهاز المصرفي تتمثل بعمليات نهب وتدمير بعض فروع المصارف في المحافظات التي احتلها داعش وعدم تسديد الدولة لمستحقات المقاولين الذين اقترضوا من الجهاز المصرفي وتأخروا في تسديدها بالإضافة إلى العطل الكثيرة في الدولة".
ونوّه الخبير المصرفي إلى أن "بعض المصارف تشكو من أزمة سيولة عابرة، ويعمل البنك المركزي على توفير السيولة من خلال اطلاق الاحتياطي القانوني المحتفظ به على شكل دفاعات"، مستدركا بالقول أن "اضطراب الوضع الأمني والسياسي وزيادة عمليات الهجرة الداخلية والخارجية ووجود بعض الخروقات في المصارف وعدم التزامها بالمعايير السليمة انعكست سلباً على القطاع المصرفي وجعلت عدد المتعاملين بين العراقيين لا يتجاوز الـ12%".
وكانت 5 مصارف هي: دار السلام للاستثمار، والشمال، والاقتصاد، والوركاء، والبصرة، واجهت ازمة سيولة خلال الأعوام الماضية، الامر الذي دفع البنك المركزي الى التلويح بتصفيتها أو دمجها مع مصارف اخرى.
في السياق ذاته، يقول النائب رحيم الدراجي، عضو اللجنة المالية النيابية، إن "موضوع المصارف الأهلية موضوع شائك، وأن 80% من هذه المصارف هي عبارة عن دكاكين (محال صيرفة) تقودها بعض الجهات السياسية"، مشيراً إلى أن "هذه الدكاكين وظيفتها الرئيسية فقط المشاركة في مزاد العملة من خلال نافذة البنك المركزي".
ويرفض البنك المركزي الإقرار بوجود مصارف عراقية خاسرة، مفضلا الحديث عن صعوبات فحسب. ويقول منذر الشيخلي، نائب محافظ البنك المركزي، لـ"المدى" إن "البنك المركزي حريص على معالجة كل أوضاع المصارف المتعثرة والارتقاء بها للوصول إلى مستويات مقبولة".
واضاف الشيخلي ان "المصارف المتعثرة عددها قليل جدا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة". وتابع "لا يوجد مصرف خاسر في العراق والتعثر الذي حصل لبعض المصارف يعود إلى الظروف التي يمر بها الاقتصاد بالإضافة إلى التجربة الجديدة للمصارف الخاصة التي تشوبها بعض الإخفاقات".
ويرى المسؤول في البنك المركزي ان "الأداء العام للمصارف الخاصة جيد. وإذا تحسنت أوضاع الاقتصاد فدور المصارف سيتعزز بشكل كبير جداً".
ويلفت الشيخلي الى أن "الحالات التي حصلت يمكن احتواؤها، واتخذنا عدة إجراءات لاحتواء المشاكل القليلة وبالتالي ستعزز السمعة المصرفية في العراق"، مبيناً أن "هناك رغبة حقيقية من المصارف لتحسين أدائها".
بدورها، تقر رابطة المصارف الخاصة بأن الخلل الذي أصاب الاقتصاد بعد عام 2014 أثر بشكل كبير على عمل المصارف.
ويقول علي طارق، المدير التنفيذي للرابطة، لـ"المدى" إن "ظاهرة المصارف المتعثرة حدثت بعد سيطرة داعش على بعض المناطق في البلاد وانخفاض السيولة بعد سحب المواطنين لودائعهم بالإضافة إلى انخفاض سعر النفط ".
وكشف طارق عن "قيام البنك المركزي بتوجيه تعليمات للمصارف المتعثرة بهدف حل أزمتها المالية ودور الرابطة يتمثل بمتابعة التعليمات"، مشيرا إلى أن "البنك المركزي قلص عدد المصارف المتعثرة التي تعاني من شحّ في السيولة إلى ثلاثة مصارف الآن".
https://telegram.me/buratha