مظهر محمد صالح
سالني الاقتصادي العراقي الشاب احمد الهذال متسائلاً بشان ازمة كورونا والفكر الاقتصادي المالثوسي ، مبينناً بان العالم مالثوس هو اقتصادي وسياسي، له نظرية يتداولها الاقتصاديون دائما ،خلاصتها ان السكان يتزايدون بمتوالية هندسية ا والانتاج بمتوالية عددية ، وهذا حسب نظريته يؤدي الى اختلال التوازن بين السكان والموارد، مؤكداً على ضرورة تدخل عوامل خارجية مثل الحروب والاوبئة والامراض لتعيد التوازن كما يحدث في ازمة كارونا حاليا 2020، مع ان الرأسمالية تفترض التوازن بين العرض والطلب حسب قانون المنافذ للعالم الاقتصادي ساي الذي بقى ساري المفعول لغاية صدمة الكساد الكبرى 1929 .وقد تساءلت في سري ومستدركا من فوري : من قال ان الانتاج بقيمته المثلى مع الفائض او الربح لا ينمو بمتوالية هندسية او أسية exponential....؟وان المتبقي من قيمة الانتاج الدنيا بعد سرقة الفائض ونهبه والاستيلاء عليه سيتحول الى متوالية عددية linear وعلى وفق المالثوسية القديمة ،والذي هنا لا يتناسب قيمة الانتاج مع السكان ،وان
جل الحروب الامبريالية تشن لاعادة التوازن ونهب الفائض والتراكم بين الامم المتقاتلة على صعيد العالم .فقد كانت تلك الصراعات على (الفائض المالثوسي )واحدة من اهم مقدمات الحربين الكبريين التي تجلت بنهب الاسواق والمستعمرات ، وان الحرب الثالثة في زمن المالثوسية الجديدة وتطور مستحدثاتها الناعمةً هي الحرب التجارية الصينية -الامريكية منذ مطلع العام 2019 والتي انتهت اليوم بوباء كورونا كسلاح مالثوسي جديد لامة يشغل سكانها قرابة خُمس سكان العالم .اذ تاتي تلك الحرب التجارية لاعادة هيكلة الفائض العالمي و توزيعه لمصلحة الراسمالية المركزية الامريكية .سواء من الصين او البلدان النفطية اوالعالم اجمع .فالذي سيدفع فاتورة تعويضات الحرب الثالثة لمصلحة المنتصر هو الاشد خسارة في الحقبة المالثوسية الجديدة في القرن الحادي والعشرين .انها الحرب العالمية الثالثة وهي حرب ناعمة تسمح باستخدام اسلحة الحرب كافة واجيالها المختلفة في آن واحد دون دخان المدافع واصواتها المرعبة. فالغايات من الحرب التجارية الثالثة مازالت تسير على وفق المخططات المرسومة لها .فمن يمتلك ادوات صناعة الحرب باجيالها المختلفة سواءالخشنة والناعمة ويمتلك استراتيجيات الحرب وتوقيتاتها والمبادرة فيها ،فهو المنتصر لامحالة عبر أنظمة نفوذ وهيمنة عالمية راسخة ثلاث هي: النظام المالي العالمي والذي نسميه بالنمط الماركنتالي المالي والثاني هو النظام الرقمي المهيمن على الثورة التكنولوجية الرابعة والثالث القوة العسكرية ونظامها المتفرد الأول في العالم.
فدولار الولايات المتحدة الذي يهيمن اليوم على اكثر من 85% من تمويل التجارة والاستثمار في العالم ،مازال هو الزيت العالي الجودة لتزييت محركات الامبريالية الماركنتالية التي تمتلك أدوات امتصاص الفائض او التراكم حول العالم بمعدلات مضاعفة تفوق معدلات إصداره. لقد أغُرق العالم حقاً بنظام نقدي أحادي تقريباً فرضته شروط المنتصر في الحرب العالمية الثانية وعززته القطبية الاحادية منذ آواخر القرن العشرين . فالولايات المتحدة تُصدر اليوم عملتها بالغالب لقاء قيام العالم باقراض الحكومة الامريكية بفوائضهم المالية المتحققة مع الولايات المتحدة عن طريق مبادلتها بسندات الخزانة الامريكية وهو اقتراض حكومي امريكي للدولار المصدر نقداً ، أي مبادلة الدولار الفائض لدى الدول الاخرى بالسندات الامريكية لسد عجز الموازنة الامريكية. وبهذا أمست الولايات المتحدة مصُدرة للعملة ومستوردة للسلع والخدمات ولاسيما السلع كثيفة رأس المال لتقوم هي بالمقابل تصدير سلع وخدمات كثيفة العمل كي تضمن مستوى عالي من التشغيل ومحاربة البطالة والتي يطلق على هذه الظاهرة الامريكية الغريبة ( بمفارقة ليونتيف Leontief Paradox ) . إذ تزيد نسبة الديون الامريكية الى الناتج المحلي الاجمالي حالياً على 115% بعد ان ظلت نسبتها من العام 1940 وحتى العام2017 بمتوسط مقداره 61,7 %.
وهكذا فان ثمةً طريقين لتدوير التراكم العالمي في ظل تطور المالثوسية الجديدة وتوفير أدوات تحصيل الفائض العالمي لمصلحة اقتصاد الولايات المتحدة بمعادلة ستبقى أسية exponential او هندسية .فالطريق الاول ويتمثل باستعادة عافية قوة السوق المالي الأمريكي باصوله كمركز للاقتصاد الرمزي token economy ذلك من خلال سياسات التيسير الكمي Quantitative easing التي يتبعها الاحتياطي الفيديرالي الأمريكي بغية تقوية دورة الاصول الماليةassets cycle .اذ تُهاجم فوائض الامة الامريكيةومدخراتها هنا ويعاد توزيعها للاحتكارات المصرفية والمالية فضلاً عن فوائض وتراكمات عالمية اخرى والثانية ، هي مد السيولة النقدية الدولارية الكافية للراسمالية الامريكية وتوفيرها بيسر كي يتحرك راس المال الامريكي للاستثمار في الفرص الربحية الحقيقية الخارجية كاستثمار اجنبي مباشر او غير مباشر .وهي الفرص المهياة والمتاحة حول الأرض لامتصاص حصص العالم من ثرواته المختلفة. ونتذكر جميعاً مافعلته قضية حرب العملات currencies war ابان الأزمة العالمية 2008 (أزمة الرهن العقاري )وكيف بدات قصتها في الاستيلاء على اقتصادات اميركا الجنوبية وضمن ما اطلق عليه وزير مالية البرازيل في أيلول 2010 بحرب العملات والتي ولدتها سياسات التيسير الكمي QEللفيديرالي الامريكي كما ذكرنا آنفاً والقائمة على مبادلة الاصول الامريكية الرديئة (ابان الازمة المالية) بالدولار الجديد الفعّال المصدر لقاء خصم الاوراق المالية الامريكية بفائدة منخفضة جداً لتصبح من مكونات الموازنة العمومية للبنك الاحتياطي الفيدرالي. اذ يجري استثمار الدولار الامريكي الجديد المُسيل (اوالمولد لقاء الاصول المالية الرديئة ) ليعد بعدها من الاموال الراسمالية الساخنةً الامريكية التي اتجهت الى الاقتصادات ذات الاسواق الناشئة في بلدان مجموعة G20 وغيرها ضمن ظاهرة حرب العملات والمضاربة في أسعار الصرف والفائدة.
فضلاً عن استمرار ادامة النفوذ التجاري والمصرفي في مختلف الممرات والمناطق في العالم .كذلك فرض السيطرة الاقتصادية على الامدادات الاستراتيجية من السلع الخام وصناعة القرارات السعرية في العالم بمختلف الاتجاهات ومنها اسواق الطاقة المتدهور اسعارها الراهنة بنسبة تعدت 60% خلال الربع الاول من العام 2020.اذ فقدت البلدان المصدرة للنفط احتياطاتها الريعية او اي نمو محتمل فيها الى امد غير محدد لمصلحة النظام المالثوسي الاقتصادي الجديد.
فحزم الانقاذ التي يعتمدها الاحتياطي الفيديرالي اليوم سواء بتسييل سندات الخزينة الامريكية لمواجهة مشكلات الركود الاقتصادي جراء وباء كورونا (او اعتماد الحزم المالية الاخرى التي تزيد على واحد تريليون دولار ونيف حالياً لابتياع الاوراق المالية وخصمها بسعر فائدة يقارب من الصفر zero interest rate )جميعها تقع ضمن فلسفةً الهرم الفكري الراسمالي المالثوسي الجديد المنقلب . فنطاق المساواة الاشتراكية التعويضية لقاعدة الهرم ستكون من حصة الشركات الراسمالية الكبرى التي ستتمتع بنتائج الحزم التحفيزية للادارة الامريكية سواء المالية او النقدية في حرب كورونا وتجنيبهم مظاهر الافلاس وتعظيم تراكماتهم وتجديد اسلحتهم الاقتصادي في سوق راس المال ( وهم القوة الراسمالية الاولغارشية الامريكية) .اما قمة الهرم المنقلب فهو من نصيب الطبقة العمالة وصغارالمدخرين الأمريكان الذين يمثلون معسكر راس المال المفلس المجرد من فكرة الفائض او المُستلب من التراكم ، اذ تحال نتائج افلاسه الى طبيعة النظام الراسمالي نفسه بتوليد قوة عمل عاطلة مدينة debtors محرومة الدخل وتتعثر بدونيات العيش.
فكورونا هي شرارة الحرب المالثوسية الجديدة وولادة العالم الصناعي المركزي الاحادي الجديد والتوجه نحو قومية الاقتصاد للدولة العظمى المنتصرة في الحرب الثالثة بعد ان تتفكك العولمة الراهنة وتبدل وضع معطياتها التجارية واسواق الطاقة فيها واقتصاد الصين كثاني اقتصاد في العالم وكذلك تفكك العلاقات الاقتصادية الاوروبية (بعد بريكست )تحت القيود التجارية الجديدة للمنتصر.
ختاماً ،فان دخول العالم بالكساد الاعظم في خضم صراع كورونا ونهاياتها يعني المزيد من قومية الاقتصاد للدولة المنتصرة والذي وضع الوباء المالثوسي الجديد مقدماته الانعزالية لتفكيك العالم واستسهال السيطرة على فوائضه .وهو اشبه ما بأوضاع العالم الانعزالية فيما بعد الحرب الاولى وولادة ازمة 1929-1933 الاقتصادية الكبرى والتي هيأت للحرب العالمية الثانية 1939
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha