د. علي العمار
" ان الفقراء مكتملي الصحة والبنية لا يريدون منا المساعدة بقدر حاجتهم لمن يعطيهم رأس مال لأعمالهم"
الاقتصادي الحائز على نوبل محمد يونس
ان التفكير بكيفية انتشال الفقراء من واقع لم يكن لهم يدا فيه سوى الحرمان والسياسة , والذي عادة ما تصبح مسألة مقاومته فيما بعد مادة دسمة في الانتخابات لمن يمارس السياسة والاقتصاد وربما ايضا من باب تقليل الفوارق الاجتماعية .
واحدة من اروع واجمل قصص النجاح الرائعة والتي استوقفتني كما الكثير من المهتمين في العالم بقضية الفقر, والتي سلطت الكثير من المنتديات الاقتصادية في العالم الضوء عليها باعتبارها واحدة من اهم التجارب الرائدة و ممكنة التطبيق , قصة النجاح التي تبناها البروفيسور البنغالي محمد يونس , ولبلد يقبع في سلم دول العالم الفقيرة , فقد استطاع وفي اقل من 3 عقود ان يحقق ما عجزت عنه 2,3تريليون دولار كاملة جاءت عن طريق برامج المعونات الخارجية والتي هدرتها الكثير من الحكومات بداعي الفساد والبيروقراطية..
البنك الدولي افة للتآكل لا للتنمية..
وكذا الحال مع صناديق النقد الدولي والمعونات الخارجية , معظمها ان لم تكن جميعا لا تفكر بالفقر المدقع ومعالجته , انها صناديق تتبع النظام العالمي لدورة المال وهي بالأساس وجدت لا لسد العجز في موازنات منهكة بقدر اعادة جدولة الديون باتجاه زيادة التبعية النقدية وتوظيف المزيد من مواطنيها وبيع سلعها.....
وكما يقول "يونس" انها بيروقراطيات ضخمة عادة ما تذهب اموال المساعدات المخصصة للدول الى انعاش حجم الانفاق الحكومي وبما يتعارض مع مصالح الاقتصاد السوقي , فحينها تصبح المعونات الخارجية بمثابة الفخ وهي كذلك , فهي نوعا من الاحسان للأقوياء وذوي النفوذ في حين يزداد الفقراء فقرا" "
هذا الراي له من يؤيده على وفق ما جاء به ويليام ايسترلي والذي قضى الجزء الاكبر من حياته المهنية بالعمل مع البنك الدولي حين يذكر ويحذر بخبث في كتابه المثير للجدل " البحث المراوغ عن النمو" من مسالة تبني البنك الدولي لسياسة خلق المناخ الملائم للنمو المستدام والهروب من دائرة الفقر الخبيثة , بل ويشدد ايضا على ضرورة الابقاء على معدلات عالية من التبعية والوضع المتردي لزيادة تبعية الاقتصادات الناشئة لهيمنة البنك الدولي مهما كانت الاسباب!
ويعترف بخبث اكثر حين يقول ...: " لا يوجد في تخطي الفقر , لا يوجد اكسير سحري"
ولكن في النهاية وبعد اكثر من خمسين عاما قضاها مع أكبر مؤسسة للهيمنة الاقتصادية في العالم يعود ليعترف ويعلنها صريحة بأن مساعدات الغرب لم تحقق مكسب كبير للأخرين على نحو يشعر بالصدمة خاصة وان اكثر من مليار شخص ممن شملهم البنك بمعوناته لايزالون يعيشون بدولارين فقط دولارين او اقل في اليوم!
" بيروقراطيات المعونات المتضخمة التي لا يحاسب عليها احد "
ويليام ايسترلي,,
تجارب عالمية في تخطيط الخروج من حلقة الفقر
محمد يونس وقصة النجاح ...
يونس الاقتصادي المحترف والحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2006
قام بالتدريس لسنوات في جامعة شيتاجونج في بنغلادش وبعد سنوات من التدريس عن مواضيع في الفقر والنمو الاقتصادي , قرر اخيرا ان يفعل شيئا ازاء الفقر المدقع في بلاده..
عام 1976 وخلال زيارات علمية ميدانية له ولأفقر العوائل تحديدا في قرية جوبرا الواقعة بالقرب من الجامعة , اكتشف ان قروضا صغيرة للغاية يمكن معها ان تحدث فارقا كبيرا لشخص فقير , فقد كانت اولئك السيدات الغارقات في فقر اسرهن يصنعن اثاثا من الخيزران كن يضطررن فيه للحصول على العمل لقاء تلك القروض الربوية والتي يعجزن معه في نهاية المطاف عن تسديد الفوائد لا القرض مهما كانت ضالئته.
