أثار إعلان الحكومة الإماراتية أمس عن رفع نسبة تملك المستثمرين الأجانب العالميين في الشركات لتصل إلى 100%، ومنحهم تأشيرات عمل تصل إلى 10 سنوات، الجدل من جديد حول الاقتصاد الإماراتي المترنح منذ فرض الحصار على قطر ومستنقع حرب اليمن الذي يستنزف مليارات الدولارات من الاقتصاد الإماراتي .. ومحاولات الحكومة الإماراتية إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وكشفت تقارير اقتصادية عن لجوء الإمارات للصندوق السيادي للدولة لتغطية عجز الموازنة وهو ما حدث فعلاً حيث تشير التقارير الدولية إلى أن أصول الصندوق السيادي (جهاز أبوظبي للاستثمار) تراجعت من 502 مليار دولار عام 2014 إلى 475 مليار دولار، ما يعني الحاجة إلى اللجوء لسحب ما يقرب من 27 مليار دولار لسد عجز الموازنة.
وقد خفضت الإمارات حيازتها من سندات الخزانة الأمريكية بنحو 200 مليون دولار إلى 66 مليار دولار، حتى نهاية يوليو 2017.
كما لجأت الحكومة الإماراتية لزيادة الرسوم والجبايات الحكومية على المقيمين والمواطنين في «المشتقات النفطية» و«رسوم الكهرباء والمياه» و»المعاملات الحكومية» والقوانين التي تُفَعل الضرائب والمدفوعات إلى جانب إيرادات جديدة كرسوم البلديات. وفي ذلك أعباء كبيرة على المواطن والمقيم ففي مرحلة معينة سيتوقف الاستثمار في الدولة من بينها الرسوم والضرائب التي كان عدم وجودها محفز للاستثمار في الإمارات، ما يعني مغادرة الوافدين مع ارتفاع التضخم وزيادة غلاء المعيشة وتعتبر الإمارات «أبوظبي ودبي تحديداً» من أكبر مناطق العالم التي تعاني من غلاء المعيشة.
- الاستدانة.. فخلال الأعوام السابقة زاد الدين العام، داخلياً وخارجياً، ولا تستطيع الدولة الاتحادية الاستدانة لسد العجز لعدم وجود قانون للدين العام، فيما تستطيع الحكومات المحلية الاستدانة، وعدم وجود قانون للدين العام يحول البنك المركزي إلى منظم للعمليات، ومنذ عام 2013 والبنك المركزي يطالب بصدور القانون. وحسب مركز دراسات المخابرات الأمريكية فإن حجم الدين الخارجي على الإمارات وصل 171.9 مليار دولار 2015م.
فيما تشير تقديرات إلى أن حجم السندات الداخلية (الديون على الحكومة، إحصائيات 2013) 65.8 مليار دولار.
وحسب تقرير صدر في يناير 2017م عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، فإن حجم الديون الخارجية كنسبة بالناتج المحلي للإمارات يصل 59%.
النمو الاقتصادي
وكان صندوق النقد الدولي توقع أن تتراجع نسبة النمو الاقتصادي في الإمارات من 3 % في 2016 إلى 1.3 % في 2017.. منوهاً باستمرار ذلك التراجع في 2019.
كان مدير مؤسسة ستاندرد تشارترد المصرفية قد حذر من تداعيات الأزمة الخليجية على مكانة مدينة دبي على الصعيد المالي.
ونقلت وكالة رويترز عن رئيس المؤسسة بيل وينترز أن «دبي تخاطر بمكانتها كمركز مالي نتيجة حصار قطر».
وأضاف وينترز: دبي ستواجه المزيد من الصعوبات للعب دور المركز المالي الإقليمي لكبريات المؤسسات المالية العالمية في حال استمرار الأزمة الحالية.
وأظهر تقرير ستاندرد تشارترد أن حصار قطر يهدّد أعمال 383 شركة إماراتية وأجنبية تعمل في دبي و17 مصرفاً تقوم أهم أعمالها بين البلدين.
وكشف التقرير عن أهم الشركات الإماراتية والعالمية التي تواجه صعوبات وقد تتجه إلى تغيير خطتها وإغلاق فروعها في دبي، حسب التقرير، منها شركة أرابتك القابضة التابعة للإمارات التي تمتلك مشروعين مشتركين في قطر، وكذلك شركة داماك العقارية التي تقوم بتطوير برجين في قطر. إضافة إلى شركة دكسب إنترتينمنت العالمية التي تتخذ من دبي مقراً لها التي أكدت في تصريحات رسمية من خلال مسؤوليها أنها تدرس تقليص عمليتها في الإمارات، وقد تتجه إلى إنهاء أعمالها في دبي.
تخفيض التصنيف
وكانت وكالة التصنيف الائتماني العالمية موديز قامت بتخفيض تصنيفها الائتماني للإمارات، وقد أربكت تلك المؤشرات الاقتصاد الإماراتي، حيث توقفت العديد من المشاريع وتعطل حركة الصادرات الإماراتية نحو قطر، وبالتالي من حقق الميزان التجاري الإماراتي خسائر نتيجة فقدانه لسوق حيوي.
وقد ظهرت نتائج الحصار الجائر على قطر بسرعة على الاقتصاد الإماراتي، فبعد الخسائر الكبيرة في قطاعات السياحة وقطاعات أخرى، دخل الغاز المسال دائرة ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلك. وأعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية للتوزيع «أدنوك للتوزيع»، ارتفاع أسعار إعادة تعبئة أسطوانات الغاز المسال بنسبة 15.5% لشهر أغسطس الماضي، في جميع محطاتها بدولة الإمارات.
خسائر دبي
وقالت مجلة «إيكونومست» البريطانية، في تقرير حول حصار قطر «على الرغم من الخسائر التي تكبّدتها قطر في سبيل الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي، إلا أن خسائر دول الحصار تتراكم يوماً بعد يوم وأن تحوّلاً جذرياً في العلاقات التجارية والاقتصادية يحدث في منطقة الخليج»، مشيرة إلى أن إمارة دبي تبقى أكبر الخاسرين من هذا الحصار واستمراريته.
وقال تقرير مجلة «إيكونومست»: إن إمارة دبي تخسر الشركات والأعمال التجارية والاستثمارات القطرية التي كانت تُنعشها. ونسبت إلى سيدة تدير شركة علاقات عامة في دبي قولها إن «شركتها تخطط لخفض الموظفين في أعقاب فقدانها العقود القطرية بعد الأزمة».
ونسبت «إيكونومست» إلى مسؤولين بوكالات عقارية في دبي قولهم: إن «الأزمة ضربت سوق العقارات بدبي، إذ أن المستثمرين القطريين كانوا من كبار المستثمرين في العقارات بالإمارة، وإنهم اشتروا عقارات قيمتها 500 مليون دولار في 2016».
خسائر موانئ دبي
على صعيد الأضرار التي لحقت بموانئ دبي، قال تقرير مجلة «إيكونومست» البريطانية: إن ميناء جبل علي كان أكبر المتضرّرين من أزمة الحصار على قطر.
وأضاف: إن ميناء جبل علي كان يقوم بمناولة أكثر من 30% من شحنات النقل البحري في دول مجلس التعاون الخليجي وإن 85% من هذه الشحنات كانت تشحن إلى قطر. ولكن منذ الأزمة حوّلت قطر شحناتها إلى موانئ سلطنة عُمان، إلى كل من ميناءي صلالة وصحار.
أبو ظبي فقدت ثقة المستثمرين
وأكد محللون اقتصاديون أن الإمارات فقدت مصداقيتها أمام العالم وثقة المستثمرين بها بعد الانتهاكات الجسيمة ضد الاستثمارات القطرية والتي تضمّنت حجز5 آلاف حاوية بمنطقة «جبل علي» وإعادتها من حيث أتت، وتجميد أموال ورفض تحويلها والإيعاز لمؤجري عقارات يملكها قطريون بإلغاء العقود وإعادة شاحنات كانت متجهة إلى قطر وطرد مستثمرين ومنعهم من الدخول لإدارة أعمالهم ومعرفة مصيرها.
وأشاروا إلى أن «دبي» هي الخاسر الأكبر والمتضرّر الأول من حصار قطر وتتعرّض لما يشبه بالكارثة الاقتصادية حالياً بعد هروب بعض رؤوس الأموال منها وإحجام المستثمرين عن ضخ استثمارات جديدة لاسيما أنها تعتمد بالدرجة الأولى على الاستثمارات الأجنبية. وأكدوا أن القادم أسوأ بالنسبة لمنطقة «جبل علي» بعد حجز أموال لمستثمرين قطريين وشاحنات وحاويات خاصة أنها كانت تعتمد في تشغيلها على السوق القطري.. متسائلين كيف تكون منطقة تجارة حرة مفتوحة أمام حركة التجارة ويتم إخضاعها لتحقيق أهداف سياسية؟.
وأوضحوا أن الاستثمارات بالإمارات أصبحت في خطر وغير آمنة، مؤكدين أن الضرر الاقتصادي الذي أصاب الإمارات ليس له حدود خاصة «دبي» والأمر ينذر بكارثة اقتصادية إذا استمر حصار قطر.
وأشاروا إلى حالة التذمر الكبيرة بين المستثمرين الإماراتيين والعرب والأجانب بعد الأضرار الضخمة التي أصابتهم وشكواهم من حدوث انخفاض كبير في المبيعات وتوقف أعمالهم تماما بسبب إجراءات الحصار.
الإمارات تغرق في مستنقع اليمن وتنفق 16 مليار دولار سنوياً على العمليات البرية والجوية :
ووفقاً لتقديرات أولية، فإن تكلفة الحرب على اليمن تتراوح ما بين 80 إلى 100 مليار دولار، تساهم دول مجلس التعاون الخليجي بـ 70% منها.
وقدّر مركز الإمارات للدراسات والإعلام، كلفة الحرب على الإمارات بنحو 1.3 مليار دولار شهرياً ما يصل إلى (16 مليار دولار) سنوياً، في العمليات البرية والجوية ضمن التحالف الذي تقوده السعودية.
وقال المركز: وبالرغم من التكلفة الباهظة في المال تدفع الدولة جنودها إلى الحرب إلى جانب مرتزقة وعشرات الآلاف من اليمنيين، دون خطوط واضحة للحرب والسلم، إلى جانب بناء قواعد عسكرية دائمة في تلك البلاد، وهو ما انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي في الإمارات والتي أدت إلى مجموعة من الإجراءات التي تتزايد كل يوم بحق الإماراتيين.
خلال المُدة بين 2015 ونهاية عام 2017م كانت الدولة تعاني من اقتصاد هشّ، وتضاعف الجبايات على المواطنين والمقيمين للتخلص من عجز الموازنة الذي تفاقم في الدولة.
ويبدو أن لحرب اليمن تأثير كبير إلى جانب رعاية حروب أخرى في مصر وليبيا وتونس؛ لكن اليمن هي أقسى تلك الحروب التي تحوّلت إلى ثقب أسود يلتهم اقتصاد الدولة بالتهامه المال العام ويمكن الإشارة إلى أن الدولة بدأت تعاني بالفعل من سوء تلك المؤشرات وأصبحت تزيد من فرض الضرائب والرسوم الحكومية على المواطنين والمقيمين.
https://telegram.me/buratha