ما الذي يحدث عندما تقرر مجموعة من الأطراف زيادة إنتاجها من بضاعة معينة، رغم أن أعدادا أقل من الزبائن يطلبونها؟ النتيجة معروفة حتى لدى المبتدئين في عالم الاقتصاد الذي يقوم على قاعدة العرض والطلب. ولكن السؤال الآخر الأكثر خطورة هو: من المذنب في هذه الحالة، ومن المسؤول عن انهيار أسعار النفط العالمية؟
تقول إيرينا سلاف في تقرير نشره موقع "أويل برايس" الأميركي، إن هذا السؤال لو يتحتم علينا اختيار إجابة له من بين خمسة اختيارات هي: 1. السعودية، 2. روسيا، 3. الولايات المتحدة، 4. فيروس كورونا، 5. كل هذه الأسباب مجتمعة، فإن الإجابة الصحيحة بالطبع هي الأخيرة، إذا كنا ننظر إلى هذه المشكلة بشكل موضوعي ومحايد، بعيدا عن أي انتماء أو ارتباط بأحد هذه الأطراف، ولكن يبقى السؤال ملحا، حول حجم مساهمة كل طرف في هذه الأزمة.
وتقول الكاتبة إن السعودية كانت دائما أكبر منتج للنفط في العالم، والأهم من ذلك أن نفطها هو الأقل كلفة من بين كل المنتجين، هذه الميزة منحتها تفوقا كبيرا عندما يتعلق الأمر بالتحكم بأسعار الذهب الأسود، حيث إن هذه الأسعار كانت ترتفع وتنزل بحسب رغبة السعودية التي تغلق أحيانا بعض حقول النفط أو ترفع نسق إنتاجها.
وذكرت الكاتبة أن آخر هذه المناورات التي تقوم بها السعودية حدثت عام 2014، عندما بدأت الولايات المتحدة التأثير على سوق النفط العالمية، فقررت الرياض القيام بخطوات لحفظ موقعها وخنق المنافسة الأميركية، وسرعان ما هوى سعر البرميل من 120 دولارا إلى أقل من 30 دولارا، ليدخل جميع المنتجين في فترة معاناة، بما فيهم المملكة.
السعودية وروسيا
خلال الفترة الماضية، قررت المملكة مرة أخرى رفع كمية إنتاجها لأقصى مستوى، ولكن الهدف هذه المرة هو معاقبة روسيا التي كانت شريكتها في السيطرة على الأسعار، وذلك بسبب رفض موسكو تخفيض حصة أكبر من إنتاجها من أجل الدفع بالأسعار نحو الارتفاع. ولكن يعتقد بعض المتابعين أن هنالك هدفا ثانيا للسعودية، هو الإضرار بصناعة استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة.
إن أسعار النفط هي من أكثر الأشياء التي يسهل توقعها في الأسواق العالمية، حيث إنها تحكمها أسباب ونتائج معروفة لدى جميع المتابعين، وهي لا تشهد أية مفاجئات، ولهذا يمكن اعتبار أن المملكة السعودية هي الطرف الذي بادر بإطلاق أول رصاصة فيما بات يسمى الآن حرب أسعار النفط، ولكن هل هذا الرأي صحيح تماما؟
تقول الكاتبة إن المملكة السعودية أعلنت مخططاتها لرفع إنتاجها إلى 12.3 مليون برميل يوميا، بعد أن كان أقل من 10 ملايين برميل، وذلك بسبب عدم انعقاد اجتماع دول أوبك بلس في فيينا، لأن روسيا اتخذت موقفا أحاديا يرفض خفض الإنتاج.
وقد أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك أن بلاده سوف تعود إلى مستويات الإنتاج التي سبقت توقيع اتفاق خفض الإنتاج، وهو ما يعني زيادة في إنتاجها اليومي تتراوح بين 300 و500 ألف برميل.
وترى الكاتبة أن هذا الموقف الروسي الرافض للتعاون مع باقي دول أوبك بلس وخفض إنتاجها، يمكن اعتباره السبب الحقيقي الذي دفع بالمملكة السعودية لاتخاذ قرارها بتصدير 3 ملايين برميل إضافي يوميا، ولا يستبعد الخبراء أن تكون روسيا بدورها قد افتعلت هذا الخلاف، لأنها هي أيضا تريد استهداف صناعة استخراج النفط الصخري في الولايات المتحدة.
النفط الصخري الأميركي
إن إنتاج النفط الصخري الأميركي بات ينظر إليه على أنه أحدث تغييرا في توازنات القوى النفطية في العالم خلال العامين الأخيرين، حيث وصل حجم الإنتاج بهذه الطريقة إلى 13 مليون برميل يوميا، بحسب تقارير إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة.
هذه الكميات جعلت من الولايات المتحدة تصبح أكبر منتج للنفط الخام في العالم، ومكنتها من خفض تبعيتها الخارجية نحو استيراد النفط من دول أخرى، بل إنها باتت تصدره وتنافس المملكة السعودية وروسيا.
وهذا التأثير الأميركي على الأسواق العالمية بات مؤكدا، بعد أن قامت دول أوبك وروسيا بخفض الإنتاج في عدة مناسبات، ولكن دون أن ترتفع أسعار النفط العالمية، ليس فقط بسبب تراجع الطلب بل أيضا بسبب ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأميركي.
وختاما تشير الكاتبة إلى أن حرب الأسعار بين هذه الدول، إلى جانب فيروس كورونا الذي ينتشر في العالم، كلاهما من العوامل التي جعلت التوقعات تشير إلى أن سعر برميل النفط قد يصل إلى 10 دولارات، والجانب المشرق في هذه الحالة هو أن هذا السعر سيساعد اقتصادات بعض الدول المتضررة من فيروس كورونا على التعافي بسرعة، مستفيدة من انخفاض أسعار المحروقات.
https://telegram.me/buratha