قرر حينها ان يمنح اول قرض يقدمه يونس وكان يعادل 27 دولارا لكل امرأة دفعها من ماله الخاص لاثني واربعين سيدة في قرية جوبرا... كانت هذه هي البداية للانطلاق نحو العالمية...
ان مثل هذه الخطط للمساعدة في الحد من الفقر ما كان لها ان تظهر للنور الا من خلال رجل اقتصادي محترف , على وفق برنامج حقيقي للقروض الصغيرة الى حد يثير الاستغراب الشديد , فبنك جرامين اصبح يقرض ما بين 30 دولارا لكل فقير ما لبث ان ارتفع الى 200 دولار او اكثر للمقترض الواحد دون اي فوائد تذكر فهي مخصصة للفقراء حصرا ولغير المتعلمين منهم والذين ليس لهم اي ضمانات او تقدير ائتمان ,, انهم فقط ممن لديهم القدرة على العمل .
تحول مثير, فقد ارتفع عدد المقترضين من 42 مقترض في بدايات تأسيسه الى الملايين من المحتاجين فقد بلغ حجم الدين الممنوح للفقراء لحد الان لما يقارب من ال 3 مليار دولار
ولكن التساؤل المثير للدهشة هل هذا البنك يهب المال هكذا بدون فوائد ما الجدوى منه؟
اليات نقل المال من جيوب الاغنياء الى ايدي الفقراء.
بنك جرامين بنك ربحي خاص يعمل بالجهد الذاتي ويفرض فوائد تصل الى 18% مضاف اليها 2% فوائد تأخيريه ولكن لمن تعطى هذه القروض؟
الفكرة و الطريقة التي يعمل بها هذا البنك تتلخص بمنح القروض الميسرة والكبيرة والقادرة على احداث نمو الى مجموعة من المستثمرين القادرين ماليا ولكن الشرط الوحيد لهم ان يتم تمويل جزء كبير من هذه القروض الى الفقراء بمشروعات خاصة بهم ,,بدون فوائد لتمكنهم من العمل المنتج.
وهكذا يستمر الدعم للفقراء عبر الاغنياء من المستثمرين الذين بدورهم يحركون عجلة الاقتصاد عبر حلقة من التمويل والتدريب والتأهيل .
كما ان الفكرة الاكثر ابداع ان ما يحصل عليه الفقير من قروض ان لا تسدد للمستثمر مباشرة بل تسدد و تسترد كذلك من البنك دون اي فوائد تذكر ,,
ومن تلك الافكار التي تحولت الى مسارا للتطبيق (يونس) ادخل فكرة اصدار سندات بنكية بأسماء الفقراء ليؤمن لهم مستقبل لهم وهنا اصبح بمقدور الفقير ان يتحول من مقترض الى مساهم في تكوين رأسماله الخاص.
والانتقال من حلقة الفقر المفرغة نحوالاكتتاب العام , يونس بهذا الصدد يقول " انني اؤمن بالفعل بقوة اقتصاد السوق الحرة العالمية وباستغلال الادوات الرأسمالية ولكن بنفس الوقت اؤمن ايضا بان تقديم الاعانات للعاطلين عن العمل هي ليست الطريقة المثلى لمواجهة الفقر,,, الا اذا وجدت الرغبة للقادرين منهم على العمل عليه سأدفع راس المال دون اي عراقيل ازاء تلك المنه"
فالفقراء لا ينقصهم سوى ما يحتاجونه من دفعة قوية تتمثل برأس المال للدخول في مشروع يؤمن لهم الاستمرار, ولكن ان تستعبدهم بالفوائد حينها قد كتبت لهم ان ينتهون قبل ان يبدؤا فالعيش بكرامة كانت تمثل حلما لهم نسعى ان يكون حقيقة..... لا حلما يبقى يؤرقهم.!
هذا مع الفرد الفقير , ولكن ماذا لو قام الساسة الطارئين برهن مجتمعات كاملة لمجموعة الاحتكار العالمية ممثلة بالبنك الدولي وصندوق النقد وغيرها من صناديق الاذلال .
حينها كيف سيكون حال الدول المستقرضة ؟!
سؤال يوجه وبقوة لمن يفهم ويخطط ادارة الاقتصاد ومكافحة الفقر؟
مجرد تساؤل
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha